بقلم / عبدالباري عطوان
(التحالف السني) يواجه ولادة متعسرة وأطرافه تحاول تجنب التدخل العسكري بالحديث عن (الحل السياسي), ولماذا يتمسك السيسي بفضيلة (الصمت)؟ وهل تحل مسقط محل الرياض كعاصمة للمفاوضات؟ ولماذا؟
عندما يخف الحديث عن “تحالف سني” يضم الدول العربية والإسلامية الكبرى مثل المملكة العربية السعودية وحلفائها الخليجيين والعرب إلى جانب كل من باكستان وتركيا، ويتصاعد الحديث عن ضرورة الذهاب إلى مجلس الأمن الدولي لاستصدار قرار يجمع كل الإطراف على مائدة الحوار في دولة “محايدة” وينزع سلاح الحوثيين، فان هذا يعني فرص قيام هذا التحالف السني، وتدخله عسكريا في اليمن لمواجهة “التمدد” الايراني باتت محدودة، ان لم تكن معدومة.
الضربات الجوية السعودية لمواقع الحوثيين ما زالت مستمرة، ولكنها لم تحقق حتى الآن معظم اهدافها، والدعوات للتدخل البري في إطار “عاصفة الحزم” لم تجد آذانا صاغيا رغم اقتراب الحرب في اليمن من دخول أسبوعها الثالث.
المنطقة باتت تشهد تحركا دبلوماسيا محموما لايجاد “حل سياسي” للازمة اليمنية يعفي أطراف “التحالف السني” الرئيسية من حرج التدخل البري الذي لا تتمناه معظمها، إن لم يكن جميعها، لأسباب متشابهة بل متطابقة.
***
الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الذي استقبل الأمير محمد بن نايف ولي ولي العهد السعودي عشية زيارته إلى طهران، تحدث عن كل القضايا الاقليمية الساخنة في المنطقة في المؤتمر الصحافي الذي عقده مع نظيره حسن روحاني في ختام مباحثاتهما باستثناء الملف اليمني، وبات واضحا انه يفضل أبعاد كل الملفات الشائكة مثل سورية والعراق واليمن عن طموحاته في توسيع نطاق التبادل التجاري مع إيران، وان لا يتخذ أي موقف يمكن ان يؤثر على دوره المستقبلي كوسيط في الازمة اليمنية خاصة.
السيد نواز شريف رئيس الوزراء الباكستاني يعيش حالة من الارتباك غير مسبوقة، ويبدو عاجزا عن تلبية طلب حليفه السعودي في إرسال قوات برية إلى اليمن لخوفه من حرب أهلية، واضطرابات طائفية داخل بلاده بسبب وجود ما يزيد عن عشرين في المئة من الشيعة في الجيش الباكستاني، ولذلك طار إلى تركيا للتشاور، فوجد السيد اردوغان أكثر ارتباكا وترددا منه، وللاسباب نفسها، ففي تركيا أكثر من 16 مليون علوي، علاوة على معارضة يمينية قومية شرسة، وأخرى اسلامية تثير له المشاكل، ممثلة في كتلة الداعية فتح الله كولن المقيم حاليا في الولايات المتحدة، ويحرك إتباعه ضد حزب العدالة والتنمية “بالريموت كونترول”، ويستخدم أجهزة التواصل الاجتماعي كسلاح فتاك في حربه ضد حليفه السابق.
ولعل خيبة الأمل السعودية الكبرى تتمثل في الحليف المصري، فالرئيس عبدالفتاح السيسي الذي دعمت السعودية نظامه بأكثر من 15 مليار دولار حتى الآن، لا يقل ترددا عن نظيريه الباكستاني والتركي، والفارق الأساسي ان السيد نواز شريف يملك برلمانا منتخبا يمكن ان “يتحجج به” لتجنب إرسال قوات برية، بينما لا يملك الرئيس السيسي مثل هذا “الترف” الديمقراطي.
تردد الرئيس السيسي ربما يفسر “جنوح” القيادة السعودية نحو تركيا وباكستان، وتراجع الدور للمصري في الازمة اليمنية بالتالي.
صحيح انه لا يوجد “عامل طائفي” في مصر بين السنة والشيعة، على غرار ما يحدث في باكستان وتركيا، يمكن أن يكبح جماح الرئيس السيسي، ويوفر له الذريعة لتجنب التدخل العسكري البري في اليمن، ولكن يوجد هناك عامل أهم، وهو التجربة المصرية الدموية في اليمن التي كلفت البلاد أكثر من 15 الف قتيل عندما تدخلت في حرب برية لنصرة الثورة اليمنية عام 1962م، وهزيمة حرب حزيران (يونيو) عام 1967م في مواجهة اسرائيل كنتيجة مباشرة للحرب الأولى، حتى أن مقولة “جيش مصر للدفاع عن ارض مصر فقط، باتت بمثابة “العقيدة القتالية” الملزمة لكل الزعماء المصريين الذين جاءوا بعد الرئيس عبدالناصر.
البرلمان الباكستاني يدرس ومنذ ثلاثة ايام مسألة التدخل البري في اليمن، والرئيس اردوغان خرج من اجتماعه مع السيد علي خامنئي المرشد الاعلى للثورة الايرانية متحدثا عن فضائل الحل السياسي، والرئيس السيسي يتابع وجود سفن حربية ايرانية تتواجد في مضيق باب المندب الذي يتحكم بقناة السويس، ملتزما بفضيلة الصمت، ودراسة الموقف عن كثب.
طهران باتت “محجا” لدعاة الحوار والحلول السياسية، ووزير خارجيتها محمد جواد ظريف الذي فرغ لتوه من “ماراثون” المفاوضات مع الدول الست العظمى حول برنامج بلاده النووي، طار إلى سلطنة عمان، ومنها إلى اسلام آباد لبحث الملف اليمني مع قادتها، بينما يتهيأ اللواء قاسم سليماني الذي قاد معركة استعادة مدينة تكريت من قبضة “الدولة الاسلامية” لـ”التمدد” في الانبار كمقدمة او “بروفة” لمعركة الموصل الكبرى.
***
المملكة العربية السعودية ربما تكون راهنت على “تحالف سني” “غير متحمس? في ازمتها الحالية التي تزداد تأزما، سواء من خلال ما يتسرب من أنباء حول اشتباكات حدودية مع حوثيين قرب الحدود اليمنية، أو حادثة اطلاق النار في قلب عاصمتها الرياض التي أدت إلى مقتل شرطيين برصاص مجهولين، أو الأخرى المماثلة التي وقعت في بلدة العوامية الشيعية في شرقها.
لا نعرف ما إذا كان مجلس الأمن الدولي سيتجاوب مع طلب دول التحالف العربي الخليجي في إصدار قرار يؤكد على الحل السياسي السلمي للازمة اليمنية عبر الحوار بين جميع الإطراف في عاصمة محايدة مثلما ذكر الشيخ عبد الله بن زايد وزير خارجية الإمارات في مؤتمره الصحافي اليوم مع نظيره اليمني رياض ياسين في ابو ظبي، لكن ما نعرفه أن مجلس الأمن لم يعد على الدرجة نفسها من المرونة التي كان عليها أيام الأزمة الليبية، لان الروس والصينيين باتوا حذرين جدا من الوقوع في الخديعة نفسها (أيام ازمة ليبيا) التي أوقعتهم فيها المراوغة الامريكية، وبات “الفيتو” جاهزا لعرقلة أي قرار لا يرضون عنه أو يعارضه حلفاؤهم الايرانيون.
لا نستطيع أن نقرأ الغيب أو نتكهن بالطريقة التي يمكن ان تنتهي عليها هذه الأزمة، فهذه مهمة السحرة والمنجمين ونحن لسنا منهم، لكن ما يمكن ان نقوله أن الأزمة اليمنية بدأت تدخل حالة من “الجمود” و”التكرار” على غرار نظيرتها السورية والليبية، حيث لا يجد المتحدثون، عسكريين كانوا أو سياسيين، أي جديد يمكن أن يتحدثوا عنه ويكسر حالة الملل بالنسبة إلى رجال الصحافة على الاقل.
هناك مثل يمني يقول “لا بد من صنعاء وان طال السفر”، ويمكن تعديله قليلا والقول “لا بد من مسقط وان طال القصف الجوي وتعثر الحل السياسي”، ولن نستغرب اذا ما كانت مائدة الحوار قد جرى تجهيزها للإطراف اليمنية وغير اليمنية المتورطة في الأزمة، والأيام بيننا.
* نقلاً عن موقع رأي اليوم

حول الموقع

سام برس