بقلم / عبدالكريم المدي
لن أستطيع التخلص من المشهد الذي طبعه في ذاكرتي صاروخ السعودية على منطقة عطان بالعاصمة صنعاء صباح الاثنين 20إبريل 2015م.
لقد كنت قريبا بمايكفي لاستيعاب أهوال الحادث وما أنتجه من دمار وخوف وقتل ورعب أعجز عن وصفه في تناولة كهذه.
المهم لم يتوقف الأمر عند الطائرات والصواريخ وإحراق اليمن واليمنيين وتآكل الحياة من تحت أقدامهم ومن فوق رؤوسهم كل يوم وكل ساعة على يد ما يسمى بالتحالف العربي بقيادة المملكة السعودية، بل يتزامن معه أيضا، حصار محكم يمنع دخول الغذاء ومشتقات النفط وأساسيات الحياة، وما يلفت ويتحدى الفهم هنا هو أن هذا لم يحرك حتى اللحظة الضمير العالمي، الضمير العربي، الإنساني!

العالم كله يتفرج ويستمتع بتمزيق أجساد أطفال ونساء وشباب شعبنا الذي لم يكن يوما إلا سباقا لنصرة القضايا العربية والإنسانية..
اليمن الذي نافح، وما يزال، عن كل المظلومين والمقهورين في فلسطين والعراق والشيشان والبوسنة وأفغانستان وكل شعوب الأرض المظلومة.. هاهو اليوم أمام الجميع يقتل ويحرم من أبسط الحقوق المكفولة في القوانين الإنسانية، التي تجرم انتهاك سيادة أرضه وتجويع شعبه وسفك دماء أبنائه وتحويل أجسادهم إلى قطع ممزقة ومتفحمة بفعل آلة القتل السعودية والخليجية.. ولم يهب لنصرته كتاب ومثقفو وساسة ومفكرو وحقوقيو العالم العربي والإسلامي والبشرية جمعاء.
لم تهزهم تلك الأشلاء والجثث الممزقة لأبناء هذا الشعب المؤمن، الشعب الذي يموت بجلال وصمت وإباء، فمشاهد ذبحه وقتله بهذه الطرق المروعة والبشعة تبدو غير كافية لصحوة ضمائرهم.

لم تشفع له مواقفه الأصيلة وروحه الحية التي لم تكن يوماً إلا منبثة في روح أمته، ساربة في أسفارها المختلفة بكل رضا وخشوع، ببصيرة نافذة إلى جوهر الحق العربي والإنساني.. وحينما غدا ينكل به لم يجد له نصيرا، أو معينا، من أحد، مع تقديرنا الكامل لجهود ومواقف البعض وعلى رأسهم الكاتب العربي الكبير عبدالباري عطوان.
لقد خذلتمونا - أيها الأعزاء - طوال الأسابيع التي عشنا وما نزال نعيش فيها تحت النار والحصار والتنكيل، خذلنا الأشقاء والأصدقاء، العروبة خذلتنا، الإنسانية تخلت عنا، شرفاء العالم نسونا.. لم يحرك إنسانيتهم شيء من هولوكست التحالف العربي بحقنا..
الإعلام العربي والأجنبي - باستثناء القلة - لم يهزهم لهب وانفجارات الصواريخ المحرمة التي تمزقنا..
لم تهزهم الهالة التي أحدثها صاروخ منطقة عطان التي لشدتها كان يخالها المرء الهالة التي تحيط بقرص الشمس في السماء.. لم تحرك لهم صواريخ مصنع الألبان في الحديدة ومخيم النازحين في حرض وقرى بني مطر وصعدة وحي المهمشين في تعز وجسر الدليل في إب وحارة النصر في صنعاء ومناطق البقع ويريم بإب وغيرها، لم يحرك كل ذلك لهم حتى شعرة.
يا للعار.. لم تلفت نظرهم - أيضا - صواريخ القتل الأخرى المتمثلة بالحصار المطبق على شعبنا الصابر..
الجميع، وفي مقدمتهم الإعلام، عدا البعض، لم ينتبهوا لكل ما يحدث بنا.. ضمائرهم لم تأبه لدماء أطفالنا المسفوكة في كل مكان وتدفعهم لنقل بعض من صور الدمار والدماء والدموع والوحشية، علها تحرك ما تبقى من حياة في هذا العالم الميت!
وحدنا اليوم - يا أدعياء العروبة والإنسانية والنخوة - بصدورنا العارية وفقرنا المستور، نواجه آلة القتل والبطش والتجويع غير المسبوقة، التي تستهدف كل ما يدب على الأرض، ما عدا جماعات الإرهاب وحلفائها..

التحالف أمام العالم كله حدد أهدافاً في حربه المعلنةش ضدنا، والجميع، تقريباً، صفق له، مجيزاً له ما أراد، فحينما قرر أن الغذاء ممنوع علينا صفق، وحينما قرر أن الدواء ممنوع صفق، وحينما قرر أن المساعدات ممنوعة علينا صفق، ومثلها السفر، من البر والجو والبحر.. وكل وسائل النقل ممنوعة من الحركة، حتى الحراثات الزراعية ممنوعة، وليس ذلك فحسب، حتى المستشفيات ممنوعة من العمل بسبب انقطاع الكهرباء وانعدام الأدوية والوقود للمولدات الاحتياطية..

عفوا... لم أذكر لكم المزيد من الجرائم التي ترتكب بحق الإنسانية هنا، كحرمان 3 ملايين طالب وطالبة من التعليم وتوقف الحياة في كل شيء..
ولم أذكر لكم أن النساء هنا في بلدي يمتن في بيوتهن أو على النعوش في القرى والمدن والطرقات نظراً لعدم وجود سيارات تنقلهن وتنقل معهن المرضى والجرحى من الأطفال للمستشفيات.

ولم أذكر لكم أن الجسور والطرقات دمرت وصارت بفعلها أوصال أبناء وطني مقطعة، ولم أذكر لكم أن الجنود ومن يشتبه بأنهم شماليون يذبحون بالعشرات في لحج والمكلا وسيئون وشبوة بمباركة دول التحالف.
لم أذكر لكم أن طائرات (أشقائنا الخليجيين) صارت تمد الإرهابيين بالمال والسلاح وتحارب القوات التي تحارب العناصر الإرهابية، وما حدث في حضرموت خير دليل..
ولم أذكر لكم أن مئات الآلاف من الأسر في صنعاء لا تجد ماء للشرب.
ولم أذكر لكم أن الملايين من النازحين والعالقين في صنعاء وتعز وصعدة وعدن والمكلا وغيرها لا يستطيعون الهرب من صواريخ التحالف بسبب تقطع الجسور وانعدام الوقود للمركبات التي تقلهم..

عذراً.. أضيف: ولم أذكر لكم -أيضا- أن العشرات من جثث الضحايا لصواريخ (إعادة الشرعية) ما تزال تحت الأنقاض، فيما طائرات ال إف (15) و ال إف (16) و ال إف (18) وصواريخ كروز تمطرنا ليلاً ونهاراً..
ولم أذكر لكم -يا شرفاء العروبة والعالم- أننا شعب يحاول جيرانه اليوم دفنه حياً وميتاً، أمام أعين حكام وشعوب العالم التي، طالما أطربتنا بشعارات الحرية وحقوق الإنسان..

ولم أذكر لكم أن شعباً يقع في جنوب غرب قارة آسيا وشبه جزيرة العرب، اسمه اليمن، يقتل بكل أنواع ووسائل وأدوات القتل المحرمة أمام أعين الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان والمنظمات الحقوقية وإعلاميي شمال وغرب وجنوب وشرق الكرة الأرضية، الذين أعمت براميل نفط الجيران بصرهم وبصيرتهم وصاروا لا يروننا إلا شعباً عابراً، موته وإذلاله مباح كي تصير حياة أصحاب الزمن الأبدي من أمراء النفط أكثر سعادة وطمأنينة وراحة بال..!!

حول الموقع

سام برس