بقلم / د .عبدالعزيز المقالح
لم نعد نتأمل، التأمل الذي كان فريضة روحية يوجبها الإيمان ويدعو إليها الكتاب الكريم بإلحاح وفي أكثر من موضع ومن سورة، لم يعد له مكان في حياتنا المضطربة المليئة بالصغائر التي تشغل العقل والقلب والوجدان وتتجاهل كل ما عداها. ولكي نستعيد هذه الفضيلة أو بالأحرى الفريضة نحتاج إلى وقت قد يطول للتمرّن على التأمل والارتفاع من خلاله إلى مستويات عالية لا تبعدنا عن الواقع بل تزيدنا به فهماً ووعياً. والتأمل في الأشياء غير النظر إليها، وفي شهر كريم كشهر الصوم مساحة واسعة من الوقت في مقدورها أن تجعلنا نتأمل الكون ونقرأه قراءة جديدة، ونقرأ الحياة أيضاً قراءة متأنية خالصة من شوائب التأثر بما جرى ويجري، قراءة فهم يدفعنا إلى التغيير، تغيير ما في نفوسنا أولاً ولما ينبغي أن تكون عليه هذه النفوس التي أصابها الكلل والملل وتخللتها نوبات من الكمد والاكتئاب.

ومنذ اليوم الأول لهذا الشهر الكريم، وفي مناخ الحرب الدائرة على بلادنا يتملكني حال من القلق تجاه حرب أخرى، حرب مطلوب منا جميعاً أن نشنها على أنفسنا التي انغلقت على ذاتها ولم تعد تفهم ما حولها، بل وتسعى جاهدة إلى تدمير ما تبقى بينها وبين محيطها من روابط الأخوة والتعايش، وبدلاً عن استدعاء قيم التعاون والتضامن نحاول نبش أسوأ ما في التاريخ من حروب الأنانية والاستئثار والتغلب على الآخر دون حق حتى وإن كان هذا الآخر قريباً أو شريكاً في المأساة.. وقد هزتني الكلمات التالية لواحد من المفكرين الإنسانيين يدين فيها مبدأ حرب الغلبة على النحو الآتي: «إن الرغبة بالتغلب على الآخرين تعني الغباء المطلق.

فاليوم الذي يتمكن فيه أحدهم من التغلب على الآخر عليه أن ينتظر اليوم الذي يتغلب فيه آخر عليه. النصر الحقيقي ليس في احتلال أراضي الآخرين وإخضاعهم وإنما هو في التغلب على النزوات والشهوات على الحقد والكراهية ، النصر الحقيقي هو في انتصار المحبة والدعوة إلى التآخي «.

هذا قول جميل. وما أحوجنا في هذا البلد ، وفي الوطن العربي والعالم الإسلامي إلى مثل هذا الصوت وإلى التأمل الطويل في ما يتضمنه من معنى كبير. ومن النافل القول بأن الشعوب قد سئمت الصراعات الدائرة هنا وهناك بين فئات تسعى إلى أن تتغلب على بعضها وإخراج المهزوم من دائرة المشاركة ، علماً بأن هناك أكثر من وسيلة لإلحاق الهزيمة بالخصوم كأن ننزع السخائم من قلوبهم بالحسنى ونجعلهم شركاء لنا في بناء مرحلة العيش الكريم والسلام الشامل للجميع. وليس غريباً أن نرى على الأرض مجتمعات تواصل حياتها بأمن وسلام، ولا مكان فيها للنازحين و لا للجوع والأرامل والأيتام، وتحقيق مثل هذا الواقع في أقطارنا العربية ليس مستحيلاً ويكفي أن تكون هناك قيادات تحب مواطنيها وتخشى عليهم من التفكك والانزلاق إلى الاقتتال العبثي والدخول في متاهات حروب لا تنتهي.

إن وقفة تأملية جادة من القادرين كفيلة بأن تعيد الأمن والسلام المفقودين إلى الناس، ومن شأنها أن تحمي قيم الحياة التي بدونها تفقد الحياة معناها دون اللجوء إلى القوة إلاّ في أقل الحدود وفي نطاق الدفـاع عن هذه القيم وما تمثله من معاني الكرامة والبقاء.

برقية إلى الصديق المبدع والكاتب الصحفي الكبير عبدالرحمن بجاش:
رمضان كريم، وكل عام وأنت بخير وبلادنا حرة كريمة، افتقدناك، افتقدنا قلمك المشع بالضوء والمحبة والتسامح متى ستعود. القراء في انتظارك مع تحياتي.

تأملات شعرية:
لا يأسَ ،
انتظروا فرجاً
أعرف أن طواحين الحرب
تدور
وتطحن أجساداً وقلوباً
وتطارد نوم الطير
ونوم الأشجارْ.
لكني أتحدى اليأس
وألمحُ خلفَ دخان الظلمة
ألفَ نهارْ .
نقلا عن صحيفة الثورة

حول الموقع

سام برس