بقلم / علي ناجي الرعوي
يبدو أن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون لم يصل بعد الى مستوى الفهم الواضح لتعقيدات الازمة اليمنية والإشكاليات المحيطة بها والتقاطعات القائمة بين اطرافها وفرقائها، ويبدو أيضا أن المحيطين به هم الذين لايزالون يخلطون بشكل مضحك حينا ومُبكٍ حينا آخر بين معالجة عواقب المشكلة المتفاقمة في اليمن وبين حل المشكلة نفسها، ولذلك لم يكن مستغربا أن نجد المسؤول الأول في المنظمة الدولية المعنية بحفظ الأمن والسلام في العالم يدخل على خط الذين أسقطوا أمانيهم الخاصة على مجريات التطورات اليمنية المتلاحقة منذ السادس والعشرين من مارس الماضي فقد سارع بدوره وبمجرد عودة مبعوثه الخاص الموريتاني إسماعيل ولد الشيخ من جولته المكوكية الأخيرة بين الرياض وصنعاء إلى زف البشرى لليمنيين بأن ولد الشيخ قد (طمأنه) بأن الأطراف المتورطة في هذه الأزمة باتت متفهمة لأبعاد المعاناة الإنسانية التي تخنق المجتمع اليمني وكذا الحاجة إلى (هدنة إنسانية) تسمح بإيصال المواد الغذائية والدوائية والمساعدات الإغاثيـــة الـــى نحو تسع عشرة محافظة يمنية يعاني فيها 12 مليون نسمة من نقص حاد في حاجيات الحياة بعد أن تقطعت بهم السبل بفعــــل الاقتتال الداخلي والقصف المستمر لطيران التحالف العربي، لذلك بادر المسؤول الأممي إلى الإعلان عن (هدنة إنسانية) لمدة خمسة أيام تبدأ من منتصف ليل الجمعة السبت الفائتين وحتى نهاية شهر رمضان المبارك قابلة للتمديد إذا ما وجدت الأمم المتحدة أن الأمور سارت على ما يرام خلال هذه الهدنة التي جاء إعلانها من دون النظر إلى العقبات والإشكاليات التي قد تحول دون نجاحها عوضا عن تمديدها.

لذلك لم يكن مفاجئا فشل هذه الهدنة التي ولدت أصلا ميتة كمثيلاتها السابقات وهـــو ما تأكـــد مـــن ردود الفعل على سقوطها السريع والمريع وعدم صمودها حتى لدقائق محدودة ليكتشف معظم اليمنيين الذين عولوا على مثل هذه الخطوة للخلاص من معاناتهم ولو بشكل مؤقت أنها من وئدت في مهدها وقبل أن تدخل حيز التنفيذ وأن دعوة الأمم المتحدة الى (هدنة إنسانية) لم تكن سوى وسيلة لتبرئة الذمة والهروب من الضغوط الأخلاقية والإنسانية التي تتعرض لها الأمم المتحدة وأمينها العام من قبل بعض المنظمات الحقوقية التي صارت توجه اللوم صراحة إلى بان كي مون وتتهمه بالقصور تجاه الكارثة الإنسانية.

والأهم من كل ما سبق هو أن نرى أخطاء الأمم المتحدة تتكرر في اليمن بدون أي مبرر منطقي مما يمهد إلى فقدان الثقة بهذه المنظمة التي يظهر أنها من ترهلت بشكل يسيء الى سمعتها ومكانتها الدولية وكذا حياديتها في الأزمات والظروف الاستثنائية التي قد يمر بها أي بلد من بلدان العالم الثالث.

حادثتان جرتا مؤخرا أوضحتا بما لا يدعُ مجالا للشك أن هذه المنظمة قد وقعت في خطأ قاتل حين تسرعت وبادرت الى إعلان هدنة إنسانية في اليمن وهي التي لم تحصل على موافقة مسبقة من الأطراف المعنية في الأزمة اليمنية، فالحكومة الموجودة في الرياض ممثلة بالرئيس عبدربه منصور هادي سرعان ما تنصلت من تلك الهدنة بمبرر أنها لم تبلغ ببنودها أو حتى بتوقيت إعلانها فيما أعلن (التحالف العشري) على لسان المتحدث باسم وزارة الدفاع السعودية العميد احمد العسيري أن التحالف غير ملزم بهذه الهدنة لكونها أعلنت من طرف واحد ناهيك عن أن الأمم المتحدة قد دعت الى هدنة لم يتم الاتفاق عليها وليس سرا القول إن مثل هذا الخطأ ليس الأول فقد سبق وأن ارتكبت الأمم المتحدة خطأ مماثلا بدعوتها أطراف الأزمة اليمنية الى اجتماع في جنيف في 15 يونيو الماضي وهو الاجتماع الذي انهار قبل أن يبدأ وحينما تأكدت الامم المتحدة التي حاولت وضع ثقلها خلف ذلك المؤتمر فداحة ما أقدمت عليه بعد أن تعذر عليها جمع طرفي الأزمة على طاولة واحدة عمدت الى وضع كل طرف في صالة منفصلة ليتباحث كل منهما مع الآخر عبر الوسطاء في مسرحية سمجة انتهت كما بدأت.
ولعل ما حدث في هاتين الواقعتين قد أعاد إلى الذاكرة تلك التصريحات المليئـــة بالأكاذيـــب التي كان يطلقها المبعوث الأممي السابق الى اليمن المغربي جمال بنعمـــر والذي استمر يغطي على فشل مهمته بتلك الأكاذيب التي نجح من خلالها في تضليل مجلس الأمن والرأي العام الداخلي والخارجي لفترة طويلة حيال ما يتصل بمسارات التسوية السياسية في اليمن التي كان يشرف عليها فطالما ظل يردد في تصريحاته الإعلامية وإحاطاته السياسية أن الأمور في اليمن تسير على النحو المطلوب وأن الخلافات بين الفرقاء باتت شيئا من الماضي بعد أن أدرك هؤلاء الفرقاء حقيقة أخطائهم، واصفا ما خرجوا به من مؤتمر الحوار بأنه يرقى إلى مستوى (المعجزة) إلا أن التطورات والوقائع المتلاحقة على الأرض قد جاءت لتدحض ما كان يتردد على لسان بنعمر أو في أروقة الأمم المتحدة وتنسفها من ألفها إلى يائها.

تستحق الأمم المتحدة اللوم ليس لأنها فشلت في القيام بدورها الإنساني باليمن ولكن لأنها من سمحت بتحويل الأزمة اليمنية إلى ورقة تفاوضية ضمن ملفات وتسويات تتجاوز المحلي لتتشابك مع ما هو إقليمي ودولي وهو ما جعل من هذه الأزمة مرهونة بالعديد من ملفات المنطقة التي لا يزال أوان حلها بعيدا.

كانت اليمن في مخيلة بعض الأجانب والنخب العربية تتلخص في ظاهرتين متجانستين هما: (القات والسلاح) فكان كل دبلوماسي أو صحفي يزور اليمن لابد أن يتساءل :لماذا يختلف اليمنيون على كل شيء فيما يتفقون على القات والبنادق؟ بل وكيف أمكن لهاتين الظاهرتين أن تحوزا على كل هذا القبول وأن تصبحا القاسم المشترك لكل اليمنيين الذي لا تستقيم بغيره حياتهم؟

إلا أن هذه الصورة هي التي تغيرت اليوم بفعل الأزمة الماحقة التي تعصف باليمن منذ عدة أشهر بحيث الأمر يختزل في ضدين سياسيين لكل منهما شرعيته وسلطته وميدانه على أرض الواقع وهو ما جعل من أي تسوية أو حل بين هذين الضدين تصطدم عادة بالشروط والشروط المضادة على الرغم من أن الجميع يحتاج إلى مخرج بعد أن أصبح الوضع على الأرض معقد جدا إلى الحد الذي صار فيه اليمن يسير بالفعل على خطى سوريا.
? جريدة الشبيبة العمانية

حول الموقع

سام برس