بقلم/ جميل مفرح
من أكثر ما يشعر بالحزن إن لم يكن الاستياء والغضب، أن هناك يمنيين لديهم طاقات وقدرات هائلة من المكابرة والمزايدة، لصالح العدوان الذي ينتهك الوطن وسيادته، ويسفك دماء اليمنيين، ويزهق أرواحهم.. هؤلاء حين يبدون في آرائهم وطروحاتهم وكتاباتهم المنشورة هنا وهناك ومن تواجدهم وتفاعلهم في مواقع التواصل، يجعلون المتابع لهم يشعر وكأن بينهم وبين الوطن والقيم الوطنية الطبيعية عداءً أزلياً، يبدو وكأن لهم في ذمة الوطن ثارات متوارثة منذ بداية الخلق..!!

* أما إذا كان لهم خصم سياسي على سبيل المثال، يضع الوطن وقداسة حبه والإيمان به في شعاراته ويتخذ منها قضيةً من قضاياه، فتلك الثغرة الأكبر اتساعاً التي يعبرها أولئك باتجاه تجسيد وتحقيق ذلك العداء، حد أن يصل بهم الأمر إلى كراهية مطلقة للوطن ولكل ما يرتبط به من معنى ومبنى.. وكأنِّ الوطن لا يعنيهم بأي حال من الأحوال عدا كونه خصماً، ما دام خصومهم يدافعون عنه ويتخذونه قضية من قضايا خصوماتهم.. ومن ذلك يبدو فيما يبدو وكأن الوطن قد صار ملكاً لخصومهم.. وأن استهدافه قد صار بدوره هدفاً من أهدافهم..!!

* لاحظنا ذلك بدا واضحاً منذ اندلاع الأزمة السياسية في اليمن في العام 2011م.. وكان وقتها محدوداً نسبياً ومن الممكن تدارك شيوع ذلك الهجس الخطير وتحوله إلى ثقافة وسلوك.. باعتبار أن ما كان حاصلاً هو تأزم بين أطراف أو قوى انحصرت في مجملها في طرفين رئيسيين، طرف متمثل في النظام وطرف في المعارضة التي تحاول انتزاع السلطة وتحولها إلى نظام..!! بينما من الممكن أن يعود الوطن إلى المكانة التي يجب أن يكون فيها..

* ولكن للأسف الشديد.. لم يتراجع ذلك الهجس أو الحس تجاه الوطن، فقد وجدت تلك القوى في خصومتها للوطن وسيلة أو غاية مناسبة وفاعلة لتحقيق ما تصبو إليه.. ولا أدل على ذلك من وصولها للهدف الذي اشتغلت عليه وهو الحكم.. تعاملت تلك القوى مع مخاصمة الوطن وكراهيته وكأنها وسيلة صالحة مع كل الظروف والأهداف التي يشتغلون عليها، ونسوا أنهم أصبحوا في سدة الحكم.. وأن التقاطع مع الهجس الوطني وحب الوطن.. لم يعد خيارا مطلوباً ولا مقبولا في الحال الذي هم عليه..

* ولكنهم لم يفهموا ذلك أو ربما تأخروا في فهمه.. وظلوا يتعايشون مع الواقع وهم في الحكم وكأنهم ما يزالون في صفوف المعارضة فظلوا متمسكين بكل لوازم ذلك حتى الانتماء إلى الوطن وضرورة الدفاع عنه وعن مصالحه العليا.. واستبدلوا ذاك بالنظر إلى المصالح المرتبطة بهم وهي مصالح ذهبت بهم كثيراً وبعيداً عن مسار الوطنية والانتماء والولاء..!!
* ومن هنا أكاد أجزم بأنه تراجع مفهوم الوطن والانتماء إليه والولاء له تراجعاً مخيفاً.. جعل من الوطن وكأنه مجرد حاجة من الحاجيات القديمة التي لم تعد صالحة ومناسبة للاستخدام.. وإذا لزم استخدامها فلا يكون إلا من أجل قضاء حاجياتهم ومشاريعهم.. بل وزد على ذلك يتم استحضاره بما يشبه التقزز والتأفف، ولا أن الحاجة تلزمهم استخضاره ما التفتوا إليه أو تذكروا أن ثمة شيئاً اسمه الوطن..!!

* وحقاً من يلاحظ اليوم تعامل الكثير من المتحزبين بالذات مع الوطن ومفاهيمه بالتوازي مع ما يجري الآن من عدوان واختلاف واضطراب.. يدرك حقاً أن التعامل مع مفهوم الوطن، مايزال على ذات التهج وبنفس الطريقة.. وإن كان هناك من تغير فليس سوى تطور سلبي في الشكليات والأساليب، ما يزال هناك من يعتقد أن الوطن خصم من خصومه وأن القضاء عليه هدف منشود.. ولا أدل على ذلك من استدعاء وتأييد العدوان الخارجي على الوطن وأبنائه.. فهناك من يسعده ويستهويه ذلك، وهذا الملمح هو التغير أو التطور الأبرز الذي طرأ على مفهوم الوطن لدى تلك القوى، التي أثبت الزمن والأحداث والمتغيرات أنهم أبعد ما يكونون عن الاستفادة من التجارب وأخذ العبر مما جرى ويجري لهم نتيجة تعاملهم السلبي مع الوطن ومفاهيم الوطنية..

* هكذا جربناهم فوجدناهم ونجدهم حتى اللحظة ما يزالون في نفس المستوى والنسق من تعاملهم مع مفهوم الوطن والوطنية.. سواء أكانوا حاكمين أو غير حاكمين.. فشلوا ويفشلون وسيظلون يفشلون ما دام الوطن في أذهانهم ما يزال مفهوم ابتزاز واستحواذ سلطوي سياسي، لا أكثر.. وما يزالون يتعاملون معه كخصم ما دام خصومهم قد سبقوا إلى حمل شعاراته وأهداف الدفاع عنه وعن حياضه.. هكذا يتنازلون عن انتمائهم وتجذرهم في تربته.. ويعتبرونه ملكاً في وصاية أولئك الخصوم، ولا تعنيهم بالمرة سلامته وحفطه.. بل على العكس يعنيهم جداً أن ينهار ويتهاوى ليحققوا مكسباً ضد خصومهم، متناسين أنه لاقيمة لأي مكسب يحققونه ما دام خارج سياق الوطن.. ولم يجهدوا ولو لمرة ويسألون أنفسهم: ماذا سنفعل بمكسب سياسي إن لم يؤطره ويكون وعاءه الوطن؟!

حول الموقع

سام برس