بقلم / علي البخيتي
ينطلق أنصار الله "الحوثيون" في تعاملهم مع المملكة السعودية من فرضية اعتبارها شيطان، وكذلك نظرة السعودية إليهم، لذلك وصلت الأزمة في اليمن الى مفترق طرق خطير، فبحكم الدور السعودي والتأثير الواضح في اليمن والتحالفات القوية والواسعة التي تملكها المملكة في الداخل يستحيل استقرار أي سلطة يمنية ما لم تكن السعودية راضية عنها أو بالحد الأدنى آمنة من ناحيتها، وبأنها لن تكون خنجراً في خاصرتها لحساب جهات تتربص بالمملكة شراً أو تخوض معها صراع ما.
هذا الكلام ليس جديد، أو نتيجة للعدوان الغير مبرر الذي تشنه المملكة على اليمن، فقد كتبت عن ذلك قبل أشهر وحذرت من أن عدم وجود لقاءات بين أنصار الله وبين السعودية تُطمئن الطرفين من بعض لن تستقر اليمن ولا المملكة، ويمكن الرجوع بهذا الخصوص الى مقال لي بعنوان (عن العلاقات اليمنية السعودية وبالأخص مع أنصار الله "الحوثيين") نشر في صحيفة الأولى بتاريخ 22 / 11 / 2014م كان ابرز ما ورد فيه التالي: (ومن هذا المنطلق يجب أن نتفهم جميعاً المخاوف السعودية ونقدرها ونُشعر المملكة أننا نسعى لمعالجتها بشكل عملي وعلمي لا بمجرد الكلام أو التصريحات، تلك المعالجات ليست حرصاً على المصالح السعودية فقط إنما هي من صميم المصالح اليمنية أيضاً، فوجود علاقات إيجابية بين اليمن والسعودية مسألة حتمية يجب أن نسعى جميعاً لترسيخها، فما يجمع بيننا وبين السعودية أكثر من ما يجمعنا ببقية الدول العربي والإسلامية، فرابط العقيدة والعروبة والجوار والتاريخ المُشترك وصلات الدم بين القبائل المنتشرة على الحدود تحتم علينا تحسين العلاقات مع المملكة.
لكن تحسُن العلاقات مشروط بوضوح في المواقف من الطرفين، فالمملكة معنية بوقف دعمها لبعض النافذين الذين عاثوا فساداً ونهباً وتقطعاً وارباكاً للحياة العامة داخل اليمن منذ عقود، إضافة الى وقف دعمها للجماعات الدينية التي تسعى لتغيير الخارطة الدينية المذهبية التاريخية في اليمن والتي سادها التعايش منذ قرون طويلة قبل أن تتأثر بالحركة الوهابية العابرة من الأراضي السعودية.
كما أن أنصار الله بشكل خاص معنيين بتطمين المملكة وبشكل عملي أنهم لن يكونوا خنجراً في خاصرة السعودية لصالح إيران أو غيرها، إضافة الى أنهم يعترفون ويحترمون اتفاقية الحدود الموقعة بين البلدين، كما أنه من المهم تطمين المملكة بأن الحركة الدعوية الثقافية الدينية "المذهبية" لأنصار الله لن يتم تصديرها الى المملكة.
الجغرافيا تحتم علينا وجود علاقات إيجابية مع الملكة، كما أن ثمن العلاقات المتوترة بين الطرفين سيكون فادحاً على كلا البلدين، فلن تنعم اليمن بالاستقرار ولن تشعر السعودية بالأمان وهناك فصيل يمني ينظر اليه حُكام الرياض كذراع لإيران يرابط على حدودهم الجنوبية.
يجب أن يفتح خط تواصل مباشر بين المملكة وأنصار الله، فاستمرار التوتر سيضر بالطرفين حتماً، لأنهم من سيدفع ثمن أي صراع أو حرب مستقبلية، ولن تتضرر إيران ولا الولايات المتحدة الأمريكية من ذلك الصراع أو الحرب المتوقعة إذا استمر منسوب التوتر في التصاعد)..انتهى الاقتباس من المقال.
كتبت المقال قبل ثمانية أشهر، حيث كان لدي إحساس ان استمرار التباعد بين المملكة والأنصار واستمرار الكثير من خصوم الطرفين في دق أسافين بينهما سيؤدي الى كارثة حقيقية، بل وحرب توقعتها في نهاية المقال.
في السياسة لا مجال للتعامل مع الآخر بحسب نواياه التي تتوقعها تجاهك، وعليك التعامل مع سياسته المعلنة وسلوكه العملي، قد تكون نية السعودية استئصال الحوثيين، كما أن الحوثيين يتمنون أن تنشق الأرض وتبتلع النظام السعودي، لكن على الطرفين العمل وبجديدة على إيجاد صيغة للتعايش حتى يحين الأجل الطبيعي التاريخي لأي منهما.
السعودية لديها الكثير من الهواجس والمخاوف من أن كثير من الأطراف الإقليمية والدولية تتربص بها وتسعى لإسقاط نظامها وتقسيم المملكة كما يُسعى لتقسيم بقية الأقطار العربية وبالأخص القريبة من إسرائيل على أسس طائفية ومذهبية وعرقية، وكل ذلك من أجل أن يتم الاعتراف لاحقاً بإسرائيل كدولة يهودية وإخراج عرب 48 منها، بعد أن تصبح كل الدول المحيطة بها مقسمه على أساس تلك المعايير التي تبرر لإسرائيل اعلان نفسها كدولة يهودية خالصة.
كما أن أغلب الدول الغربية تنظر الى المملكة والفكر الوهابي والمؤسسة الدينية السعودية بأنها المسؤولة عن الإرهاب الذي ضرب نيويورك والكثير من العواصم والمصالح الغربية وأنه الخطر الأول عليهم بعد انتهاء الاتحاد السوفيتي.
وإذا ما أضفنا الى ذلك الخطر الإيراني الذي تتحدث عن المملكة ليل نهار فإن تلك المخاوف تدفع الرياض الى القبول بالأمر الواقع والوصول الى تسوية مع حركة "أنصار الله" الحوثيين.
كما أن خصوم الحوثيين في الداخل وبالأخص الإخوان المسلمون "حزب الإصلاح" سيسعون الى إفشال أي تسوية سياسية ترضى عنها المملكة يكون الحوثيين طرفاً رئيسياً فيها، وذلك بغرض استمرار الحرب لانهاك الحوثيين واستنزاف قدراتهم البشرية والمجتمعية حتى يضيق أبناء تلك المناطق من الحركة ومن حروبها المتواصلة التي لا أفق لها ولا نهاية واضحة.
وبالتالي على الطرفين، الرياض وأنصار الله، أن يفتحوا نافذة السياسة والحوار بينهم بغض النظر عن الخلاف العقائدي والنوايا، فالخطر يداهم الطرفين، وعليهم اتخاذ قرارات شجاعة تُنهي هذه الحرب العبثية.

حول الموقع

سام برس