بقلم / عبدالله الصعفاني
* العربة ما زالت واقفة, إنه عنوان لحكاية روسية تقول إن الغراب والسمكة ومخلوقات أخرى انشغلت بموضوع دفع العربة المعطوبة عند الشاطئ لكن دون خطة, فبقيت العربة واقفة.

* أما المناسبة فهي أن سيارتي وسيارات عدد كبير من المواطنين بدون بترول رغم أننا نكرر محاولات الوقوف النظامي في طوابير أكثر من محطة, فتكون النتيجة في كل مرة الفشل الذريع.

* البترول كثير, كما يتردد كل مرة, لكن الكثير من أصحاب السيارات صاروا يقولون : كنا "مطوبرين" ثم أقلعنا عن ذلك, ويحتفظ معظمنا بحكايات مع طوابير وقود السيارات بحكايات يشيب لها رأس الغراب, حتى أن فكرة تموين سيارتي صارت مزعجة وعمياء, وكأنها العدالة الدولية.
* جرَّبت المحطات النموذجية عبر طابور امتد لأكثر من يومين, وعندما وصلت إلى داخل المحطة تمكنت من مشاهدة تعبئة "الدبيب" الصفراء والسوداء, وبعدها مباشرةً قيل لي ولبقية الصعايدة الذين وصلوا : "بح", انتهى البترول, حاولوا مرة أخرى, وجربت محطة الجمنة, فانتهى بي احترام الطابور عند ذات النتيجة : انتهى البترول, وفي المحاولتين كانت الفوضى وتجاوز الملتزمين بالطوابير هي الوصفة السحرية التي تجعل الملتزم بالفعل حمار الطوابير.

* ولأن من أمن العقوبة والضبط أساء الأدب, شاهدنا ونشاهد كيف أن عصابات منظمة داخل وخارج الطوابير هي من تستولي على ما يتم الدفع به إلى خزانات المحطات.

* تلتزم بالسرب فتتحرك ببطء شديد نظير اندفاع جحافل المخالفين القادمين إما من الشوارع الخلفية أو مَن يقتحمون من الواجهة بواسطة حيل عديدة, كأن يدّعي أحد المطوبرين أن سيارته تعطلت أو تحتاج إلى وقود وإلى سحب, بينما الهدف السماح لآخرين بتقدم الجميع, لتتكرر الحكاية في أكثر من نقطة بحيث يتأكد كل ملتزم أن الحكاية ليست على "البكَّاره", وأن الظفر ليس في البُكر, وإنما في استغلال عدم التنظيم وتواطؤ المنظمين.

* أعرف أن حكايات معاناتك في طوابير البترول تصير أشبه بأن تحكي أسرار حياتك الشخصية, لكن من قال أنه ليست الأوجاع العامة إلا حصاد الأوجاع الخاصة للأفراد؟ ولا بأس إن بدوت شاكياً أتقبَّل التوبيخ كطفل مذنب.

* بالمناسبة, أسوأ اللحظات لمواضيع مثيرة وتراجيدية هي عندما تحاول الكتابة عن معاناتك في محطة بترول فيما الأسواق السوداء صارت بيضاء وعلى عينك يا تاجر أو يا فاجر – لا فرق – فكيف بالله عليكم ينحصر عمل صاحب محطة أو منظمين ومشرفين ومندوبين على مجرد هياكل متخصصة في تعذيب الناس وتحويل مخصصات الخلق إلى مادة للاسترزاق أو لإشباع النفوس الأمَّارة بالمحسوبية؟!

* قد يقول قائل : هذا أمر سيئ لكنه ليس نهاية العالم, لكن ذلك لا يلغي معاني قول الشاعر : إذا مت ظمآناً فلا نزل القطر", لا تقولوا : وأنت لماذا لا تعامل الطوابير بقوانينها؟ لأنه ما زالت مآسي فوضى محطات البترول حاضرة كالندبة في الوجه حتى أن صلعتي تتسع في اضطراد, ولا تنظروا للصورة, لأن للكتَّاب أمزجتهم في الإبقاء على صورهم القديمة.
* لقد كانت لنا تجارب طيبة في محطات البترول عندما لمس الناس شيئاً من الضبط والربط والجدِّية, لكن ذلك اختفى مع بروز السوق السوداء التي تفرض عليك التعاطي مع الأفكار السوداء التي تثير - هي الأخرى – السؤال عن جدوى ما نفعله لمغادرة الإحساس بالألم من عدوان خارجي لا يراعي في الشعب إلاًّ ولا ذمة, وعبث داخلي يوجع القلب في محطات بترول تثير أعصاب الناس.

* ثم ماذا وسيارتي ما تزال واقفة مثل سيارات مواطنين كثر غير خبراء في أخذ مواقعهم في فوضى الكرّ والفرّ وتجاوز الخلق؟
* لا شيء سوى أننا سنحاول معاملة الطوابير بقوانينها الخاصة, والأرجح أننا سنفشل لنقول لبعضنا : أنت في طابور البترول, يسرّني رؤية ما تبقى من أعصابك.

* والآن, تعالوا نتأمل في دلالة حكاية الغراب والسمكة ومخلوقات أخرى انشغلت بموضوع دفع العربة المعطوبة بدون رؤية لتبقى العربة واقفة.
نقلا عن صحيفة الثورة

حول الموقع

سام برس