بقلم/ عبدالكريم المدي
ساهمت السعودية والإمارات إلى حدّ كبير في إعطاء حركة الحوثيين في اليمن زخّات من التعاطف والالتفاف الشعبي من مختلف الشرائح الاجتماعي ، والحال نفسه ينطبق على الرئيس السابق علي عبدالله صالح الذي – إلى جانب كونه دائماً رجل يدرك جيداً ما يفعل وما تحتاجه الأحداث من وسائل وادوات تحفظ له بميزة البقاء مرتفعاً – زادت شعبيته أيضا، أو على الأقل تمكن من الحفاظ على شعبيته الكاملة بعد مرور حوالي أربع سنوات من تسليمه السلطة .

ولعلّ الغريب في الأمر هنا هو إن السعودية، قد منحت الحوثيين وصالح هذه المكاسب على دفعات، ولم تأتِ عبارة عن غلطة وحيدة افرزها تصرّف ما مرتبك، أوغير مدروس في مطابخ الرياض، وهذا يعني إن البوصلة لدى هؤلاء ليست مضبوطة.

تعالوا للمفيد، نعتقد إن الممارسات التي تحوّلت لمكاسب صبّت في خزينة (صالح – الحوثي ) تتلخّص في الآتي:

1- إعلان المملكة الحرب الشعواء على اليمن أواخر مارس من هذا العام( 2015) والتي كانت تؤكد بإنهاتستهدف الرّجُلين فقط، لكنها في الحقيقة أستهدفت اليمن أرضاً وإنساناً ومقدرات.

2- استهداف المدنيين وسقوط قرابة (20) ألف ما بين قتيل وجريح ونسبة كبيرة منهم نساء وأطفال.

3- الاستهداف المباشر للبنى التحتيةوفي مقدمتها مصانع الألبان والمواد الغذائية وصوامع الغلال والمطارات والجامعات والمدارس والموانيء والناقلات المحملة بالقمح.

4- فرض حصار اقتصادي شديد، أخطر نتائجه الانعدام التام للمشتقات النفطية التي رفعت قيمة المواصلات حوالي (100) في المئة وكذا أسعار السلع الغذائية ، اضافة لاغلاق العديد من المستشفيات والمعامل وتصحُّرآلاف المزارع.

5- حرمان أكثر من (30) ألف يمني في الخارج من العودة لبلدهم وجعلهم عالقين في مطارات العالم لعدة أشهر وتحويل كثير منهم لمتسولين ومشردين.

6- دعم الجماعات المتطرفة في جنوب اليمن بطريقة مباشرة أو غير مباشرة

7- الممارسات الواضحة في فصل الشمال عن الجنوب جغرافياً واجتماعياً واقتصادياً ونفسياً وإدارياً وتمكين أطراف جنوبية كالحراك والجماعات المتطرفة ولجان ما يُسمّى بالمقاومة من التنكيل بالمواطنيين الشمالين المتواجدين في الجنوب.

8- الخطاب الإعلامي العدائي الموجّه ضد اليمن من قِبل إمبراطوريات إعلامية كـ ( العربية – العربية الحدث – الجزيرة – إسكاي نيوز ) وغيرها من الوسائل الإعلامية، ناهيك عن التأثير الجليّ في خطاب وسائل إعلامية غربية كـ قنوات ( فرنساء 24- بي ، بي ، سي – الحرّة ) وغيرها من القنوات التي جُيّرت لصالح عاصفة الملك سلمان.

9- تصريحات مسؤلين خليجين من الصفّ الأول حول حربهم في اليمن والتي تتضمن مغالطات وانتقاصاً من اليمن واستهتاراً بأبنائه وتدنيساً لسيادته (تصريح وزير خارجية البحرين قبل أيام، الذي أكد فيه إنهم سيتواجدون في اليمن بشكل دائم حتى بعد الإنتهاء من تحقيق أهداف ( العاصفة ) خير دليل.

10- رفع الأعلام السعودية والإماراتية والبحرينية في الأراضي اليمنية وما حدث ويحدث في مأرب وعلى مقربة من السدّ لايحتاج لتوضيح أكثر.
11- تزييف الحقائق والتضليل ونكران قتل المدنيين والتعالي والتقليل من فداحة وجُرم ما يحدث.

12- الاستماتة من أجل السيطرة على مناطق ومحافظات استراتيجية معينة تحتوي على ثروات طبيعية كـ ( مأرب ، شبوة ، الجوف ، حضرموت ، باب المندب.

-13 قصف المواقع الأثرية والتاريخية بشكل مباشر ومتعمد.
14- طريقة إدارة الحرب والحصار التي أدّت لخسارة أكثر من (5) ملايين عامل يمني وظائفهم، واغلاق مئات المصانع وآخرها مصنع سكّر السعيد بمنطقة الكثيب في الحديدة الذي أغلق قبل أسبوع أبوابه وسرّح ألف عامل .

ومع هذا لا جديد يطرأ على سياسة السعوديين ولا تقيّم جدّي للأحداث، وربما يعود هذا لأنهم لم يفيقوا بعد من غيبوبة الصدمات المتتالية التي يتعرّضون لها في هذه الحرب، فبعد أن أستعرضت المملكة عضلاتها، وأنتصرت قبل الدخول في أجواء المعركة، مراهنة على قدراتها العسكرية والمالية وتحالفاتها مع الغرب، التي عولت عليها لحسم المعركة/ النزهة في زمن قياسي قد لا يتجاوزعدّة أسابيع ، هاهي الحرب تمتطُّ أكثر منالمتوقع، والتحالف السعودي يتورط أكثر ويعاني في جميع الجبهات، والواقع يقول إنه لم يستفد من وجود غطاء أميركي / غربي سميك احبط ويُحبط أي تحرّك حقوقي سواء عبر هيئات الأمم المتحدة ، أو المنظمات الحقوقية المستقلة، وخير شاهد على ذلك تعطيل المشروع الذي تقدمت به هولندا لمجلس حقوق الإنسان في جنيف والخاص بتشكيل لجنة محايدة من الأمم المتحدة للتحقيق في الجرائم والانتهاكات التي قامت بها قواتالتحالف السعودي في اليمن، وأطراف الصراع كلها .

في الواقع لا تقتصر رهانات السعودية على تلك العوامل ،فحسب ، بل هناك الكثير من العوامل التي راهنت عليها لتحقيق إنتصار خاطف ، ومنها المعلومات الاستخباراتية وإحداثيات المواقع العسكرية والمدنية التي تحصل عليها من هادي وأميركا وعناصرهم المنتشرة في الأرض اليمنية، وحينما فشل هذا العامل ، راهنت على الحصار الاقتصادي ومنع وصول الأدوية والمشتقات النفطية، وهذا ، أيضا ، لم يحقق لها المراد، لتلجأ بعد ذلك لورقة شراء الولاءات ، بالتزامن مع استدعاء حلفائها التقليديين (رموز بعض القبائل ) الذين طالما منحتهم لأكثر من ( 50) عاماً الأموال الضخمة والإمتيازاتالهائلة ، وهذا العامل هو الآخرفشل ، على الرغم من مشاركة عدد غير قليل من رموز القبيلة وقيادات كثير من الأحزاب السياسية في أداء رقصة (العرضة النجدية) الشهيرة ،وغرز أوتاد خيام( التحالف العربي ) الجديد في رمال صحراء نجد وساحات ومرابع ديار تغلب وتميم التي طالما باركها ( لورانس العرب ) وأبنائه وأحفاده من بعده .

وبما أن المملكة لم تعمل بمبدأ عدم( تجرّيب المجرّب ) فها هي، وبالمكشوف تعمق وتجدد تحالفاتها في اليمن، وتكرر ممارساتها التي سبق وان فشلت، سواء من خلال الإمعان في الحصار الاقتصادي ، أو غيره، مع فارق بسيط تمثّل مؤخراً في محاصرة المحافظات التي تصمد في وجه العاصفة ، ولن أذكر لكم هنا أكثر من الإشارة لتشديد حصارها مؤخراً من أجل منع وصول المشتقات النفطية للموانىء اليمنية على ساحل البحر الأحمر، وكذامحاولة تقطيع أوصال المحافظات من خلال تدمير شبكات الطرق والجسور، وغيرها .

السعودية والإمارات والبحرين ومعهم الآلاف من المقاتلين اليمنيين المؤدلجين ، بِعلم كل من اتاه الله عقلاً سليما، قد فشلوا فشلا ذريعا في اقتحام تبة واحدة في مأرب كتبّةالمصارية ، أوالطلعة الحمراء، أوالجفينة، أو ذات الراء ،رغم تسخيرهم لعشرات الطائرات الحربية بما فيها الأباتشي ومئات المدرعات والدبابات، ومع هذا يصرون على الحرب الإعلامية ووضع العربة خلف الحصان ، وكلامنا هذا لا يأتي من باب التعصُّب، وإنما هي الحقيقة وأي متابع منصف وحصيف سيقول لك، بعد مرور حوالي (7) أشهرمن بدء هذه الحرب: “الفشل هو عنوان عاصفتيّ (الحزم) و(إعادة الأمل ) والسعودية كل يومتخسر حلفاء وجنود وعتاد،وتكسب أعداء جُدد في العالم وفي هذا البلد الذي تُصنّف غارتها على المدنيين فيه بجرائم حرب ومجازر تُرتكب بحق الإنسانية، فداحتها وبشاعتها وتكرارها المستمرّ يجعل سقوطها بالتقادم أمراً مستحيلا” .

السؤال الذي يطرح نفسه هنا ، وبعد كل الخسائر التي مُنيوا بها هو : يا تُرى هل ما يزال الصقور في تحالف المملكة يدفعون باتجاه استمرار الحرب والتحديق صوب الحديدة وصعدة وتعز وإب ومأرب والجوف والعاصمة صنعاء التي يحرسها لوحدهااليوم أكثر من ( 8) ألوية عسكرية من قوات النخبة اليمنية التي توزعت مؤخراً في مواقعها المحصّنة إلى جانب أكثر من (100) ألف مقاتل متمرّس في مختلف فنون القتال؟

إن كسر إرادة صالح ، وقطع وريد قيادة جماعة ( أنصار الله ) واجتثاثهم ، بهذه الطريقة الهستيرية العشوائية العدائية التي تقوم بها السعودية قد تحولا إلى مصدر زخم وقوة لهما، وأكدا أيضا ، إن الحرب ستطول ليس لشهور فقط، وإنما لسنوات ، ولكم أن تقايسوا على ذلك بعجز هذه القوات عن احداث اختراق كبير وتغير المعادلة لصاحها ، رغم استخدامها أسلحة محرمة دولياً كالقنابل العنقودية والغازات السامة ، فكيف سيكون عليه الحال مثلاً في غزوة صنعاء أوعمران أوصعدة، أوغيرها ؟

كثيراً ما قلنا وسنقول اليوم وغدا وبعد غد: السعودية لن تنتصر على الحوثيين ، أو صالح والقوى التي تصطفّ معهما لمواجهة التحالف السعودي، وفي المقابل الحوثيون الذين يقاتلون اليوم داخليا وخارجيا، لن ينتصروا بالكيفية التي يعتقدونها، ولن يتمكنوا من حكم اليمن لوحدهم بالشعارات وترديد الصرخة .

أما الإصلاحيون (الإخوان المسلمين) فعليهم أن يتخلوا فورا عن وهم قُرب موعد دخول صنعاء كفاتحين على دبابات (أم1 أبرامز).

ونخلص من هذا كله إلى حقيقة إنه ليس هناك من خيار عقلاني وسليم وناجع للجميع ، سوى خيار الحل السياسي ، والعودة بجد واخلاص لطاولة الحوار .
ودعكِ يا سعودية عن هذا الجنون، وكُفّ يا هادي عن سخافات الحسم وترهات ابعاد علي عبدالله صالح من قيادة حزب المؤتمر ، من خلال زفّة تصوير عبثية يُراد لها أن تُقام في أحد فنادق الرياض أو القاهرة .

العقل زينة والذكي من اعتبر واستفاد من الدروس ونظر للواقع بمنظار الحقيقة وليس بمنظار الوهم والتخيلات والعباطة.
نقلا عن رأي اليوم

حول الموقع

سام برس