بقلم / عبدالكريم المدي
هناك ما هو أهم بكثير من تركيز البعض على الحادثة التي تعرّض لها القيادي في حزب الإصلاح ورئيس كتلته البرلمانية الدكتور عبدالرحمن بافضل في حفر الباطن/ شمال السعودية والتي كانت عبارة عن حادث مروري في شارع عام .

الرّجُل الذي يبلغ من العمر حوالي (70) عاماً ويُقيم في المملكة منذُ سنوات ، ولم يخض مؤخراً في الصراع القائم في اليمن أو يُدلي بتصريحات سياسية حيال هذا الأمر ، لا يُعدّ – في تقديري – النهش فيه والتشفّي بصورته وهو ملقيّ في الشارع والدماء تسيل منه ،بطولة، أوجعل موته انجازاً وطنياً ونصراً عسكرياً وهبته السماء لخصوم الإصلاح .

أعتقدُ إن كل من خصّص تلك المساحة من الحديث والتعاطي مع حادثة بافضل وبتلك الطريقة إنّما يُعبّر عن ضيق أفق وإنفعال فائض عن الحاجة ، اتى في غير محلّه ، كما يعكس كثيراً حالة من الجهل والتطرُّف في الخصومة السياسية، اللذين يقودان صاحبهما بشكل أو بآخر للاوعي، والعودة المعيارية الإصولية بما تتضمّنه من مفاهيم معتّقة تفتقد لقيم الاختلاف النبيلة وللأدوات المعرفية الصحيحة وللملكات الفطرية التي تجعل المرء دائما ينظر للأشياء من زاوية الاكتمال بنضوج وترفُّع .

حرّي بنا جميعاً أن نسمو فوق الجراحات والصغائر ونتخلّص من الأفكار والمشاعر التي تتباهى بالخراب والموت ولنبحث عن المشتركات الدينية والمعارف العصرية التي من شأنها أن تُعطي سلوكنا وأنشطتنا وأفكارنا وخطاباتنا شرعية وإطاراً أخلاقياً ومفاهيماً جديدة تسمح لأرواحنا ومخيلاتنا من التحلق عالياً بأجنحة من التسامح والحب والجمال .

علينا أن لا نُوظّف محنة الدكتور عبدالرحمن بافضل أو غيره توظيفاً خاطئاً ونعتبره عقاباً ربانياً موجّهاً ضد حزب الإصلاح ، أو غيره من الأحزاب والقوى ،مطلقين العنان لزوابعنا النفسية كي تُصدر الأحكام والتحليلات التي تدخل فيها الأسطورة والمعجزة وطيور السماء الأبابيلية التي صارت ، هي الأخرى في صفّنا وتُقاتل معنا ضد العدوان السعودي وحلفاءه من الإصلاح وغيره .

المواقف والصراعات السياسية ينبغي أن لا تذهب بنا بعيداً وتُنسينا الحقائق الصامتة والخبيئة في وعينا كيمنيين وكبشر ، نمتلك بصيرة نافذة لجوهر التسامح ونظرة جمالية للأشياء والوجود بها قدر هائل من الروحانية والرحمة ورقة القلب والإيمان الذي ينبت في هذه الجغرافية كثابت أصيل ونهج وفن.
صحيح نختلف مع حزب الإصلاح في السياسة والإدارة والبرامج والخطاب والرؤية وكيفية العلاقات والتحالفات مع الخارج ، و نختلف – أيضا – كثيراً مع الأفكار والأطروحات التي يتبناها عبدالرحمن بافضل وهي في غالبيتها تدور في نفس تلك المجالات ، لكن لا يعني هذا إننا نعدم الإنسانية ونتحول لقذائف تتفجر تجاه كل شيء ، حتى وإن كان ذلك إنساناً يصارع الموت ، أو قد ربما قد غيبه الموت بالعفل.

فمجتمعنا اليمني بما يحمله من قيم دينية وأعراف لا تُجيز لنا أن نتخلى عن مبادئنا وعلاقاتنا الإنسانية التي يجب أن تنتصر وتبقى فوق كل خلاف .
وبتعبير آخر علينا أن لا نوغل في الخصومة ونُبادل الآخرين نفس ما يقومن به من تصرفات ، ونُكرر ما قام به (ثوار الفوضى ) يوم 3و4يونيو من العام 2011 حينما احتفلوا ونحروا عشرات الأثوار والخرفان في شارع جامعة صنعاء احتفاء بإغتيال الرئيس السابق علي عبدالله صالح هو وجميع مسؤلي الدولة من الصف الأول في جامع الرئاسة وهم يؤدن صلاةأول جمعة من شهر رجب الحرام.
فلتكونوا كما كنتم تتعاطون مع الأحداث والصراعات بقدر كبير من النُّبل والتسامي ،تؤكّدون للجميع بأنكم تمتلكون أرواحاً جميلة وقلوباً لا تُلغمها الأحقاد والكراهية.

ظلوا- يا رفاقي – كما كنتم تتضاحكون وتتسامحون في لحظات صعبة ،تغيظون من خلالها خصومكم وكل أعداء الحياة، الذين لا يقدرون على فعل ما تفعلونه ، لأن الذين يفعلون ما تفعلونه وتتميزون به إنما هم المحبون الذين ينتظرون الصباحات الجميلة ولم تفسدهم الأيديولوجيات والسياسات والمصالح وأعداء الأمة والمستقبل..!

قولوا معي ، إذا صحّ وقد توفي الدكتور عبدالرحمن بافضل، رحمة الله تغشاه والصبر والسلوان لأهله ومحبيه وإن كان ما يزال في المستشفى يعاني من الحادثة نسأل الله له الشفاء ، وتغمد الله مثوى موتى المسلمين جميعا بالرحمة ،وشهداء الأمة في كل مكان،وشهداء وطننا الحبيب الذين وهبوا دماءهم رخيصة لأجل أن نحيا بحرية وأمن وسيادة كاملة ،ولم يبخلوا في سبيل ذلك بكل غالي ونفيس، فرحمة الله تغشاهم، وتُسكنهم جنّات النعيم مع الصادقين والصابرين .
نقلا عن رأي اليوم

حول الموقع

سام برس