بقلم / ريم خليفة
أخذت روسيا على عاتقها قرار التخلص من تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” من داخل الأراضي السورية في صورة يقرؤها المراقبون الغربيون بأن الغرب خرج من اللعبة وأنه بذلك لم يستطع فعل شيء خلال السنوات الأربع للحرب الأهلية في سورية.

كثيرة هي المؤتمرات التي عقدت من أجل سورية وشعبها، بدءاً من جنيف وصولاً إلى مؤتمر أصدقاء سورية وغيرها من القرارات التي خرجت دون نتيجة تذكر سوى مزيد من القتل على يد الإرهابيين المدعومين بمعادلات إقليمية وأخرى استمرار التهجير المستمر هذا مع كثرة الإحصائيات والتقارير التي أشارت – بحسب الأمم المتحدة – إلى أنه لقي ما لا يقل عن 250 ألف سوري حتفهم وأن هذه الحصيلة تفاقمت ويبدو أنها لن تتوقف إلا عندما يتم اجتثاث عناصر الإرهاب من كل الأرض السورية. وهذا بالطبع ليس كل شيء.

لقد عمل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عبر السنوات الماضية من خلال اللجوء المنهجي لسياسة الفيتو في مجلس الأمن الدولي، وعبر الدعم العسكري والتضامن المتواصل تجاه نظام بشار الأسد الديكتاتوري. كما اعتمد في مجلس الأمن على دعم الصين، فيما يستمر التعاون في المنطقة مع إيران. وهو ما يسمح لروسيا بتحديد مستقبل سورية وباقي دول المنطقة.
لقد كتب خبير الشئون الشرق أوسطية في دويتشه فيله كيرستن كنيب قائلاً عما يحدث اليوم في المشهد الشرق أوسطي بأن “الغرب فشل في إنقاذ سورية أمام سياسة الرفض والعراقيل التي تنتهجها روسيا، أو على الأقل لم يجرؤ على ذلك، وكيف له أن يفعل ذلك وبوتين أظهر في الأزمة الأوكرانية المدى الذي هو مستعد للذهاب إليه. وتم الافتراض بالتالي، أن موسكو ستظهر التصميم نفسه في سورية، رغم أن الرئيس الأميركي باراك أوباما وضع ما أسماه بـ “الخطوط الحمراء” وربط بين تجاوزها ومعاقبة الأسد”.

لكن هناك من يرى في التدخل الروسي تدخلاً يحمل مطامع إستراتيجية تكون فيها سورية بوابة الدخول تحت عذر الإرهاب وحمايتها لأجل استقرارها وهو ما قد يشكل إزعاجاً كبيراً للغرب وبخاصة للولايات المتحدة الأميركية التي هي دائمة الحرص على عدم وجود منافس آخر لها في هذه المنطقة التي تضم فيها مصالح كثيرة مشتركة مع أنظمة لا تحكمها سوى المصلحة المشتركة في الأمن الذي يخدم سيطرتها السياسية على شعوب مستضعفة. وهو في تناقض واضح للادعاءات الغربية التي تتكلم عن مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان في منطقة مازال محرماً عليها تفعيل ذلك على أرض الواقع. ولهذا ليس غريباً أن يبقى نظام قامع ديكتاتوري مثل نظام بشار الأسد في سورية وهو ما يعكس الحقيقة المرة للواقع العربي الذي لا يمكن أن يتغير بالصورة التي كان البعض يتوقعها في العام 2011 إلا من خلال تغيير جذري يطرأ على المنطقة برمتها.

وبحسب خبير الشئون الشرق أوسطية كنيب، فان “الغرب أصبح عاجزاً وغير قادر على التعامل والرد بالشكل المناسب على سياسة بوتين، ولاعتبارات واضحة، فإنه لا أحد يسعى للجوء إلى قوة السلاح، وهذا معناه عملياً أن بوتين حقق هدفه، فبعد ربع قرن، أصبحت روسيا مرة أخرى قوة عظمى”.
وهو ما يبدو أيضاً بأن بشار الأسد سيظل في السلطة، ما يعني أن على القوى العلمانية المعارضة القبول بالأمر الواقع. ومؤخراً طالب الرئيس السابق لـ “المجلس الوطني السوري” برهان غليون بشكل ضمني بضرورة تخلي الأسد عن السلطة. أسباب ذلك مقنعة، نظرياً على الأقل.
ولكن كنيب يوضح بان “الجميع عليه التكيف مع فكرة أن ذلك لن يحدث، إذ سيظل السوريون يقبعون تحت سيطرة ديكتاتورهم” وهو أمر مؤسف لكن في ظل التنافس الدولي على استراتيجيات المنطقة فإن ذلك مازال بعيد المنال.

وللتقليل من معاناة هذا الموقف، لم يبقَ أمام الدول الغربية سوى سبيل واحد، هو الضغط على الأقل على بوتين. وإذا قدر للأسد أن يبقى في السلطة، فليكن ذلك بأقل ضرر ممكن للشعب. لذا يتعين على الغرب أن يعمل على تحقيق هذا الهدف بشكل عاجل، إنه لا يستطيع فعل أكثر من ذلك، وبالتالي تفادي الأسوأ بالنسبة للسوريين. خاصة في ظل التناقض الحاصل في السياسة المتعلقة ببلدان المنطقة وايضا ما يحدث على الأرض السورية، فتارة يعلن الجيش الروسي أنه يقصف مواقع داعش في المنطقة المحيطة بحمص بينما الولايات المتحدة وفرنسا يرون الأمر بشكل مختلف تماماً، فبعض المواقع المستهدفة ليس فيها أصلاً وجود لتنظيم “داعش”، معتبرين أن الهدف الحقيقي هو ضرب معارضي الرئيس السوري بشار الأسد.

ايا كانت الاسباب فانه وبغض النظر عن الرواية الصحيحة، فإن الشيء المؤكد هو أن فلاديمير بوتين قد وصل إلى هدفه، وأن روسيا استعادت اولا دورها كقوة عظمى بعد فترة طويلة وثانيا أخرجت الغرب من دائرة اللعبة في سورية.
كاتبة وإعلامية بحرينية
Reemkhalifa17@gmail.com
نقلا عن رأي اليوم

حول الموقع

سام برس