سام برس
"فضائح الفيفا.. عرض مستمر".. خمسة شهور كاملة لم تكن كافية للكشف عن جميع الفضائح التي غاص فيها الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) على مدار سنوات طويلة ماضية، حيث لا تزال الحقائق تتضح والفضائح تضرب الاتحاد ومسؤوليه السابقين والحاليين يوما بعد الآخر.

وقبل أكثر من خمسة شهور، وبالتحديد في 27 أيار/مايو الماضي، اعتقد المتابعون والمهتمون بعالم الساحرة المستديرة أنهم أمام الفضيحة الأكبر في عالم كرة القدم عندما ألقت الشرطة السويسرية القبض على عدد من المسؤولين السابقين والحاليين للفيفا بناء على طلب من السلطات الأمريكية بتسليمهم في إطار التحقيقات التي تجريها السلطات الأمريكية في فضيحة فساد.

وتزامنت هذه العملية مع تحقيقات أخرى فتحتها السلطات السويسرية بشأن ادعاءات بوجود فساد في عملية التصويت على منح حق استضافة بطولتي كأس العالم 2018 و2022 إلى روسيا وقطر، على الترتيب.

لكن هذه الفضيحة التي تفجرت قبل يومين من الانتخابات التي جرت على رئاسة الفيفا في 29 أيار/مايو الماضي لم تكن سوى حلقة في سلسلة من الفضائح التي تكشفت للجميع على مدار الشهور التالية وما زالت تتكشف حتى اليوم بدرجة لم يكن يتوقعها حتى أكثر الاشخاص تشاؤما.

وبعدما كان القلق في الماضي من تأثير مثل هذه الفضائح قاصرا فقط على مصداقية ونزاهة الفيفا، امتد الأمر إلى تلطيخ سمعة اللعبة بشكل عام بل إن هذه الفضائح كادت تحول بطولات كأس العالم من سبيل لتقريب الشعوب إلى رمز للفساد والتربح.

ووسط هذه الفضائح المتتالية، أضيف إلى المطالبات بضرورة إتمام عملية الإصلاح بالفيفا، حالة من القلق من الانتخابات المقبلة على رئاسة الاتحاد والمقررة في 26 شباط/فبراير المقبل لخلافة السويسري جوزيف بلاتر الرئيس الحالي الموقوف للفيفا.

ونبعت حالة القلق والمخاوف من وصول آثار هذه الفضائح إلى رأس المنظمة وهو رئيسها بلاتر وإلى المرشح الأبرز لخلافته وهو الفرنسي ميشيل بلاتيني رئيس الاتحاد الأوروبي للعبة (يويفا) والذي يخضع مثل بلاتر حاليا للإيقاف لمدة 90 يوما لحين انتهاء التحقيقات الجنائية معهما من قبل السلطات السويسرية بشأن مليوني يورو قدمها بلاتر إلى بلاتيني في 2011 وأكد بلاتيني أنها نظير عمل قام به للفيفا على مدار سنوات وهو ما تسعى التحقيقات لكشف حقيقته.

وما زال بلاتيني، رغم الاشتباه في تورطه بهذه الفضيحة ، ضمن دائرة المرشحين في الانتخابات على رئاسة الفيفا والتي تضم أيضا عدة مرشحين آخرين أبرزهم الأمير علي بن الحسين رئيس الاتحاد الأردني والذي انسحب أمام بلاتر في جولة الإعادة بانتخابات 29 أيار/مايو الماضي والشيخ سلمان بن إبراهيم آل خليفة رئيس الاتحاد الأسيوي للعبة وجياني إنفانتينو سكرتير عام اليويفا والذي ترشح في اللحظات الأخيرة كمرشح بديل لليويفا خشية خروج بلاتيني من قائمة المرشحين نتيجة هذه الفضيحة التي تحوم حوله.

وقبل غلق باب التقدم بطلبات الترشح في انتخابات الفيفا، كان فولفجانج نيرسباخ رئيس الاتحاد الألماني للعبة ضمن الأسماء المطروحة لخوض الانتخابات في ظل ضبابية المشهد بالنسبة لبلاتيني لاسيما مع النجاح الذي أحرزه المنتخب الألماني والاتحاد الألماني للعبة في السنوات الماضية.

ولكن ما لبث أن دخل نيرسباخ وأعضاء اللجنة المنظمة لبطولة كأس العالم 2006 في دائرة الشكوك والاشتباه في تورطهم بفضيحة أخرى، بعدما أشارت تقارير صحفية إلى أن لجنة الملف الألماني كان لديها مخصصات سرية استخدمتها لشراء بعض الأصوات لتأييدها في طلب استضافة المونديال عام 2006، دخل الاتحاد الألماني ومسؤولوه ومسؤولو اللجنة المنظمة لمونديال 2006 في دوامة الاشتباه والشكوك.

وبهذا، انضم المونديال الألماني إلى دائرة الشكوك التي حاصرت بطولات أخرى سابقة ولاحقة وكان منها المونديال الفرنسي في 1998 وأيضا مونديال 2010 الذي استضافته جنوب أفريقيا بخلاف الاتهامات الموجهة لعملية التصويت على حق استضافة مونديالي 2018 و2022 .

ولم يقتصر الأمر على الاتهامات الأمريكية والبريطانية الموجهة لعملية التصويت على مونديالي 2018 و2022 وإنما امتد الأمر لفتح ملفات ساد الاعتقاد في السنوات الماضية بأنها أغلقت تماما أو بأنها بعيدة عن المشهد.

وحرص الإعلامي أحمد شوبير، الذي كان نائبا لرئيس الاتحاد المصري للعبة خلال ترشح مصر في مواجهة ملفي جنوب أفريقيا والمغرب إضافة للملف المشترك من تونس وليبيا، والذي استبعد قبل عملية التصويت بسبب عدم تلبية ليبيا لشروط الترشح وانسحاب تونس، على الإشارة لفساد آخر أحاط بعملية التصويت على مونديال 2010 .

وحصل ملف جنوب أفريقيا على 14 صوتا مقابل عشرة أصوات في الجولة الثانية من التصويت بعد خروج الملف المصري في الجولة الأولى من التصويت دون حصوله على أي صوت فيما عرف إعلاميا في مصر بـ"صفر المونديال" .

وكشف شوبير في برنامجه "مع شوبير" الرياضي التلفزيوني على فضائية "صدى البلد" أمس الثلاثاء عن تعرض الملف المصري للابتزاز من قبل مسؤول بالفيفا.

وأشار ضيفه الإعلامي علاء إسماعيل إلى كواليس "صفر المونديال" موضحا أن الترينيدادي جاك وارنر العضو السابق باللجنة التنفيذية للفيفا أوضح للواء يوسف الدهشوري حرب رئيس الاتحاد المصري للعبة آنذاك أنه يستطيع أن يضمن له ستة أصوات من أعضاء تنفيذية الفيفا وأنه أحدهم وأن الأصوات الخمسة الأخرى تنتمي للأمريكتين لكنه طلب في المقابل مليون دولار عن الصوت الواحد وهو ما لم يستجب له المسؤولون المصريون.

وكان وارنر تعرض في أيلول/سبتمبر الماضي لقرار الإيقاف مدى الحياة عن ممارسة أي أنشطة تتعلق باللعبة علما بأنه استقال من منصبه بالفيفا في 2011 وكان أحد المسؤولين المتورطين في فضيحة الفساد التي تحقق فيها السلطات الأمريكية كما كان واحدا من المسؤولين الذين طلبت السلطات الأمريكية القبض عليهم وتسليمهم في أيار/مايو الماضي.

الجدير بالذكر أن توالي الفضائح وقوة تأثيرها دفعت بلاتر للبحث عن مخرج للأزمة التي تحاصره والتي قد تودي به إلى عقوبات متنوعة منها السجن.

وكرر بلاتر ادعاءاته بأن التصويت لصالح الملف الروسي لاستضافة بطولة كأس العالم 2018 جرى الاتفاق عليه مسبقا قبل التصويت الرسمي.

وأوضح بلاتر أن اتفاقا مشابها جرى بشأن منح الولايات المتحدة حق استضافة النسخة التالية والمقررة عام 2022 قبل أن يحدث تحول متأخر في الأصوات لصالح الملف القطري.

وأشار إلى أن التصويت للملف القطري جاء بعد اجتماع بين الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي ومواطنه بلاتيني رئيس اليويفا مع الشيخ تميم بن حمد أمير قطر حاليا والذي كان وقتها وليا للعهد.

وقال بلاتر: "جرى الاتفاق على منح حق الاستضافة للقوتين الرئيسيتين في العالم، لنمنح حق الاستضافة إلى روسيا والولايات المتحدة".

وأضاف أن بلاتيني أبلغه، قبل أسبوع من التصويت الذي جرى في كانون أول/ديسمبر 2010: "لم أعد معك في الصورة لأن رئيس الدولة أبلغني بضرورة وضع موقف فرنسا في الاعتبار".

وأوضح بلاتر أن بلاتيني "جلب أصوات أخرى لتأييد اتجاهه وقتها".

ولكن هذه التصريحات وضعت بلاتر في خانة الاتهامات بشكل أكبر، حيث انهالت عليه الانتقادات من وسائل إعلام عربية وعالمية.

وقال ماجد الخليفي رئيس تحرير جريدة "استاد الدوحة" القطرية الرياضية، في مقال له: "لماذا يقحمون السياسة في موضوع رياضي، ونحن نؤمن بأن بلدنا سيحمل عام رسالة تقريب الشعوب من بعضها مهما اختلفت دياناتها وثقافاتها تحت رابط واحد يتمثل في حبهم لكرة القدم".

"متى يدركون بأن موازين اللعبة تغيرت وأن قطر البلد الصغير في مساحته، الكبير في فعله وتأثيره ماض في تحدي الصعاب ومواصلة الجهود لتنظيم نسخة مونديالية فريدة عبر مجموعة من الخطوات والتدابير الفاعلة".

وأوضح: "انتظر بلاتر رئيس الفيفا قرابة خمس سنوات ليفجر قنبلة إعلامية مفادها أنه كان يخطط لأن تستضيف روسيا والولايات المتحدة نهائيات كأس العالم عامي 2018 و2022 ملقيا باللائمة على بلاتيني في فوز ملف قطر على حساب الملف الأمريكي، بل وزاد على ذلك عندما اعتبر أن التصويت الذي جرى في عام 2010 على استضافة نسختي 2018 و2022 من بطولة كأس العالم شكل المحفز للأزمة التي يمر بها الفيفا حاليا".

وأشار: "إذا كانوا يدعون بأن قرار منح كأس العالم لقطر قد تحقق بفعل اجتماع الرئيس الفرنسي السابق ساركوزي وأمير دولة قطر عندما كان وليا للعهد، فنحن نقول أيضا أن بلاتر جلس مع أوباما من أجل كأس العالم قبل أن ينقلب السحر على الساحر".

ومن المؤكد أن مثل هذه التصريحات من بلاتر والفضائح التي تلاحق بطولات كأس العالم السابقة قد تبعد بطولة كأس العالم عن أحد أهدافها وهو تقريب الشعوب بفضل عشقها لكرة القدم.

كما أن التقارير الإعلامية التي تظهر بشكل يومي تشير إلى أن سلسلة الفساد لا تزال ممتدة وأنها قد تمتد لكيانات وأناس كانوا خارج دائرة الشك بل كان بعضهم مرشحا لقيادة دفة الإصلاح في الفيفا وغيرها من منظمات اللعبة.

حول الموقع

سام برس