سام برس
تقرير بريطاني يبريء “الاخوان المسلمين” من الارهاب ولكنه يدينهم بـ”التطرف” مواربة.. الانقسامات تتفاقم في التوقيت الخطأ.. والتحالف المصري السعودي الجديد يشكل الخطر الوجودي الاكبر عليهم

اخيرا صدر التقرير البريطاني “التقييمي” لحركة “الاخوان المسلمين” بعد اكثر من عامين، وجاءت خلاصته مخيبة لآمال العديد من الحكومات العربية التي تعارض الحركة، وتعتقل بعض اعضائها مثل مصر والسعودية ودولة الامارات العربية المتحدة.

النقطة الابرز في التقرير تتمثل في تأكيده بأنه لا يجب تصنيف الحركة الاخوانية كمنظمة ارهابية، ولذلك لا ينبغي حظر اعمالها وانشطتها في بريطانيا، وان كان اعترف، اي التقرير، “بأن الارتباط بالحركة يعتبر مؤشرا ممكنا للتطرف”، واضاف “ان بعض اقسام الحركة لها علاقة ملتبسة بالتشدد الذي يقود الى العنف”.

ديفيد كاميرون رئيس وزراء بريطانيا الذي اعلن محتوى التقرير امس تعرض لضغوط عنيفة من السلطات السعودية والاماراتية والمصرية لحظر نشاط حركة “الاخوان” في بريطانيا، ولكنه لجأ الى الاسلوب البريطاني المعروف في تشكيل لجنة لدراسة الامر، تتكون من هيئات اكاديمية وسياسية وامنية، واصدار محصلة ابحاثها واستطلاعاتها في تقرير خاص، يتم اتخاذ موقف رسمي بريطاني تجاه الحركة على اساس توصياته.

التقرير المذكور كان جاهزا منذ عدة اشهر، ولكن كاميرون فضل التريث في اعلان محتوياته لما بعد الانتخابات النيابية البريطانية، ولامتصاص الضغوط وحالة الغضب في اوساط حلفائه العرب المعادين لحركة الاخوان المسلمين، والمطالبين بحظرها كحركة ارهابية.

ما يقلق المعسكر المضاد لـ”الاخوان” هو النشاط الاعلامي والسياسي الكبير الذي تمارسه الحركة انطلاقا من بريطانيا، ويتمثل في اصدار صحف ومواقع الالكترونية ومحطات تلفزيونية، بشكل مباشر او غير مباشر، وبدعم من دول خليجية على رأسها دولة قطر، وعدم وضع بريطانيا للحركة الاخوانية على قائمة الارهاب يعني “صك براءة لها”، وضوء اخضر لمواصلة انشطتها السياسية والاعلامية دون اي مضايقات، وفي ظل حماية قانونية.
ولعل الامر الاخطر في هذا التقرير البريطاني يتمثل في تحوله الى “سابقة” و”بوصلة” ربما تقتدى بها معظم الدول والحكومات الاوروبية الاخرى، وتتعاطى مع حركة الاخوان المسلمين على ضوء توصياته هذه.

رد الفعل الاولي لحركة “الاخوان المسلمين” على هذا التقرير جاء على لسان المتحدث باسمها في مصر السيد محمد منتصر، الذي وصف اتهام الحركة بالتطرف بأنه “امر غير مقبول ويمثل رغبة سياسية مبيته ضد الجماعة”، ولا يرتقي هذا الرد الى درجة الهجوم، ويمكن وصفه بأنه معتدل جدا، ويعكس حالة من الرضا المستتر.

والامر الآخر ان السيد منتصر جرى فصله من قبل مكتب الحركة الاخوانية في لندن بسبب اقدامه على بعض التجاوزات، كما ان مكتب لندن القيادي لم يعلق مطلقا على هذا التقرير البريطاني حتى كتابة هذه السطور، ولعل الصمت علامة الرضا، ةقرار الفصل هذا اظهر حدوث شرخ كبير في صفوف الحركة، وانقسامها الى معسكر الداخل ومعسكر الخارج، ورفض قياديين في معسكر الداخل لهذا القرار، وجرى الاعلان يوم امس عن جهود تبذل حاليا خلف الستار من اجل لملمة الخلافات واعادة اللحمة اليها، يتصدرها كل من الشيخ يوصف القرضاوي والسيد يوسف ندا، والشيخ راشد الغنوشي، والدكتور كمال الدين احسان اوغلو، امين عام منظمة التعاون الاسلامية، ولكن نجاح هذه الجهود ما وزالت محل شكوك الكثير من الخبراء بسبب عمق الخلافات.
الانقسام الحالي والمرشح للتوسع في حركة الاخوان قد يرى فيه البعض خطورة اكبر من اتهامها بالارهاب، لانه يأتي حسب رأي هؤلاء في الوقت الخطأ، مضافا الى ذلك ان مصدر قوة اي حركة يتمثل في وحدتها الداخلية، وهي وحدة بدأت تتضعضع.

حركة “الاخوان المسلمين” تحتاج الى مراجعة شاملة لكل سياستها وادبياتها ومواقفها التي اوصلتها الى هذا الوضع الشائك المتمثل في تفاقم صراع الاجنحة داخلها، وظهور هذا الصراع على السطح، مثلما تحتاج ايضا الى ضخ دماء جديدة في عروقها ومفاصلها من الشباب خاصة، والحفاظ على هويتها الاساسية كحركة دعوية.

ولا يلوح اي مؤشر في الافق على بدء هذه المراجعة، وما يمكن ان تتضمن من نقد ذاتي للكثير من الاخطاء وابرزها خوض الانتخابات الرئاسية المصرية الاخيرة مثلما يعتقد الكثير من انصارها.

التقارب المصري السعودي الذي تجلى في اعلان العاهل السعودي زيادة استشمارات بلاده في مصر الى ثمانية مليارات دولار وتلبيىة جميع احتياجاتها من النفط لخمسة اعوام قادمة، يشكل ضربة موجعة للحركة، وفي توقيت حرج للغاية، ودعم قوي للرئيس عبد الفتاح السيسي الذي قاد انقلابا لاطاحة الرئيس محمد مرسي بدعم من شريحة من الشعب المصري.

ربما تكون حركة “الاخوان المسلمين” خرجت فائزة من صدور التقرير البريطاني، وحصلت على براءة تهمة الارهاب، ولكن خسارتها الاكبر تتمثل في انقساماتها، وتزايد قوة معسكر اعدائها بانضمام السعودية اليه مجددا، وتراجع نفوذ وقدرات حلفائها الاتراك والقطريين اقليميا ودوليا، بعد التدخل العسكري الروسي في سورية، وتراجع اسعار الغاز والنفط بأكثر من الثلثين، وخروج السعودية من الحلف القطري التركي ايضا بشكل تدريجي، وعودتها الى الحلف الاماراتي المصري القديم الذي وضع اسسه الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز.
“راي اليوم”

حول الموقع

سام برس