سام برس
احتفالات في ايران.. اكتئاب في دول الخليج.. ابتهاج في اوروبا.. قلق في اسرائيل.. هذه هي الصورة الاولية لتسونامي رفع العقوبات.. ولكن كيف سينعكس على حروب المنطقة في سورية واليمن والعراق؟ وما هي الخيارات والاخطار امام خصوم ايران العرب؟

رأي اليوم:

لاول مرة منذ سنوات يجدون انفسهم وبلادهم دون حصار، او عقوبات دولية، واقتصادية، وسياسية، بعد صدور الضوء الاخضر من وكالة الطاقة النووية بذلك، واصدارها شهادة بالتزام ايران بالاتفاق النووي الموقع يوم 17 تموز (يوليو) الماضي مع الدول الست العظمى.

الاحتفالات عمت ايران، والكآبة سادت دول الخليج العربي، والقلق كان باديا على وجه بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الاسرائيلي، الذي كرر تهديداته بعدم السماح لايران بامتلاك اسلحة نووية.
رفع العقوبات يعني عودة النفط والغاز والفستق والسجاد وكل الصادرات الايرانية الى الاسواق العالمية، وتدفق اكثر من 50 مليار دولار من الاموال المجمدة (مقدارها مئة مليار) على الخزانة الايرانية فورا، والغاء كل القيود على القطاع البنكي والتأمينات، ولهذا ارتفعت الاسهم في البورصة الايرانية بشكل كبير، ومعها قيمة العملة الوطنية.

الكآبة التي تسود دول الخليج العربي، او معظمها، انعكست سلبا في البورصات، وحركة بيع الاسهم فيها بشكل جنوني، الامر الذي ادى الى انخفاضها بأكثر من خمسة في المئة دفعة واحدة، حيث انخفضت الاسهم السعودية الى ادنى معدلاتها (5520 نقطة) منذ خمسة اعوام، ووصلت اسهم الكويت الى حاجز خمسة آلاف نقطة، وهو ادنى معدلاتها منذ عام 2004، والقطرية بأكثر من اربعة في المئة، مع التذكير بأن الاسهم الخليجية خسرت 130 مليار دولار منذ بداية العام، من مجموع قيمتها السوقية المقدرة بحوالي 800 مليار دولار، وذلك يعود الى الانخفاض الكبير في اسعار النفط الى اقل من ثلاثين دولارا للبرميل، وانعكاساته على مختلف القطاعات الاخرى.

الشركات الاوروبية ستتدفق ومندوبها الى ايران بحثا عن الفرص والعقود والصفقات، فايران تحتاج الى 150 طائرة مدنية لتحديث اسطولها، واكثر من مليوني سيارة، علاوة على تحديث قطاع السكك الحديد المتهالك فيها، والبنى التحتية الاخرى، مضافا الى كل ذلك، انها تملك رابع احتياطي نفطي، وثاني احتياطي غاز طبيعي في العالم، اي ان امكانيات “البزنس″ ضخمة جدا.

رفع العقوبات عن ايران لا يعني عودتها بقوة الى العالم وخروجها من القفص، وانما تمويل حلفائها ايضا في اليمن وسورية ولبنان، الامر الذي قد يغير موازين القوى الميدانية، اي جبهات القتال لصالحهم، فاذا كانت وقفت الى جانب هؤلاء الحلفاء بقوة، ولم تسمح بانهيارهم طوال السنوات الخمس الماضية وهي تحت الحصار، فكيف سيكون حالها وحالهم بعد رفعه؟
السلاح الاقوى في يد ايران سيكون حتما سلاح النفط، فهي تستعد حاليا لضخ مليون برميل يوميا الى الاسواق العالمية، اضافة الى ما تصدره حاليا، المقدر بحوالي 2.8 مليون برميل، وتملك مخزونا عائما مقداره 38 مليون برميل سيغزو الاسواق فورا، وتريد رفع انتاجها الى حوالي خمسة ملايين برميل، وهي الحصة المقررة لها من قبل منظمة “اوبك”.

هذه العودة الايرانية تعني المزيد من انخفاض اسعار النفط الى ما يقرب من العشرين دولارا، الامر الذي سيشكل كارثة لدول الخليج العربي التي تواجه عجوزات ضخمة في ميزانياتها، وتآكل ارصدتها الخارجية، ووقوف بعضها، مثل المملكة العربية السعودية على حافة الافلاس.
الايرانيون ربما يلجأون الى الانتقام من دول الخليج، والخصم السعودي، الذين اتبعوا سياسة تخفيض اسعار النفط بضخ كميات اضافية تصل الى مليوني برميل لاغراق الاسواق، لالحاق الضرر بالايرانيين والروس بسبب موقفهم الداعم للنظام السوري، ولذلك من المتوقع ان ينقلب السحر على الساحر الآن، وتكيل ايران الصاع صاعين لخصومها، وهذا ما يفسر حالة الخوف في الاسواق المالية الخليجية، وهو انهيار سيتواصل، قد يلحقه انهيار اقوى في اسواق العقارات الخليجية، فلم تعد ايران بحاجة في القدر نفسه الى الدول الخليجية، في المساعدة على كسر الحصار، والاستعانة بأسواقها المالية، وقطاعها المصرفي، مثلما كان عليه الحال في زمن الحصار، وهذا ما يفسر التراجع الكبير في اسهم شركات العقار، مثل اعمار وداماك وغيرهما.
المتشددون في ايران والولايات المتحدة يمكن ان يتوحدوا دون تنسيق مسبق في محاولة لمنع ترجمة قرار رفع العقوبات الى تحسين في الاقتصاد الايراني، ينعكس رخاء ووظائف للشعب، ولكن الامر المؤكد ان الدلائل تشير، ومن خلال حالة الفرح في طهران ومدن ايرانية اخرى، ان حظوظ الرئيس الايراني الحالي حسن روحاني في الانتخابات التشريعية الشهر المقبل شباط (فبراير)، وكذلك الانتخابات الرئاسية العام المقبل، افضل كثيرا، الا اذا جرى هزيمة الديمقراطيين في انتخابات الرئاسة الامريكية المقبلة في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل.

رفع العقوبات عن ايران سيعزز طموحاتها كقوة اقليمية عظمى، وسيجعلها لاعبا قويا في منطقة الشرق الاوسط، وربما العالم بأسره، مما يجعل من القلق الاقليمي والسعودي منه بالذات مبررا، لانها اي السعودية ودول خليجية، اخرى تخوض حربا مباشرة ضد ايران وحلفائها في اليمن، وغير مباشرة في سورية والعراق، الخيار الافضل والانجع لهذه الدول اللجوء الى الحوار، ومحاولة حل الخلافات بالطرق السياسية والسلمية، واللجوء الى الوسطاء لتحقيق هذا الغرض، وعلى رأسهم دولة الجزائر وسلطنة عمان المحايدتين.

معادلات القوة في المنطقة بشقيها العسكري والاقتصادي امام تغيير كبير لمصلحة ايران في المستقبل المنظور على الاقل، وكل هذه التهديدات الاسرائيلية مجرد صراخ الالم، وخيبة الامل معا، والايام بيننا.

حول الموقع

سام برس