بقلم / عبدالكريم المدي
بعد إعلان مستشار وزير الدفاع السعودي العميد (أحمد عسيري) قبل أيام قليلة عن استعداد بلاده للمشاركة في حرب برية في سوريا مع حلفائها، وما تبعه بأقل من (24) ساعة من تصريحا ممثالة وقريبة منها، صدرت عن كُلّ من البحرين والإمارات أكّدتا من خلالها عن استعدادهما للمشاركة في

حرب برية في سوريا، ومن جانبه نشر الناطق الرسمي باسم الجيش المصري في حسابه على إحدى شبكات التواصل الاجتماعي صوراً لوحدات

عسكرية مصرية ضخمة مؤكداً في تعليقه عليها ،بأنها متّجهة للأراضي السعودية للمشاركة في أكبر مناورة عسكرية تُجرى في هذا البلد تحت اسم (

رعد الشمال). وقبل هذا وذاك وبأيام قليلة، جاء تصريح كويتي من على منبر مؤتمر رؤساء برلمانات ومجالس الشورى في العالم الإسلامي الذي عُقِد

بتاريخ (26يناير2016) في العاصمة الكويتية (الكويت) وقد كان على لسان ( مرزوق الغانم) رئيس مجلس الشورى الكويتي، ردّاً على رئيس الوفد

الإيراني (علي لارجاني )الذي اتهم السعودية بدعم الإرهاب، وقد قال الغانم فيه : (أنا شخصياً ووفد الكويت نُمثّل المملكة العربية السعودية ) ، فيما

طالب في القاعة نفسها أمين عام مجلس التعاون الخليجي عبداللطيف الزياني، إيران بالانسحاب من سوريا .
بعد كل هذه المواقف وغيرها العشرات، نستطيع القول إن المنطقة تشهد احتقاناً غير مسبوق وصراعاً أكثر حدية بين إيران وحلفائها في المنطقة

والعالم من جهة، والسعودية وحلفائها عربياً وإسلامياً وغربياً من جهة ثانية.

وبغض النظر عن حجم وقدرات القوات البحرينية مثلا أو الإماراتية ومدى الخطر الذي تمثلانه على الجيش النظامي السوري ومن يقاتل معه من

حزب الله وعناصر الحرس الثوري الإيراني، اضافة، وهو الأهم، طائرات وصواريخ روسيا، إلا أن ما يجري يُثبتُ عدة حقائق أولها: ضيق أفق

ونفس كل الأطراف، وثانيها : التغير الهائل في السياسة السعودية التي تحولت ( 280 ) درجة من متأنية ومتحفظة وتُحارب عادةً بالوكالة، إلى

صقورية عدوانية من الطراز الأول ، وثالثها : لؤم وإنتهازية الإيرانيين وطريقتهم وأدواتهم في إستثمار المآسي والأمراض التي خلفها نهر الربيع

العربي المالح ،ورابعها: الفشل الذريع للنخب السياسية والدينية والثقافية والإعلامية في التعاطي مع الأوضاع المستجدة.

علينا أن نعترف، بأن التطورات والتداعيات التي حدثت خلال الأيام والأسابيع الأخيرة قد تقضي على آخر بصيص من فرص السلام والاصغاء

لأصوات العقل ، وقد تدفع – أيضا – بإتجاه إشعال فتيل المستعر الأعظم، ولا نستبعد أبداً أن السعودية ستمضي في تنفيذ التصريحات الأخيرة

على أرض الميدان في سوريا عبر بوابة تركيا، وبمشاركة الأخيرة، ودخول إيران على خط الصراع ليس من خلال مستشاري الحرس الثوري في

سوريا وإنما بصورة أخرى، وعلينا أن نأخذ هنا تصريحات رئيس الحرس الثوري الإيراني الجنرال (محمد علي جعفري) الذي رد على العسيري

قائلا: (أن السعودية “لن تجرؤ” على إرسال قوات إلى سوريا وإن فعلت ستند) .
وغير بعيد تصريحات نائب الرئيس الأميركي جون بايدن في يناير من هذا العام (2016) حينما قال: (مستعدون لحل عسكري في سوريا إذا تعثر

الحل السياسي التفاوضي(.
من الواضح جداً هو إن حمى وطيس المعارك يرتفع من يوم لآخر، وإن السعودية تزداد قناعاتها المتهورة واللامعقولة بعدم التراجع عن حربها

المقدسة في اليمن قيد أنملة ، وهذا ما أكده الملك السعودي سلمان بن عبدالعزيزيوم 7فبراير2016 في خطاب له أمام وفود من الدول العربية

والإسلامية والذي اعتبر فيه إن الحروب التي تقوم بها بلاده هي من أجل الدفاع عن نفسها وأنها ستمضي فيها قدما وستدافع- أيضا – عن الدول

والأنظمة التي اسماها بـ الشرعية عربياً وإسلاميا.

لعل التطورات العسكرية والمكاسب الهائلة التي يحققها النظام السوري المدعوم روسياً وإيرانياً ومن حزب الله قد أفقدت السعوديين وحلفاءهم

الصواب، وهذا ما دفع بالمسؤلين والإعلاميين للخروج عن طورهم، وخير برهان على ذلك تصريحات العميد العسيري والتقارب الذي نتفاجأ به من

وقت لآخر مع مصر، وحجم الدعم المقدمة لها سعودياً وخليجياً، إلى جانب التهيئة الإعلامية والدينية لتحرُّك قادم يفجر الصاعق .

وتأسيساً على ذلك هناك أمرآخر يُعزّز ما نقوله ، ويعرفه جيداً من يعيش في اليمن، حيثُ يتمثّل بتصعيد المواجهات المسلحة وأرتفاع وتيرة العمليات

العسكرية أرضاً وجواً وبحراً،وربما إن هذه التطورات تؤكد على خيارالحسم العسكري الوحيد لدى السعودية ،وإن كانت تراهن عليه خلال الفترة

الماضية، لكن بصورة مستترة ، أما اليوم فلم يعد ذلك التستر يهمها ،ولا يهما – أيضا – أي إنتقادات تُوجّه لها.

ومن يتابع كِبار الإعلاميين والصحفيين السعوديين والخليجين سيقفُ على المزاج العام في هذه الدول وعلى ما تنوي القيام به في اليمن بشكل خاص

وسوريا بشكل عام خلال الفترة الحالية والقادمة ، ومن اراد أن يتأكد مما نقوله، ما عليه إلا أن يتابع قنواتهم وصحفهم ، أو يرجع فقط لموقع قناة (

فرنسا 24) التي أفردت حلقة مساء 6فبراير2016 وخصصتها لعاصفة السعودية في اليمن والإنتقادات الغربية لهاالتي تتهمها بإرتكاب جرائم حرب

وإنتهاكات للقانون الدولي .وفي تلك الحلقة أستضافت القناة عبر الأقمار الصناعية، من السعودية الصحفي البارز (جمال خشقجي) وفي الإستديو

الصحفي العربي البارز(فيصل جلول) واثنين آخرين ، وقد كان كلام (خشقجي) واضحاً تماماً، ويكفي تأكيده فيه إنهم سيواجهون المعركة عسكرياً

وإعلامياً وإنهم عاملون حسابهم، ويتوقعون توجيه إنتقادات غربية وغيرها.

وبإختصار شديد ها هم اليمنيون يقتلون ويُجوّعون ويُهجّرون ويُمزّق نسيجهم الاجتماعي ووحدتهم الوطنية، وتُداس كرامتهم في الأرض ، فيما الأنظمة

العربية والإسلامية التي بقيت بجيوشها وأموالها ونفوذها تتستمتع، وكأن الجميع خُلقوا قرابين ووقود لإسعاد ورضا وخدمة إيران والسعودية

وأميركاء ووكلائها في منطقتنا، من أمراء هذه الحروب البشعة، القذرة التي لا تحمل أي فضيلة إنسانية، أو مشروع أخلاقي، أو معنى قومي .

*رأي اليوم

حول الموقع

سام برس