بقلم / د.فيصل مصلح
تحولت اللأزمة السورية تدريجياً منذ إنطلاقتها في العام 2011 إلى أزمة عالمية وذلك لعدة أسباب جوهرية تكمن في البعد الإقتصادي والإجتماعي والجيوسياسي ولا تنتهي في البعد الإنساني.

لا شك أن أزمة اللاجئين التي وصلت إلى ذروتها في العام 2015 قد أضافت سمة العالمية على الأزمة السورية بشكل واضح وصارخ كونها قد أصبحت من أسوأ موجات النزوح الداخلي والخارجي بعد الحرب العالمية الثانية. كان أولى ضحايا هذا الموج البشري الهارب من أماكن القتال هو الدول المجاورة ومن ثم جميع الدول الأوروبية ومعظم دول العالم حتى وصلت إرتدادات تسونامي اللجوء إلى أيسلندا عند دائرة القطب والأرجنتين وأستراليا وأبعد الأماكن المأههولة، ما قد وضع دول العالم أمام تحديات كبيرة ووضع الحكومات امام قرارات إستثنائية وأثار صراع وتضارب لدى شرائح المجتمع في الدول المتقدمة بين ماهية وواقع حقوق الإنسان من جهة وقدرة السكان على هضم وإستيعاب هذا الكم الكم البشري القادم بأفكار ومعتقدات وحالة إجتماعية مختلفة ومتخلفة عن المفاهيم والقيم الغربية.
تفاوتت ردود فعل الدول حول كيفية التعامل مع اللاجئين الوافدين، منهم من رحب بحذر وفتح الحدود بحرص وتنظيم ومنهم من رفض إستقبالهم وأغلق الحدود ومنهم من سمح فقط بمرورهم دون إقامتهم. لا شك أن معظم الدول رغم إعترافها بخطورة الوضع إلا أنها كانت تأمل بقدرتها على إحتواء اللاجئين والحد قدر المستطاع من الآثار السلبية لإقامتهم، هذا كان في البداية، أما الآن وخلال فترة قصيرة من قدوم هؤلاء وجدت الحكومات نفسها عاجزة عن إستيعاب هذا الكم الهائل من اللاجئين خصوصاً بسبب الخلاف الإيديولوجي والتباعد الثقافي وإختلاف منظومة القيم بشكل فاضح وواضح بين مجتمع اللاجئين ومجتمع الدول المظيفة. من هنا برزت الدعوات إلى إعادة ترحيل القادمين حتى ولو على نفقة الدول المستقبلة، أو بأفضل الحالات إسقاط صفة اللجوء وإعادتهم إلى ديارهم عند إستقرار الأوضاع، ما دفع الدول إلى تظافر جهودها لوضع حد للأزمة السورية وإعادة الأستقرار ووقف النزاع في سوريا بأي ثمن.

لا شك ان الحلول لهذه الأزمة الإنسانية موجودة، وأعتقد ان معظم الدول يجب أن تتبع منهج موحد لوضع حد لها وهو المنهج المتمثل بنقطتين أساسيتين.

النقطة الأولى هي الإعتراف بالدولة السورية بأنها دولة قائمة والتعامل مع أجهزتها خصوصاً وأنها لا تزال قادرة على إعادة الأمن والإستقرار.

أما النقطة الثانية ، هي ضرورة تأمين ادنى مقومات العيش الكريم للاجئين في الدول المجاورة لسوريا والتي تعتبر المصدر الأول لإنطلاق دفعات اللجوء نحو أوروبا والعالم وذلك ريثما يعود الأمن والإستقرار إلى بلادهم. هنا نجد دول العالم أجمع أمام معادلة حاسمة لا بديل لها وهي إما القبول وتحمل تبعات اللجوء أو وضع حد حاسم وسريع للأزمة السورية والتنازل عن بعض الأثمان السياسية مقابل أثمان أكبر إنسانية.
د.فيصل مصلح مدير هيئة الأبحاث
والدراسات الإستراتيجية
نقلا عن رأي اليوم

حول الموقع

سام برس