بقلم / ثريا عاصي
تلفت نظري غالباً العلاقة الواهية بين التسمية وبين المُسمّى، التي أعتبرها من عجائب عصر الانحطاط السياسي والثقافي الذي نحن فيه. مثال على ذلك، الديمقراطية في خطاب المعارضة السورية التي يرعاها آل سعود. مثال آخر، أيّة مصداقية يستحقّها الفكر المنتج في «مؤسسة أبحاث ودراسات» قطرية يعمل فيها «مفكّرون عرب» جاؤوا من سوريا وفلسطين والعراق. دعك من البِدَع الفقهية التي يصدرها رجال دين، يتزعّمون جماعات الإخوان المسلمين الوهابيين.

ليس من حاجة للبسط والتوسيع لكي ندلّل على الدور الذي اضطلع به «المفكرون» ورجال الدين المُشار إليهم في سيرورة الربيع العربي أو «الثورات»، ولعلّ أبلغ تعريف عن ذلك يمكن استخلاصه من هذا السجال الذي دار على قناة الجزيرة القطرية، بين مُقدِّم برنامج، اسمه فيصل القاسم، سوري، ذائع الصيت من جهة، وبين ضيفه السيد محمد السيد أحمد، ناصري، من مصر:

ـ القاسم: اشتراكَ السوريون بمئة دولار أو بمائة وخمسين دولاراً.

ـ سيد أحمد: السوريون ليس لديهم فلوس، لو كنت عاوز أبيع نفسي آتي إلى هنا زيك

ـ القاسم: أول شي بتحترم حالك...

مجمل القول، إنّه رغم أنّ مُقدّم البرنامج هو الذي بادر إلى إهانة ضيفه، فإنّه احتجّ احتجاج العاهرة عندما واجهه الأخير بما ينطبق عليه من نعوت. يكاد أن يكون هذا الأسلوب السوقي مشتركاً، بين مفكّري قطر «العرب»، ورجال دين قطر «الإخوان» والوهابيين.

إذ من المرجّح في هذا السياق أنّ الميل العام لدى مُلهمي «الثورات العربية» و«الثورة» السورية المزوّرة، تحديداً، هو إخراج أنفسهم من مستنقع «داعش» والقاعدة، التي تتعدّد جماعاتها وأسماؤها، فيعمدون إلى أسلوب العُهّار في إلصاق العيوب بالآخرين وإنكار عيوبهم التي لا تخفى إلا عن الصم والعمي على طريقة «يرى القذى في عين أخيه ولا يرى الجذع في عينه»، وعلى طريقة «لا تقرب الصلاة» أيضاً، وعلى انتقائية مُشينة بين الوقائع والمعطيات لا تليق بالبحث والتحليل العلميَّين.

يتّضح هذا من خلال مقاربات مفكّري قطر، العرب، لموضوع الطائفية التي يتلقّاها القارئ والسامع ضمن غلاف معرفي مُبهِر وبكلام مُبهرَج، اعتداداً بالموهبة الكبيرة والإلمام الموسوعي.

إنّ الغاية من تسليط الضوء، في هذه المرحلة من مراحل العدوان على سوريا على ظاهرة «الإرهاب الإسلامي»، تتلخّص من وجهة نظري:

ـ التنصّل من مسؤولية جريمة سفك دماء السوريين، وتهديم سوريا، ومحو المعطيات التي تُثبِت تواطؤ المفكّرين ورجال الدين في قطر مع الجماعات الإرهابية، بقصد مواصلة الحرب على سوريا بحجة الحرب على داعش.

ـ تبرئة الوهابية من انحراف هذه الجماعات الإسلامية وجموحها الوحشيّ.

ـ تبرئة دول الخليج من معاونة الولايات المتحدة الأميركية في «إعادة العراق إلى عصر الحجر»، والإلقاء بالمسؤولية على البعث وإيران، وصدام والشيعة...

ـ تبرئة العثمانيين الجدد وأل سعود وبندر بن سلطان.. ممّا جرى ويجري في سوريا والعراق واليمن وليبيا.

ـ اتّهام إيران في تطييف «الشيعة»، واتّهام «الشيعة» في تطييف السنة.

ـ اتّهام خصوم حكّام الخليح، وآل سعود بوجه خاص، في خلق «داعش»، والقاعدة... يكادون أن يطمسوا مسؤولية الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها، وبلاك ووتر في وقوع الفاجعة العربية. لا يقولون شيئاً عن ليبيا، عن مصر. لعلّ مردّ ذلك إلى أنّ أصل المشكلة من وجهة نظرهم هو في إيران وحزب الله.

أقول بكل تواضع، وأنا لا أعمل في المراكز البحثية القطرية، أنّي سبقت مفكري قطر «العرب»، وحاولت منذ سنة 2013، مقاربة الطائفية السياسية في عدد من المقالات. كتبت عن داعش طبعاً، وكتبت أيضاً عن الشيعة تحت العناوين التالية، الشيعة والمقاومة ـ حزب الله قريبي وجاري ـ الصراع من أجل سورية ليس مذهبياً ـ صراع حزب الله ضدّ إسرائيل ليس مذهبياً ـ مذهبية حزب الله ومذهبية أعدائه في بلاد الأرز ـ االسلطة الشيعية ـ مقاومون وشيعة ـ ليس لمقاومة المستعمر ديناً.

يبقى أن نقول في ختام هذا الفصل، إنّ الفرق بين مقاتلي حزب الله من جهة، وبين المفكّرين العرب في دولة القواعد العسكرية الأميركية من جهةٍ ثانية هو التالي؛ فلقد كان هؤلاء المفكرون، في غالبيّتهم، علمانيين وأعضاءً في الأحزاب العربية القومية والشيوعية، كمثل آباء مقاتلي حزب الله الشيعة وأشقّائهم البكر. تحالف الأخيرون مع سوريا وإيران وقاوموا الغزاة الإسرائيليين في لبنان، بينما اضطرّ المفكّرون والمناضلون العرب اعتزال النشاط الحزبي، أو الهجرة، باستثناء الانتهازيين والعملاء الذين يفكرون في قطر واسطنبول وباريس.

نقلا عن الاردن العربي

حول الموقع

سام برس