بقلم / احمد عبدالله الشاوش
من المفارقات العجيبة ومايدعو للحيرة والسخرية بعد أكثر من عام على فشل عاصفة الحزم وإعادة الامل والسهم الذهبي ، أن اعلام التحالف بقيادة السعودية مازال لا يحترم عقلية المشاهد والمتابع والقارئ للمشهد اليمني ، بدءاً من التسويق الإعلامي للانتصارات " الوهمية" التي أصبحت كمن يزرع في السماء أو يحرث في البحر.

وما تصريح الناطق الرسمي أحمد عسيري سابقاً بتدمير نسبة 98 في المائة من منظومة الصواريخ الباليستية اليمنية وقدرات ومقدرات اليمنيين "الحوثيين وقوات صالح " ، إلا حالة من السراب والتضليل ، ليكتشف العالم ان التحالف بقيادة السعودية دمر البنى التحتية من مدارس ومستشفيات ومخازن ادوية ومدن تاريخية ومصانع للحليب والبلاستيك والاسمنت وخزانات المياه وقنابل محرمة دولياً أودت بحياة آلاف الأطفال والنساء والشباب .

كما ان الهجوم الواسع الذي شنته قوات التحالف ، وقوات الحشد الشعبي التابعة لهادي والرياض مساء الاحد 24 ابريل على عناصر تنظيم القاعدة 2016م ، وحالة الفرار الجماعي من مدينة المكلا صوب محافظة شبوة شيء أكثر قتامه..

ومن الغريب ان تواصل آلة الدمار الإعلامية انحطاطها المهني والأخلاقي عبر كتيبة من رجال الصحافة والاعلام والمحللين ، التسويق للنصر " المؤزر" على تنظيم " القاعدة " في مدينة المكلا تحت غطاء ظاهره الحرب على الإرهاب وباطنة السيطرة على الثروات النفطية والأماكن الاستراتيجية ، رغم ما نحلم به نحن اليمانيون وشعوب العالم المذبوحة من الوريد الى الوريد من القضاء على تنظيمات القاعدة وداعش ذات الماركة الامريكية والبذرة السعودية.

فالتصريحات النارية بتدمير القاعدة في المكلا وقتل أكثر من 800 عنصر وفرار الاخرين الى الجبال والوديان والصحارى والمدن اليمنية الأخرى خلال " ساعة ونصف " من شن الحرب على القاعدة والسيطرة على الموانئ وابار النفط ومؤسسات الدولة اليمنية يثير أكثر من علامة تعجب واستفهام ويظهر العديد من الشكوك والنوايا غير الصادقة ، فالمشهد الدرامي ضد القاعدة وبهذه السهولة يقودنا الى قراءة واقعية للمسرح الضبابي بكافة أبعاده وطرح بعض النقاط البريئة منها :

أن تنظيم القاعدة اليمني لم يكن " هدفاً " لدول التحالف بقيادة السعودية منذ بدء عاصفة الحزم ويؤكد ذلك القول ، تصريحات ناطق التحالف العميد أحمد عسيري ، بإن قاعدة اليمن لم تكن ضمن بنك الأهداف للعاصفة ، وهو ما يوحي الى ان هناك اتفاقات وتفاهمات وراء الكواليس وأن قيادات التنظيم على اقل تقدير تحرك من دهاليز الاستخبارات السعودية وفقاً للظروف والأزمات .. ومن ناحية أخرى ربما ارادت السعودية توجية ضربات قاصمة الى جماعة الحوثيين وقوات الرئيس السابق علي عبدالله صالح واستثمار الخلاف بين القاعدة والحوثيين وحالة العداء والانتقام من المؤسستين العسكرية والأمنية بالتهدئة واستمالتها الى صفها.

كما ان دراسات وباحثين ووقائع تؤكد ان تنظيم القاعدة صناعة أمريكية ونبته سعودية المنشأ منذ الثمانينات تم رعايتها بالفكر والمال والتدريب للزج بها في حرب أفغانستان عوضاً عن الجندي الأمريكي الأشقر للإطاحة بالقطب الروسي الذي سقط بصورة مريعة ومهينة تحت ستار محاربة الشيوعية ، وبعد انجاز المهمة والشعور بخطرها بدأ الاخوة الأعداء في الاحتراب ودخول معتقلات غوانتانامو وغيرها من السجون السرية بعد ان بدأت تتجاوز الخطو ط الحمراء ، مما أدى الى إعادة احتوائها وتدويرها والاستفادة منها في مناطق بعينها في الوطن العربي كسوريا والعراق واليمن وبعض دول افريقيا لتبني عمليات التفجير والاغتيالات وتدمير مؤسسات الجيش والامن واسقاط الأنظمة ، وأصبحت السعودية محطة لتحريكها ومكة غسيلاً لتبييض الأفغان العرب منذ بداية استقطابهم تحت غطاء أداء العمرة هروباً من الأجهزة الأمنية العربية ومن ثم الالتحاق بجبهة أفغانستان ، ولذلك صار من الصعب التخلص منها في ساعة ونصف كما تسوقه الالة الإعلامية للتحالف ، لاسيما وان الرئيس أوباما صرح بإن محاربة تنظيم القاعدة وداعش تحتاج الى سنين ومليارات الدولارات لإنجاح المهمة ، كما ان المرشح للرئاسة الامريكية ترامب أكد في تصريح له ان ادارتي أوباما وهلاري كلينتون وراء دعم الإسلام الراديكالي المتمثل في داعش والقاعدة .

كما ان الضغوط التي مارستها السعودية في بداية حكم الرئيس صالح في بناء المدارس والمعاهد العلمية ذات الفكر الوهابي المتطرف قد أخرجت أجيالا حاملة للفكر القابل للتفخيخ وضغطت بتعيين العديد من قيادات وكوادر الإصلاح والسلفيين بتعيينهم في أجهزة الامن والاستخبارات تحت ذريعة التنكيل بالشيوعيين والناصريين والبعث وغيرهم وفيما بعد انخراطهم في أجهزة الشرطة والقوات المسلحة مما جعل للسعودية أكثر من أداة لتنفيذ سياسات معينة عند اللزوم وبغض النظر عما تسوق له السعودية من عداء غير واقعي وإعلان حرب إعلامية ضدها .

ولذلك فإن تنظيم القاعدة مكنته الظروف السياسية من اكتساب خبرة قتالية كبيرة وادار حرب الكترونية عميقة ومتواصلة وتمتع بالرعاية والدعم والتعاطف الخليجي سيما بعد تنقل بعض عناصره ومشاركتهم في حروب سوريا والعراق ، بصورة تجعل سقوطه أصعب من هذه الصورة المهينة والاختفاء العجيب من مسرح العمليات القتالية بسرعة البرق خلال 90 دقيقة وكأنها مجرد سهرة في كبارية للمتعة أو نزهه على ضفاف النيل دون اصدار بيان ، إإإإلا اذا سبق ذلك اتصال من غرفة العمليات بـ" الرياض" الى كبار قيادة التنظيم التي على هي علاقة مشفرة بها بالتضحية ببعض العناصر التي تجهل ما بين السطور .
واذا سلمنا بعدم تبعية وتأثر التنظيم بالسعودية ودول أخرى فمن الممكن التأكيد بانه تعرض لضربة موجعة ، وبإمكان التنظيم " امتصاص " الصدمة لاسيما وان جذوره منتشرة في كثير من المدن والأجهزة اليمنية .

وخلاصة الخلاصة أن تنظيم " القاعدة " مجرد شركة مقاولات أو تاجر حرب أجرى مع نظام " الرياض " عملية الدور والتسليم لمدينة المكلا بعد ان تم طيلة عام بعيداً عن ضربات التحالف واتاح التحالف له التمدد والتوسع واسقاط المعسكرات ونهب الأسلحة والسيطرة على الموانئ والثروات النفطية والأماكن الاستراتيجية وما أن رن جرس " التلفون " حتى تمت عملية " التسليم " المغلفة بضربات وفرقعات الجو والبحر والبر لاستكمال المشهد الدرامي والزوبعة الإعلامية والانتصار الغريب ، لاسيما وان الحرب على القاعدة كانت مشفرة وبعيداً عن وسائل الاعلام باستثناء اعلام " المخرج " الذي سارع الى الإعلان عن النصر المؤزر ، فالأيام القادمة قد تكشف خيوط اللعبة ، رغم تمنياتنا بتوافر الارادة والنوايا الدولية الصادقة للقضاء على القاعدة وداعش ورفع العدوان والحصار الجائر على اليمن لإرساء السلام .

غير اننا نرى ان تنظيم القاعدة يتمتع بأكثر من نسخة كبرنامج الويندوز، منها النسخة الامريكية والسعودية والبريطانية والباكستانية واليمنية والسورية والعراقية والتركية والقطرية ، في حين أصبحت اليمن مقلب لتدوير بعض من هذه النسخ التي تباينت بين الاصلية الحاملة للفكر الجهادي والنسخة المضروبة التي تحمل يافطات للفكر فقط ونسخ لتجار الحروب تنفذ عمليات وخدمات " مقاولة " كما حصل لمدينة المكلا أو لبعض مراكز القوى والأحزاب المرتهنة التي تحاول الانقضاض على الحكم و بيع الأوطان .

حول الموقع

سام برس