بقلم/ د.اكرم العجي
يعتبر الحوار من أرقى وسائل التعامل البشري، التي يلجأ إليها اﻹنسان من أجل تحقيق حلول وسطية ومرضية للأطراف المتنازعة أوالمختلفة ، بدلا من العنف والمواجهة المسلحة، خصوصا بعد وصول أطراف الصراع إلى نقطة التوازن، لاغالب ولا مغلوب.

ولنا في الحوار تجارب كثيرة في هذا الحيز الجغرافي من العالم، حيث وقد شهد الوطن العديد من الحوارات سوءا في الماضي القريب أو الحاضر الغير بعيد، لقد كان لنا تجارب ناجحة في الاحتكام إلى طاولة الحوار، كما كان لنا البعض من التجارب الفاشلة، والتي افضت إلى العنف والدمار.

قد يكن مؤتمر الحوار الو طني أحد تجاربنا الفاشلة، حيث أفضى بعد ما يقارب من عام على انتهائه إلى المواجهة المسلحة، والعدوان على الوطن في 26 / مارس/ 2015.

ليس هنا محل للخوض في تفاصيل و أسباب فشل مؤتمر الحوار الوطني،لكن ما دعانا للأسترشاد به ، هي ما خلفه من نظرة تشائمية لدى العديد من ابناء الوطن في أن تفضي الحوارت اليمنية إلى سلام، خصوصا بعد فشل جولات جنيف في وقف نزيف الدم .

اليوم وبعد جولات من الصراع المسلح والعدوان على الوطن منذ عام وأكثر من العام ، والتي معها أهلك الحرث والنسل، ودمرت مقدرات وخيرات الوطن، وبعد أن عجز أي من طرفي الصراع في حسم المعركة لصالحه، اتجهت الأنظار إلى السير وراء الدعوات المنادية إلى الاحتكام إلى طاولة الحوار.

لهذا وعلى الرغم من المعوقات والصعوبات التى رافقت اختيار الدولة المناسبة لعقد اللقاءات والتشاورات بين الخصوم الإخوة، أتفق الخصوم على أن تكون دولة الكويت أرضا للمفاوضات ،ومحطة ﻹيقاف لهيب الحرب ونزيف الدم، ونقطة لعبور اليمنيين نحو السلام.

ومنذ انطلاق المفاوضات في الأسبوع الماضي و أنظار اليمنيون متجهة صوب الكويت أملا في أن تكون هذه المفاوضات كفيلة بتحقيق حلمهم المنشود ااااالسلاااااام واﻷمن واﻷستقرار لوطنهم الغارق في أتون الظلام.

وعقب وصول وفدي الأطراف المتصارعة إلى أرض الكويت، والشارع اليمني كعادته لم يكف عن الحديث والتحليل اﻷستباقي للمفاوضات ولنتائجها ، قد تكن هذه ظاهرة صحية، لكن عادة ما تفتقد هذه النقاشات إلى الموضوعية، كما قد يعتريها التفسيرات التحيزية والتحليلات التعصبية، وهنا تفقد مظاهرها الصحية، ليس هذا ما نود إثارته، فما نرغب فيه هو معرفة وجهة نظر الشارع حول تلك المفاوضات، هل ستكون كفيلة بتحقيق السلام في اليمن؟

من خلال القراءة المتأنية والمتنوعة لحديث الشارع لاحظت بأن هناك مزيج أو خليط من وجهات النظر المتباينة.

فهناك العديد من وجهات النظر المتشائمة الغير متفائلة و المتخوفة في نفس الوقت من مفاوضات الكويت ،خصوصا بعد تعثر المتحاورون لعدة أيام في إقرار جدول اﻷعمال، إضافة لكون أحد أطراف الحوار لا يملك قرار نفسه، كما أن الأخر متمسك بموقفه ورأيه.

قد يكن التشاؤم والخوف الذي يحمله أصحاب هذه الرؤية مؤشر يوحي إما إلى انعدام الثقة في المتحاورون، أو إلى الحوار نفسه بسبب بعض التجارب الفاشلة التي علقت في أذهانهم، والتي عقبها صراع وعنف غير مسبوق، كما قد يرجعها البعض إلى الاعتقاد بأن هذه المفاوضات قد تكن استراحة محارب لطرفي الصراع لكسب الوقت وتجهيز العدة لصراع جديد، قد يكن أعنف وأشمل مما شهدته البلاد.

هذه هي وجهة نظر قد يعتريها الخطأ،كما يعتريها الصواب، ولايمكن لنا الحكم عليها بالصحة أو الخطاء فقد يكن لأصحاب هذه النظرة من المبررات الداعمة لوجهة نظرهم ما لا نراه نحن، وهنا علينا احترامها وليس بالضرورة الأقتناع بها، وحدهم المتحاورون في الكويت من يستطيعون دحضها أو اللجزم بصحتها فنواياهم الخفية هي المحددة لمخراجات الحوار.

وهنا نقول لأصحاب النظرة المتشائمة من الحوار العيب ليس في الحوار؛ وإنما في من يريدون أن يكون الحوار ونتائجة، وفق رغباتهم واهوائهم، و هذا لا يدعي إلى التشاؤم المفرط والخوف المقلق، فثقتنا بالله كبيرة في قدرته على إخراج الوطن من مستنقع العنف والفوضى.

وعلى الرغم من هذا الشعور المتشائم؛ إلا أنه لايمثل الشعور السائد في البلد، فهناك العديد من ابناء الوطن يحملون وجهات نظر متفائلة ومستبشرة ، ويعللون تفاؤلهم واستبشارهم لشعور طرفي الصراع بأن الحرب قد اوصلتهم إلى طريق مسدود ونفق مظلم، أو لكونهم قد أجبروا على سلوك هذه الطريق - الحوار - المليئة بالمنعطفات والمطبات، لكنها ورغم وعورتها أهون من العنف المسلح، لهذا فآمال وأماني هذه الفئة المستبشرة كبيرة في أن تكون الكويت أرضا لصناعة السلام في اليمن.

وانا بدوري أقول بأن شد الرحال إلى الكويت من قبل طرفي الصراع يعد مؤشر إيحابي لكون تقارب وجهات النظر بضرورة تغليب الحل السلمي على العنف المسلح ، كفيل بازالة جميع المنعطفات والمطبات من الطريق الوعرة، في حالة توفر النوايا الصادقة والمخلصة للعمل.إضافة إلى أن التحرك القوي والفاعل لدولة الكويت يحمل بشائر التفاؤل في إنجاح المفاوضات، لكونها ترمي بكل ثقلها في السعي لإنجاحه.

لن نصدر أو نحكم على مفاوضات الكويت بالنجاح أو الفشل، لكن يجب علينا أن نتفائل رغم الآلام والجراح الكبيرة، والأيام المقبلة كفيلة بالكشف عن ذلك و المتحاورون وحدهم من سيصدرون الأحكام سوءا بالفشل أو بالنجاج، ورسائلنا لهم هي :

- آملنا بعد الله فيكم في حقن الدماء وصنع السلام، انسوا وتناسوا مصالحكم الضيقة وفكروا بمصلحة الوطن.
- مدوا ايدكم للسلام،كفى قتل وهدم، كفى عبث بدماء الابرياء، كفى تمزق وتشرذم وتشتت.

- احسنوا نواياكم وكونوا على ثقة بأن الوطن يتسع للجميع. وأن لا مكان للانفراد بالسلطة.
- عليكم أن تجعلوا من سياسة التنازلات مبداء لحواركم، فالتنازل من أجل الوطن أفضل من لاشئ، ومن العودة إلى المربع الذي لم يغلق بعد( مربع العنف والموت).

أنظار الكبار والصغار الرجال والنساء من ابناء هذا الوطن شاخصة نحوكم ، فلا تخيبوا آمالهم، ولا تحطموا أمانيهم .فاليمن لم تعد تحتمل أكثر من ذلك.
آملنا كبير وتفاؤلنا أكبر، ونحن على ثقة بأن الكويت أرض السلام، فلا تقفوا في وجه السلااااااااااااام.

***سلمكم الله وحفظ الله الوطن***

حول الموقع

سام برس