بقلم / حافظ البرغوثي
خرجت الرئيسة البرازيلية ديلما روسيف من القصر الرئاسي بعد التصويت البرلماني على تنحيتها بتهمة ارتكاب أخطاء حول الميزانية العامة السابقة لإخفاء العجز، أي إنها لم تتهم بفساد محدد أو تتقاضى مالاً، فما حدث عملياً هو انقلاب دستوري قضائي تحالفت فيه قوى عديدة بدعم أمريكي لإسقاط أكبر حكومة يسارية قادت أمريكا اللاتينية نحو اليسار وابتعدت عن الهيمنة الأمريكية البغيضة.

فالرئيسة البرازيلية لم تكن إلا مقاتلة يسارية وسجينة ورفيقة نضال مع الزعيم العمالي لولا دي سيلفا الذي خلفته في الحكم وهو الرجل الذي صعد بالبرازيل اقتصادياً وجعلها من الدول الكبرى.

ومن كان حليفها ونائبها اللبناني الأصل ميشال تامر صار من «تآمر» عليها. وآخر أعمال الرئيسة البرازيلية كان رفض قبول أوراق اعتماد السفير «الإسرائيلي» داني ديان لأنه يقيم في مستوطنة في الضفة الغربية، وهذا الموقف السياسي حرك اللوبي اليهودي والأمريكي لحرق هذه السيدة وتنصيب نائبها تامر المتهم في فضيحة فساد واختلاس كبرى قد تقيله هو الآخر.

فالعوامل الاقتصادية لعبت دوراً مهماً في ضعضعة حكم الأنظمة اليسارية في أمريكا اللاتينية وأهمها الأزمة المالية العالمية وانخفاض أسعار النفط حيث لم يخلق قادة فنزويلا والإكوادور وبوليفيا أجواء استثمارية تسد العجز في الموارد بعد انخفاض أسعار النفط والغاز، وكذلك فإن غياب الزعماء اليساريين ذوي الرمزية الأسطورية مثل شافيز ولولا دي سيلفا أصاب اليسار بضعف في القيادة، حيث إن الحكام الحاليين يفتقرون إلى الكاريزما إذ ان رئيس بوليفيا ايفو موراليس فشل في تعديل الدستور لكي يحكم فترة رئاسية جديدة.

يضاف إلى هذه الأسباب تذمر قطاع رجال الأعمال المرتبطين عضوياً ومعنوياً بالولايات المتحدة التي كانت حتى وقت ليس ببعيد تغير الحكومات وتسقط الأنظمة وتنصب قادة عسكريين وتحتكر شركاتها الثروات في أمريكا اللاتينية كلها.

عملياً زحف اليسار توقف مع الأزمة الاقتصادية، كما طال الفساد بعض مسؤولي اليسار وهم في الحكم كما حدث مع شركة «بتروبراس» النفطية البرازيلية حيث ان فضائحها وإن لم تنل من شخص الرئيسة البرازيلية ديلما، إلا أنها أصابت مسؤولين آخرين في حزبها وكذلك الرئيس الجديد تامر الذي خلفها حيث له ملف هو الآخر قد يطيح به أيضاً.

وهناك العامل «الإسرائيلي» حيث ناصبت الأنظمة اليسارية في فنزويلا والإكوادور وبوليفيا والبرازيل والأرجنتين العداء لحكومة «إسرائيل» جراء ممارساتها ضد الفلسطينيين وتوجهت إلى قطع علاقاتها. بل أن آخر أعمال الرئيسة ديلما الأخيرة كما قلنا هي رفض قبول أوراق اعتماد السفير «الإسرائيلي» لأنه يقيم في مستوطنة في الضفة الغربية، وأظن أن «إسرائيل» سترسله مجدداً أو ترسل مستوطناً آخر ليتقبل الرئيس الجديد أوراق اعتماده من دون احتجاج.

عملياً هناك خيانة عربية في أحداث البرازيل وغيرها، ففي السبعينات بعد وصول الزعيم التشيلي سلفادور الليندي إلى الحكم وأبدى تأييده المطلق للقضايا العربية اشتكى ذات مرة للرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرافات من أن رجل أعمال من أصل فلسطيني هرب إلى الأرجنتين يتزعم مؤامرة للإطاحة به، وبالطبع فإن أبا عمار حاول الاتصال به لكن صاحب المال كان حسم أمره ولا يقيم وزناً للسياسة، بل للمال ولم يتراجع عن إسقاط الحكم الاشتراكي وهو ما حدث عندما تحرك الجنرال بينوشيه وأطاح به. ولتأكيد كلامنا عن العامل الصهيوني في إسقاط الحكم العمالي فقد سارع الرئيس الجديد تامر إلى تعيين اليهودي «الإسرائيلي» جولد فاخن محافظاً للبنك المركزي، وصديق «إسرائيل» جوزيه سيرا وزيراً للخارجية.
*نقلا عن الاردن العربي

حول الموقع

سام برس