بقلم / علي البخيتي
يبدوا أن مسار الحوار في الكويت ما هو الا تغطية لنوايا خبيثة ومشاريع مستترة لمختلف الأطراف التي تخوض الصراع على الأرض في اليمن، على الأقل للأطراف التي بيدها قرار السلم والحرب، محلية أو إقليمية، المعارك عادت الى مختلف الجبهات، واللجان العسكرية من الطرفين علقت أعمالها عملياً، وإن تراجعت على المستوى النظري، لأن وتيرة الحرب عادت كما كانت قبل التهدئة، وأصبحت الخروقات لوقف إطلاق النار هي الأصل وليست استثناء.

هناك تلاعب من تلك الأطراف بحلم اليمنيين، هناك استخفاف بآمالهم، هناك عدم احترام لأوضاعهم ومعاناتهم، كل طرف يسعى وأمام الشاشات للحديث عن السلام، لكن على أرض الواقع يعمل عكس ذلك، فالحوثيون مثلاً يواصلون تفجير منازل خصومهم ومقراتهم التعليمية، وآخرها تفجير معهد في مديرية نهم قبل أكثر من أسبوع، إضافة الى استمرار اعتقالاتهم التعسفية وقمع الخصوم وتجريف الحياة السياسية والإعلامية، وعدم اطلاقهم لسجناء الرأي والمخفيين والمختطفين من السياسيين والصحفيين وغيرهم، إضافة الى استمرار حصار تعز، وكل ذلك يدل على عدم جديتهم في السلام، والسعودية وحلفائها مستمرون في التحشيد والقصف الجوي مستمر وزادت وتيرته في الأسبوع الأخير، وتم ادخال الكثير من المعدات الثقيلة وبوتيرة عالية خلال الأسبوعين الأخيرين مما يوحي بأن الخيار العسكري هو الراجح لديهم، وأن حديثهم عن السلام والحوار ما هو الا لتخفيف الضغط الدولي عليهم.

اذا أحسنتُ النية تجاه الطرفين يمكن أن أصف الحالة بطريقة أخرى بعيداً عن نظرية التآمر على السلام، سأفترض أن الطرفين يريدان السلام فعلاً، لكن عدم وجود ثقة بينهما يدفع كل منهما الى الاستمرار في خياره العسكري حتى يرى أن الطرف الآخر جدي في السلام، وحتى تتوفر له ضمانات البقاء إذا ما بدأ في وقف العمل بخططه العسكرية والشروع فعلياً في السلام بكل ما يتطلبه ذلك من تنازلات وخطوات بناء ثقة، والتي قد تعني التخلي عن أوراق قوة في الميدان، وفقاً لهذا السيناريو فإن المسؤولية تقع على عاتق الوسيط لفشله في إيجاد آليات تضمن للطرفين ما يحقق مصالحهم ويحفظ مكانتهم السياسية في حال تخليهم عملياً عن الخيار العسكري وعن أوراق القوة التي بأيديهم، والوسيط هنا هو المبعوث الأممي السيد إسماعيل ولد الشيخ.

الشعب اليمني يريد أن يعرف من الطرف الذي يعيق السلام؟، وهل تقوم الأمم المتحدة ومبعوثها بواجباتهم أم أن هناك تقصير ما يؤدي الى تمكن طرف أو الطرفين من الإفلات من العقاب نتيجة عدم تحميلهم مسؤولية تجاوزاتهم، أتحدث عما يحدث في الميدان، والذي يظهر أنه على عكس ما يقال في الكويت من مختلف الأطراف بما فيها الوسيط الدولي.

أرى سيناريو حوار موفمبيك يتكرر، عبر الحديث عن التقدم النظري والوصول في نهايته الى تسوية، لكن لأن الأوضاع في الميدان في تلك المرحلة لم تكن تواكب حوار موفمبيك وتتجه في خط متوازي معه، انفجرت الحرب وعلى نطاق واسع مع اختتام اعمال ذلك المؤتمر، وبشكل أكبر مما كانت عليه قبل انعقاده، وفوجئنا أن المؤتمر كان مجرد غطاء لأطراف كانت خططها تمضي باتجاهات أخرى تماماً غير ما التزمت به داخل قاعات الفندق من سلام وشراكة، ولأن أحد لم يطالب تلك الأطراف بخطوات عملية تؤكد فيها التزاماتها تجاه الحوار والشراكة بعد الحوار تمكنت من استخدام مؤتمر موفمبيك للتغطية والتستر على مشاريعها الخاصة، ومنها جماعة الحوثي وجماعة هادي وشركائه الأقوياء في الحكومة حينها.

ما لم يأخذ المبعوث الدولي ولد الشيخ دروساً مُكثفة عما جرى في موفمبيك وكيف تحايلت الأطراف اليمنية عليه وعلى نتائجه، بل واستخدمته كغطاء لمشاريعها الخاصة فإنه ببساطة سيفشل وسيكرر كل أخطاء سلفه جمال بن عمر، وإذا كان لنا أن نعذر بن عمر لأنها التجربة الأولى للأمم المتحدة في اليمن، كيف لنا أن نعذر ولد الشيخ وهو يكرر نفس الخطأ تماماً دون أن يعي ذلك، وبالأخص بعد تنبيهنا له.

على المبعوث الدولي أن لا يقبل أن يكون هو ولا الأمم المتحدة ولا وساطتهم مجرد غطاء لأي طرف لتمرير مشروعه، ويجب عليه أن يسعى لإنتاج آليات كاشفة لنوايا مختلف الأطراف، عبر تلزيمات محددة يعهد اليهم بتنفيذها لتكون مقياس لمعرفة مدى صدقهم من عدمه تجاه السلام، واذا رفضت تلك الأطراف تلزيماته، وفشل في اقناعهم بعد بذله الجهود التي يراها، عندها عليه تحميلهم المسؤولية ورفع تقرير الى مجلس الأمن ليتخذ القرار المناسب تجاه الأطراف التي تعرقل السلام في اليمن، وتتسبب في استمرار شلال الدماء والخراب الذي يكاد يقضي على اليمن، كدولة، وكوطن، وكمجتمع متماسك.

الأخ إسماعيل ولد الشيخ: نتمنى عليكم ألا تكون أنت ولا الأمم المتحدة ولا وساطتكم مجرد غطاء لمشاريع أي من أطراف الصراع في اليمن، إما أن تصنعوا السلام، أو على الأقل اكشفوا من يسعى لعرقلته وحملوه المسؤولية عبر رفع تقرير مفصل الى مجلس الأمن، بعد أن تستنفذوا كل الوسائل الممكنة لإقناع مختلف الأطراف بضرورة انخراطهم وبشكل جدي وبخطوات عملية في صناعة السلام.
نقلا عن صفحة الكاتب بالفيسبوك

حول الموقع

سام برس