بلم / عبدالكريم المدي
السياسات والممارسات الإيرانية الحمقى تُساعدُ كثيراً في تعزيز القناعات المسبقة لدى بعض الحسّاسين جدا وأصحاب المشاعر المرهفة في الشارع الخليجي/ العربي الذين يدفعون بإتجاه مواجهة إيران ومخاوفها بالقطيعة معها ، بحكم إنها عدو العرب الأول واللدود، الذي يُضمرُ لأشقائه العرب الكراهية ومطامع التوسُّع الجغرافي، السياسي الأيديولوجي ،مستغلا عدة عناصر منها عاطفة الدين والطائفة ودعم قوى مقاومة المشروع الصهيوغربي في المنطقة ووالخ ..

في تقديرنا إن هوءلاء قد نجحوا إلى حد ما في تصويرسلطة الخميني في إيران كعدو رسمي للأمة ،بينما إسرائيل والصهيونية التي هي عدو الأمة الحقيقي والتاريخي ، من الممكن ، وربما من الضروري تحويلها والتعامل معها كصديق حميم للعرب وخاصة (عرب النفط والغاز ) الذين ركنوا على أميركا وتحالفهم معها طوال (ثمانية عقود) تقريبا، ونتيجة لذلك ، أوقُل شرطا لذلك تعاملوا مع إخوانهم العرب شرقا وغربا بكل أشكال وصور التعالي والتحقير والإذلال ، ولم يسهموا في خلق حركة وعي عروبي قومي إنساني يدفع بإتجاه توحيد المواقف وإيجاد رأي عام في الأقطار العربية يلتف دوما حول القضايا الكبرى والمصيرية .

وبمعنى آخر لم يبذلوا أي جهد من أجل إستثمار المواطن والمبدع العربي الذي هو عنصر التنمية الأول، لتظل أميركا ودوائر القرار في المركز هي الموجه والمتحكم بأنظمة ودول الثروات النفطية ، التي فضلت في الغالب إستعداء معظم الشعوب العربية والعيش بعيدا عن قضتها الأولى والمركزية ( القضية الفلسطينة ) ولم تعمل – وكانت قادرة – على إيجاد لوبي عربي / غربي في دول المركز يخدم قضايانا العادلة وينتصرلها وفي مقدمتها القضية الفلسطينة ، أو على الأقل يكشف بعضا من جرائم الإحتلال الإسرائيلي بحق الإنسانية والمقدسات في الأراضي العربية المحتلة.

ومن المفيد القول هنا أنه مع مرور الأيام ،ومن خلال ما يجري من أحداث وتحولات عميقة في المنطقة والعالم إننا نحن الضحية ونحن والخاسرالأبرز ..أما إيران في الواقع ،فليست عدونا ولسنا أعداءها ، ويجب أن لا نكون كذلك تحت أي ظرف ومهما كانت مبررات وأسباب الخلاف وعوامل الاختلاف معها .

ومن يعمل على إختلاق الأعذار التي يعتقد إنها ستجيز له إقامة تحالف والتنسيق مع الصهاينة ،فهذا يخصه هو وعليه أن لا يتحدث باسم السنة أو الشيعة وحماية المقدسات وصد التوغل والخطر الفارسي أو غيره .

المهم لسنا هنا في معرض المحاكمات ولا كشف العورات ، أو فضح الأسرار – أيضا -، لكنّا نتحدث عما نعتقده ونلمسه في عدة معطيات، ونعتقد في هذا السياق ، إن هناك تحالفات إسرائيلية/ خليجية قديمة وليست وليدة الساعة، ولعل الأمر الجديد في هذه المسألة هو أولا: المساعي الحثيثة لإيجاد قناعة راسخة لدى العرب ( السنة ) تحديدا- وهم الغالبية المطلقة من مجموع السكان في الوطن العربي- بإن إيران عدونا الذي يجب مواجهته بكل الوسائل ولو استدعى الأمر إقامة تحالف مع الصهيونية العالمية والشيطان الرجيم بذاته.

وثانيا: تصريحات ومقابلات مسؤلين وإعلامين وسياسيين سعوديين وبشكل معلن، وعلى رأسهم وأهمهم جنرال متقاعد وقريب من مخابز صُنع القرار السعودي ، الذي أخذ منذُ فترة يُطل علينا في قنوات تلفزيونية ووسائل إعلام إسرائيلية وغربية مسوقا للإسرائيلين ،مُقدّما لهم على أنهم أقرب لنا من الآخرين ،وأسهل وأوثق في التعامل، وليس لهم مطامع فينا كمطامع ( ولاية الفقيه ) في إيران ، ومن ذلك يتابع الجنرال يستخلص أنه لم ينقصه، إلى أن يقول : إسرائيل حمل وديع ،وإنسان راقي ،وشعبها شعب العدالةو السلام الأول في العالم..
خذوا في بالكم إن مثل هذا الكلام والتحركات صارت تجري فوق الطاولة ، بعد أن كان، بالنسبة لنا، مجرد ذكر اسم إسرائيل لعنة وخطيئة، خاصة إذا لم تقترن بمفردات من قبيل ( قطعان الصهاينة والعدو الصهيوني ، والإحتلال الإسرائيلي ) .

وكلامنا هذا لا يعني إننا نبرىء الإيرانيين ونُخلي مسؤلياتهم مما يجري ، إنما نؤكد إنهم حقيقة إنهم يتحملون مسؤلية كبيرة وتكاد تكون نفس مسؤلية الأطراف العربية الأخرى ، ولعل تصريحات مسؤليهم ورجالات الدين لديهم ومندوبيهم هنا وهناك ، إلى جانب ما يصدر بين الفينةوالاخرى من قيادات الحرس الثوري وما دراك ما الحرس الثوري ، حيال عدة مشاكل في المنطقة كمشاكل البحرين مثلا ، واليمن وسوريا والعراق ولبنان وشيعة السعودية وغيرها، خير دليل على تبني طهران لسياسة تأجيج ألأوضاع ومحاولة إستغلالها وتوظيفها بصورة غير واقعية،لسنا مبالغين إذا ما قلنا عنها إنها إنتهازية بدرجة إمتياز ..

نخلص إلى القول : يبدو إن أميركا وبإتفاق مع الصهاينة ، ارادوا من خلال إضعاف وإنهاء التحالف الأميركي السعودي/ الخليجي الاستراتيجي، إلى الدفع بهذه الدول وبقية الدول العربية المسكونة بفكرة الخطر الإيراني ، إلى الإرتماء في أحضان إسرائيل كحضن دافء وحليف جيد وبديل عن أميركا في مواجهة غول فارس.
وغني عن البيان القول إن الخطة تمشي كما رُسِم لها بالضبط ، وللأسف الشديد لم يتنبه لها أحد، بل إن الأطراف المعنية والمستهدفة منها والتي تُعتب هي ضحيتها الأولى ، تزودها بالوقود اللازم وكل ما تحتاجه من حطب ومواد سريعة الاشتعال تعمل على تمدُّدها لأكل الجميع .

ما يجري اليوم هو نتيجة متوقعة، خاصة إذا علمنا إنها انتجته وقادتنا إليه أنظمة عربية عاشت وتعيش دائما على الأوهام والأساطير والقبضات الحديدية، بعيدا عن الحقيقة ومنطق الأشياء واحترام إنسانية وحقوق شعوبها ، تجيد فقط، حبك التآمر ولا تجيد الخروج من حباله وخيوطه وتجنب كوارثه، أنظمة احاطت نفسها بالخوف فقط على الكراسي والخوف المتصنّع على ( العقيدة ) .

نخلص، وإذا كان في العمر والحياة بقية لهذه الدول والأنظمة ، إلى الدعوة بضرورة تحويل الجنرال قاسم سليماني ومدافع إيران الكلامية لنظام الصامت ، وبالمقابل وبالتوازي معه – أيضا – تحويل علماء نجد والحجاز إلى علماء دين ورحمة ودعاة سلام وتعاييش وليس علماء إنتاج وتصدير فتاوى التكفير ونشر الكراهية وتلغيم العقول بالأفكار المتطرفة والقلوب بالأمراض الطائفية والحقد تجاه كل من يعتقد إنه مختلف.
نقلا عن رأي اليوم

حول الموقع

سام برس