بقلم / هشام شرف عبدالله
حملت لنا مؤخرا وسائل الإعلام المختلفة بيان مايسمى بـ (الرباعية) ،التي كان اثنان من قوام أعضائها الأربعة أصلا هما أهم المشاركين في العدوان على اليمن وهذه بحدّ ذاتها كافية لتوضيح الصورة وقراءة الخطاب من خلال عنوانه، إلى جانب معرفة مدى الجدية في حل أزمة هذا البلد وإنهاء العدوان الخارجي الذي يضرب فيه بوحشية فظيعة كل جامد ومتحرك وحي وميت منذُ ما يزيد عن (19) شهرا .

البيان السالف الذكر لم يأتِ بجديد يُذكر،وإنما تضمن نفس التعابير المطاطية والدعوات السابقة التي من المؤكد أنها لن توقف العدوان او ترفع الحصار أو تغيرشيئا من المشهد وواقع الحال وكبرياء وتعنت المملكة الشقيقة، ليبقى اليمن أرضه وإنسانه ومقدراته وآثاره،بل والمنطقة برمتها الخاسر الأبرز ومن يدفع ثمن الهستيريا التي أصيب بها الأشقاء الذين لم تؤثر فيهم صور ومشاهد تلك الجرائم التي ترتكب بحق مئات المدنيين بمعدل يومي ،إنما العكس فكلما ازداد الضحايا المدنيين من نساء وأطفال بفعل القصف الجوي العشوائي ،زادت شهية القتل وتضاعفت أعداد الغارات الجوية على الأهداف المدنية التي لم تفرق بين صغير وكبيرومدرسة ومعسكر ومستشفى..

وأمام مرأى ومسمع من العرب والعجم والصديق والعدو يتواصل هذا النزيف ومسلسل قتل الشعب اليمني وحصاره والإمعان في الإباده الجماعية له التي كان آخرها ماحدث في سوق الهنود في مدينة الحديدة، وصعدة وإب وغيرها.

لقد وجدت آلة الحرب السعودية، الهمجية اليمن وحيدا وكأنه في فضاء معزول عن الجنس البشري، كما وجدت في سمائه فضاء واسعاً لكي تستمتع بكل هذا القتل والعذابات ومشاهد الدماء والخراب الذي تُحدثه فيه،مقدمة نفسها كمنتقم يُفرغ ما تراكم في صدره ونفسه طوال عقودة واتى اليوم المناسب ليفرغه بكل أريحية ،مستغلا غياب سلاح الجو اليمني وانظمة الرادارات الخاصة بالدفاع الجوي للتعامل مع تلك الطائرات ، وحتما أنه كان بإمكانها مقارعة العدوان والتخفيف بنسب كبيرة من حجم الخسائر التي اصابت اليمنيين على جميع المستويات.

وربما أن هذا الوضع هو ما جعل الحرب والمواجهات غير متكافئة، مع العلم أنها لم تأتي صدفة وإنما عُطّلت عمدا وبتخطيط مسبق بأيدي وعقول ، كما تزامنت - أيضا - مع بيع وكشف اسرارالبلد العسكرية واخراج جزء كبير من المنظومة الصاروخية بعيدة المدى ومتوسطت المدى ومعها منظومات الصواريخ المضادة للطيران عن الخدمة،والتي افضت كلها إلى ترك أجواء اليمن مباحة ومسرحا لتلك الأسراب الجوية المعادية لتسرح وتمرح فيها وتقتل وتدمر وتنتهك السيادة كيفما تشاء.

لكن ورغم كل ذلك يجب التأكيد هنا على حقيقة قد لا يختلف حولها معظم الناس وهي أن التاريخ لن يذكر لهذا العدوان المتوحش أي حسنة أويسمح له بالتباهي في تحقيق أي إنتصار ،ففي ظل هذه الأوضاع وغياب معادلة التكافوء بين المعتدي والمُعتدى عليه، سيما بعد أن تعرّض الأخير - وكما أشرنا - إلى خيانات داخلية معروفة ،لن يجد العدوان إلا لعنات الأجيال وأرواح الضحايا المدنيين تطارده.

ومن الإنصاف - ونحن نتحدث هنا عن الواقع وشواهد التاريخ - القول إن صفحات التاريخ ستفرد مساحة واسعة لحجم وكمية وعدد ونوعية الجرائم التي أرتكبت بحق اليمنيين الذين يقدمون للبشرية كل يوما معنى جديدا للصمود والبطولة والصبر وقوة الإرادة.

اليمنيون سيذكرهم التاريخ ويصف كيف واجهوا هذه الآلة القاتلة ودول الثراء وهم وحيدون ،وكيف اعتدى عليهم جيرانهم وأبناء جلدتهم بكل هذه الوحشية التي لم تدخر شيئا إلا وجربته ، ولا سلاحا إلا وألقته فوق أجسادهم ومساكنهم ومدارسهم ومستشفياتهم وطرقاتهم ومصانعهم ، وسيذكر التاريخ - أيضا - أن قوى العدوان العربي على اليمن ، لم تراع قواعد الاشتباك العسكرية المتعارف عليها عالميا بين الدول والجيوش ،وفي هذه الجزئية سيوصم التاريخ هوءلاء الطيارين بالعار وموت الضمائر.

لن نطيل الشرح حول هذه الحقائق الإجرامية المخجلة ، لكن ما نحب التنويه والتحذير منه في هذا السياق،هو المحاولات الحثيثة للعدوان وحلفائه وبعض الدول المستفيدة في تصوير وتفسير مايحدث في اليمن على أنه شأن أو إقتتال داخلي تارة،وتسميه بين حين وآخر بـ العمليات العسكرية المحدودة لدعم ما يُسميه بعودة " الشرعية " تارة أخرى، وهذا الكلام والمسميات يُعتبران بكل تأكيد مغالطة مفضوحة للعالم والسعي لتضليله تهدف لخلق مبررات غير مقنعة لإنتفاء المسؤولية القانونية حيال ما يجري وأهمها الجنائية والشخصية منذُ (26مارس2015)وحتى آخر يوم ينتهي فيه العدوان ويُرفع الحصار.

إن ما تقوم به الرياض وتحالفها الخليجي / العربي في اليمن لا ينطبق أو يصلح له أي مسمى غير مسمى ( العدوان ) الإجرامي مكتمل الأركان والذي ليس له أي مظلة قانونية أو سبب منطقي يُمكن أن يقبل به ضمير حي في عالمنا هذا .

أما فيما يخص محاولة الأشقاء في تحقيق إنتصار وهمي على ايران في الأجواء اليمنية غير المحمية أساسا، فهذا لا يعني إلا الإمعان في الفشل وتأكيد الضعف وغياب الشجاعة في مواجهة من يعتبرونه خصمهم الحقيقي ، اضف إلى ذلك أنه يبعث برسائل مهزوزة ،مضحكة عن القوة العسكرية التي يمتلكها الأشقاء والتي اثبتت أيام وشهور العدوان على اليمن أنها لا تمتلك قوة يمكن الحديث عنها غير القوات الجوية، مع وضع عدة خطوط تحت هذه الجملة ( القوات الجوية ) وما يتعلق بها من خبراء أجانب وغيره .

وكل هذا يقودنا إلى طرح التساؤل التالي :تخيلوا لو واجهتم اليمن ، مثلا، ولديها العتاد والعدة اللازمين من طيران وأنظمة صواريخ ودفاع جوي ودبابات وصواريخ أرض-أرض ، وأرض جو وبحرية ،فهل كان بإمكانكم تدمير ما دمرتموه وهل كان بإمكانكم في حدودكم الجنوبية التراجع الحالي المحدود وعدم التراجع مئات الأميال للخلف ؟ وهل كان بإمكانكم اطلاق رصاصة واحدة عبر حدودكم المشتركة مع اليمن على أحد الجنود اليمنيين أو ضرب قرى ومدن واسواق ومستشفيات حجة وعمران وشبوة وتعز،والحديدة وصنعاء وغيرها ؟

الجواب العلمي والطبيعي هو وبكل ثقة : لا وألف لا.

اليمن اليوم يتعرض لكل أنواع التآمر الداخلي والخارجي / العربي والأجنبي ، وهذا يعتبر في المفهوم الاستراتيجي والأمن القومي العربي والإقليمي والدولي أمر في غاية الخطورة سينعكس حتما على المنطقة ودول الجزيرة والخليج بدرجة رئيسة ومباشرة ،ومن هذا المنطلق،ليتقي الله أصحاب قرار العدوان والحصار،وليتعظوا من أحداث التاريخ ، فلكل ظالم ومعتدي نهاية وغالبا ما تكون شنيعة ومخزية ،والشعوب لا تنسى أبدا من ظلمها وبطش بها وقتلها واهانها حتى لو نسى قادتها.

وبناء عليه مازلنا نحث العقلاء والحكماء في قيادة المملكة للعمل على إنهاء هذا العدوان والحصارالعبثي الذي سيخلق بين الشعبين ثآرات وعداوات لن تنتهي حتى يرث الله الأرض ومن عليها ، ولنجلس على طاولة حوار مباشر،مثلما سبق ودعا الرئيس علي عبدالله صالح السعوديين من أجل البحث عن أفضل السبل في الوصول إلى سلام حقيقي معهم وعلاقات ندية برعاية الأميركان والروس.

وبالمناسبة نّذكّر الإخوة العقلاءمن الأسرة المالكة بأن صمتهم تجاه ما يقوم به أصحاب القرارفي مملكتهم تجاه أشقائهم في اليمن خطيئة كبرى هم محاسبون عليها أمام الله والتاريخ والأجيال، وعليهم أن لا يغفلوا عجلة الزمان الدوارة ، وقواعد الفوضى وقانون الفيزياء لنيوتن ( لكل فعل ردة فعل ) فلذي يحدث حاليا في هذا البلد الجار، وعلى رأسه الفوضى والتمزيق والإرهاب سيخلق ردة فعل وينتشر أسرع مما يتخيل أكثر المتشائمين ليصل إليكم وإلى بقية الشعوب في الجزيرة والخليج .
وعبرة الإمور بخواتيمها ..فتعظوا ياأولي الألباب..!

حول الموقع

سام برس