بقلم / محمود كامل الكومى
سيذكر التاريخ أنك كنت العربى الشريف الطاهر اليد الفقير , لاتبغى اِلا أنتشال الجماهير المقهوره والشعوب المحتلة المغدوره من براثن القهر والأحتلال وأن ترتفع بها من القاع الى الفضاء , تحلق بها فى السماء , فتذيب الفوارق بين الطبقات وتضع المحاذير لأصحاب رؤوس الأموال بأزالة صفة الأستغلال ليصيروا فى مصاف تحالف قوى الشعب العامل من اجل خير الوطن - مؤكدا على أن الدين لله والوطن للجميع .

سيذكر التاريخ أنك حين رفعت الثالوث "حريه – أشتراكيه – وحده " كان بنمط محدد وترتيب لايجوز فيه التبديل , وكان ناقوس يدق فى عالم النسيان ,فالحريه عندك أولا, وهى ليست حرية الأغنياء والمال السياسى الذى يَشترى أصوات الأفراد فى أنتخابات البرلمانات فيعدم الأرادة ويقضى على حرية الأختيار كما يتباهى الغرب والأمريكان وحكامنا العرب الآن ببرلمانات مافيا رجال الأعمال وبارونات المخدرات , لكنها كانت الحريه السياسيه جنبا الى جنب مع الحرية الأجتماعية , وعندك من لايملك قوت يومه لايملك صوته فى الأنتخابات, فَمَلكتَ صغار الفلاحين والأُجَراء حين حددت ملكية الأقطاع , فكانت برلماناتك هى مجالس الشعوب لأنك فَعَلتَ القانون ليصون حقوق الشعب العامل ويحذر من التجاوز على حق الضعفاء فكانت ال 50% كحد أدنى لتشكيل برلمان الشعب من العمال والفلاحين ضمانا وأمانا للمستقبل وغد لجيل عامل قادر على البناء لايتحكم فيه رأس المال .

وأشتراكيتك العربيه كانت حتميه تاريخيه وليست نتاج أى قوميه , وانما أنبثقت من واقع الأرض العربيه وتاريخها وحضارتها ودينها , فكانت لها جناحان من الكفايه والعدل , الكفايه فى الأنتاج والعداله فى التوزيع فغدت تطير بجناحيها فى مصر كميزان عدل اجتماعى وتغرد كالبلابل والعصافير حين بنيت مصر أول قاعده للصناعة الثقيلة فى الشرق الأوسط على يديك .

أما عن الوحدة العربية فهى ساحة نضالك وترابها تِبرُ تتباهى به بين أقرانك
وتزود عنه بدمائك فى مواجهة أعدائك وحسادك وفى عصرك أصبحت مسؤلية الجمهورية العربية المتحدة فى صنع التقدم وفى تدعيمه وحمايته تمتد لتشمل الأمة العربية كلها، إن الأمة العربية لم تعد فى عصرك فىحاجة إلى أن تثبت حقيقة الوحدة بين شعوبها، لقد تجاوزت الوحدة هذه المرحلة، وأصبحت حقيقة الوجود العربى ذاته وفى عهد ناصر صارت وحدة الهدف شعار الوحدة العربية فى تقدمها من مرحلة الثورة السياسية إلى الثورة الاجتماعية وبدى ناضلك يا ناصر متجسداً فى الدعوة السلمية لكى تكون هى المقدمة والتطبيق العلمى لكل ما تضمنه الدعوة من مفاهيم تقدمية للوحدة .

وسيذكر التاريخ انك خضت كل الحروب من اجل الوحدة العربية وساهمت فى تحرير معظم بلدان الامة العربيه من الأستعمار , وناضلت حتى توقف قلبك من اجل فلسطين وشعبها كخطوه لابد منها لتحقيق الوحدة العربيه .

على مر تاريخ قيادتك لنا كنت المرشد الذى يحدد الطريق وكنت من يمد اليد للصديق ومن يحذر من العدو اللدود , حذرتنا أبو خالد من الأستعمار والرجعية العربيه ومن الرأسمالية المحليه ومن الفاشية الدينية ومن أسرائيل العنصريه ومحاولتها النفاذ الى داخل نظمنا الحاكمه , لكننا لم نأخذ تحذيراتك موضع الجد ولم نضعها فى اليقين أنما عملنا " أذن من طين وأخرى من عجين" , حتى وقعنا فى المحظور ,وسيطر مافيا رجال الأعمال على حكومات الأمة العربيه وباتوا ينهبون أموال الشعب الفقير ويبيعون أملاكه من المصانع والقطاع العام التى بنيتها بأبخس الأثمان - وضاقت بنا الدنيا بعد أن أشعل اعداء العروبة هؤلاء النيران فى معظم البلدان وبدوا يسدلون السكاكين فى كل مكان لقتل الأنسان العربى وازهاق روح العروبة جمعاء.

ومازالت أصداء تحذيراتك ترن فى الأذان وتندم على الهوان وعدم الزود عن مبادئك والحفاظ على أنجازات ثورتك فأنت القائل فى ميثاقك وليس من شك أن الثورات الأصيلة تستفيد من حركات خصومها فى مواجهتها، وتكتسب منها قوة دافعة، إن الاستعمار كشف نفسه، وكذلك فعلت الرجعية بتهالكها على التعاون معه، وأصبح محتماً على الشعوب ضربهما معاً، وهزيمتهما معاً؛ تأكيداً لانتصار الثورة السياسية فى بقية أجزاء الوطن العربى، وتدعيماً لحق الإنسان العربى فى حياة اجتماعية أفضل لم يعد قادراً على صنعها بغير الطريق الثورى – ليبقى التساؤل لشعبنا العربى
لماذا سكتنا على الأستعمار والرجعية العربية حتى تمكنت من دولنا وقد كان محتما علينا ضربهما وهزيمتهما كما قال لنا ناصر ؟ لماذا تركناهم يسدلوا السكين فى أحشائنا ولم نعى كتاب الناصريه ؟!!.

قبل أن يغادر الحياة وفى خطاب له احتفالا بعيد ثورة يوليو الـ 16 حذرنا ناصر من أن أسرائيل تريد أن تغير الأنظمة العربية الحاليه لكى تأتى بأنظمه جديده تقبل الصلح مع أسرائيل , جاء ذلك بعد أن قال شيمون بريز أن اسرائيل عرضت الصلح مع مصر 5 مرات لكن عبد الناصر رفض , وحمل وزير الخارجية الأمريكيه وليم روجرز مابدى انه تنازل أسرائيليا ضخما تمثل من عودة سيناء كلها فى مقابل الصلح مع مصر ,
لكن عبدالناصر كرئيس قومى عربى قال أن العملية ليست سيناء أنما العمليه مصير العرب , وكان فى شرعه أن الصراع مع اسرائيل هو أن نكون اولا نكون فهو صراع وجود لذلك كانت لاءاته الثلاث لاصلح لاتفاوض لاأعتراف .

ويبقى السؤال لشعبنا العربى لماذا لم نضع نصب أعيننا الرؤية الثاقبه لجمال عبد الناصر , وتركنا أسرائيل تغير الأنظمه العربيه وتوقع أتفاقات الصلح معها الى الحد الذى أوصل تلك الأنظمه أن تجعل من اِسرائيل صديق وحليف ومن أصدقائنا أعداء لأنهم يعادون أسرائيل , والى الحد الذى جعلنا نعتبر قوى المقاومه التى تجابهه أسرائيل أرهاب ,لنعتبر الأرهاب الصهيونى وأرهاب الجماعات التكفيريه التى تمولها الرجعيه العربيه وأسرائيل وتتبناها أمريكا مقاومة ونتركها تدمر سوريا والعراق واليمن وليبيا وجيوشها التى طالما تصدت لأسرائيل ؟!
لماذا نترك نظم الحكم السعودى" رأس حربة الرجعية العربية" التى حذرنا منها ناصر تعيث فسادا فى أمتنا العربيه ومعها دول مجلس التعاون الخليجى المرتبطه بالصهيونيه ؟

وأخيراً فأن عبد الناصر حذرنا من أن الجامعة العربية تحت أى ستار وفى مواجهة أى ادعاء لا يجب أن تتخذ وسيلة لتجميد الحاضر كله وضرب المستقبل به , لذلك أوجب علينا أن نبذل جهوداً عظيمة وواعية يجب أن تتجه إلى فتح الطريق أمام التيارات الفكرية الجديدة حتى تستطيع أن تحدث أثرها فى محاولات التمزيق، وتتغلب على بقايا التشتت الفكرى،
كما أوجب قيام اتحاد للحركات الشعبية الوطنية التقدمية فى العالم العربى ,

فيا شعبنا العربى حذرنا عبدالناصر ولم نع نصائحه ولم ندرك رؤيته الثاقبه فأسدل الجبابرة السكين فى جسد الشعب العربى وبات واضحاً عربدة نظم الرجعية العربية فى الخليج مع الصهيونية والأستعمار فى سوريا واليمن والعراق وليبيا فهيا نفعل ما اوجبه علينا جمال عبد الناصر من قيام أتحادالحركات الشعبية التقدميه فى عالمنا العربى لننزع السكين من يد الرجعية العربية الخليجية والنظم التى آتت بها أسرائيل وعقدت صلحاً معها ,لنسدلها فى قلبها وعقلها ومن حركها من الأستعمار والصهيونية .

وسلام عليك يوم ولدت "أبا خالد"وفى ذكرى رحيلك ال 46 نأسف على عدم أخذ تحذيراتك مأخذ الجد ونقسم أن نعيد أمجادك فى الغد.
ومع تغريد الشاعر نزار قباني لن نذرف الدموع لكن نستعيد لحظة الشموخ

"زمانك بستانٌ وعصرك اخضرُ وذكراك عصفورٌ من القلب ينقرُ دخلتَ على تاريخنا ذات ليلةٍ فرائحةُ التاريخِ مسكٌ وعنبرُ تضيق قبورُ الميتين بمن بها وفي كل يومٍ انت في القبر تكبرُ أبا خالدٍ اشكو اليك مواجعي ومثـلي له عذرٌ ومثـلك يـعذرُ."
كاتب ومحامى - مصرى

حول الموقع

سام برس