سام برس
نشر موقع (AEI) الأميركي المختص بدراسة التحديات الإقتصادية والأمنية التي تواجه السياسات الخارجية للولايات المتحدة الأميركية ، مقالا يشير الى أن تركة سلوك الإدارة الأميركية الحالية تجاه العديد من دول العالم ، سوف تشكل تحديات خطيرة أمام الإدارة الأميركية القادمة في عشر دول هي جزر المالديف ، موريتانيا ، الجزائر ، اثيوبيا ، نيجيريا ، تركيا ، روسيا ، السعودية ، الأردن والصين.

وأوضحت الدرسة ان المناظرات الأخيرة للمتنافسين في السباق الرئاسي الانتخابي لم تستوعب خطورة تركة الإدارة الأميركية الحالية على مستقبل أميركا.
ونظرا لأهمية هذه الدراسة ، يسر المركز الإعلامي للمؤتمر الشعبي أن ينشر ترجمة نصيّة لها على النحو التالي :

ناقش جورج دبليو بوش و آل غور قبل انتخابات عام 2000، أوضاع العراق وأفغانستان ، وبعد ثماني سنوات لم يكن باراك أوباما ولا جون ماكين يتوقعان الفوضى في سوريا وليبيا.
العلوم السياسية ثقيلة على الحياة السياسية وعلى ضوء العلم. فشل الباحثون والدارسون المتخصصون بشؤون المنطقة في التنبؤ بقيام الثورة الإسلامية في إيران، وسقوط الاتحاد السوفيتي، وظهور ثورات الربيع العربي.

صناع القرار في البلدان الكبرى أكثر راحة من الشك والجدل حول ما شاهدوه في مرآة الرؤية الخلفية .. ولعل من يحدق ببساطة في الأفق ، ملاحظة أن متغيرات وتحوّلات العالم لا يمكن التنبؤ بها على شاشة الرادار اليوم.

إذا وضعنا جانبا الصراعات القائمة في ليبيا وسوريا واليمن وبحر الصين الجنوبي ، وأوكرانيا، فأن ثمة أزمات يمكن أن تصدم البيت الأبيض في السنوات الأربع القادمة بعد ان يرث الرئيس القادم حقبة باراك أوباما التي راهنت على تفكيك ما لا يقل عن عشر دول ، والتي لن نكون خارج شاشة رادار الإدارة الأميركية القادمة وهي :

إولا : جزر المالديف :
دعونا نبدأ بهذه الجزر الصغيرة.. قلة من الأمريكيين يعرفون جزر المالديف ، ولكن أولئك الذين لا يمتلكون مرجعية للتفكيرالإستراتيجي في الارخبيل الواقع ضمن المحيط الهندي وبحر الصين الجنوبي ، لا يمكنهم التعرُّف على خصائص الجنّة في جزيرة استوائية توراتية بعيدة عن المنتجعات المعزولة.
ومع ذلك نجحت الراديكالية الاسلامية في ترسيخ مشروعها ، فيما وسّعت الحكومة المالديفية نشاطها للحصول على المساعدات الأميركية لعدة سنوات ، انتهت باستيلاء الجماعات الراديكالية الاسلامية على السياح الغربيين في الجزيرة؟
كيف يمكن لحكومة ليبرالية أن تكون على استعداد لقبول السلاح والجهاديين الأجانب الذين عبروا المحيط الهندي حاملين الفكر الوهّابي المتطرف من الجزيرة العربية الى جزر المالديف التي قد تكون معزولة وبعيدة عن الولايات المتحدة ..ولكن أليس هذا ما قاله المحللون ذات مرة عن أفغانستان!!

ثانيا / موريتانيا.
شهدت أفريقيا إلى حد كبير قصة نجاح على مدى السنوات العشرين الماضية، ولكن هذه القصة تشابهت مع العديد من البلدان التي ارتبط نموُّها وتقدمها بظهور أخطار من داخلها.

خذوا موريتانيا على سبيل المثال.. يقول محللون أوروبيون قي شؤون الإرهاب أن مخاطر التطرف والإرهاب قائمة بانتظام في موريتانيا من تحت الرادار. هذا البلد الفقير على ساحل المحيط الأطلسي من أفريقيا لديه سكان " فينيكس أريزونا" ، تمتد على مساحة ضعف مساحة ولاية كاليفورنيا.
موريتانيا جمهورية إسلامية، وهي واحدة من آخر البلدان التي تحتضن العبودية في الممارسة العملية إن لم يكن في القانون. أصبح التنفّثذ والتحكّم في هذا البلد حكرا على الإقطاعيين و المهربين الذين يقدمون ملاذا ً آمنا للإرهابيين.
الأسلحة التي تتدفق من ليبيا ضخت فقط الزيت على النار. في نواح كثيرة، وقد أصبحت موريتانيا قبل أحداث 11 سبتمبر 2001 أفغانستان بعيدة عن الاهتمام الدبلوماسي ، وخارج شبكات الرادار العالمية.

ثالثا / الجزائر.
أكبر دولة في أفريقيا، كما ينبغي أن تكون هي الجزائر.. انها واحدة من أغنى الدول الإفريقية التي شهدت حربا أهلية مدمرة في 1991 ، أسفرت عن تحوّل جنوب الجزائر الى ملاذ آمن لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.
الرئيس المريض عبد العزيز بوتفليقة، والرجل القوي لفترة طويلة في الجزائر، من المحتمل أن لا يستمر رئيسا للجزائر خلال السنوات الأربع المقبلة.. وليس هناك خلافة واضحة له ، وحتى لو كان الرئيس غير قادر على توطيد سيطرته السياسية، فانه سيضطر الى مواجهة الجيوب الإسلامية التي قد تسعى للانتقام من قمع طويل. . مع الأخذ بعين الإعتبار ان ليبيا أسهمت في زعزعة الاستقرار بما فيه الكفاية. على مقربة من أوروبا على نحو كارثي.

رابعا / أثيوبيا.
تمثل اثيوبيا ضعفي ونصف مساحة ولاية كاليفورنيا، وهي واحدة من أقدم دول العالم ولكن، على الرغم من أن القيادة في هذا البلد كانت على نحو متزايد استبدادية وقمعية ، ما أدّى الى إيجاد هالة من عدم الاستقرار .. ويبدو أن اثيوبيا قد تكون من بين الدول الأكثر هشاشة في العالم. في حين أن الاقتصاد قد نما بسرعة، فيما لا يزال الفقر ينزايد في قاعدة المجتمع ، مع تزايد عدد السكان أيضا.
الطابع الزراعي للإقتصاد يجعل إثيوبيا عرضة للجفاف.. أمّا الصناعات التي تسيطر عليها الدولة فهي تعني أنها تتنافس بشكل سيئ مع العالم الخارجي.
إثيوبيا بلد متنوع الأثنيات والأديان والثقافات بشكل لا يُصدّق.. وقد انفصلت اريتريا عام 1991، بنجاح بعد حرب أهلية استمرت عقودا. في حين ان الإرث الاستعماري الخاص بأرينريا يشمل العديد من الجماعات العرقية الأخرى وهي تلجأ الى التعبير عن إستيائها على نحو ما يحدث بسبب السيطرة العرقية على أديس أبابا، وعلى وجه التحديد الهيمنة العرقية التيغرية.
ومع ذلك هناك قلق أكبر، من التقسيم الطائفي في اثيوبيا. المسلمون يمثلون بالفعل ثلث السكان، وينمو عددهم بمعدل أسرع من السكان المسيحيين الاثيوبيين ، الأمر الذي يجعل الانقسامات العرقية والطائفية مفتوحة على صراع مفتوح يمكن أن يندلع في أي وقت .. ومن شأن ذلك أن يجعل الصومال تبدو وكأنها كلوب ميد.

خامسا / نيجيريا.
تشير عناوين الصحف ونشرات الأخبار الدولية الى ما تواجهه نيجيريا من مخاوف بشأن تزايد عدم الإستقرار .. والمعروف ان نيجيريا هي من أكبر الدول الأفريقية في عدد السكان ، وقد تزايدت هذه المخاوف عندما خطفت جماعة (بوكو حرام) المتشددة مئات من الفتيات في المدارس عام 2014 ، من أجل تحويلهن قسرا إلى الإسلام وتزويجهن للمسلحين.
ازدهرت (بوكو حرام) على خلفية الفساد المستشري حسب بعض التقديرات، حيث فقدت نيجيريا 400 مليار $ بفعل الإختلاس والفساد منذ عام 1960، وكان معظم هذه المبالغ المفقودة مقدما من المجتمع الدولي كمساعدات دولية لأفريقيا خلال الفترة نفسها. في حين أن المجتمع الدولي تقاعس الى حد كبير عن تمويل القضاء على خطر القرصنة قبالة سواحل الصومال، والتي تزايدت ايضا في خليج غينيا، نظرا لأن الدول المعنية كانت تتقاعس دائما في الإبلاغ عن المضبوطات في مياهها الإقليمية مثل اريتريا ودول القرن الأفريقي وخليج عدن.
تواجه نيجيريا الانقسامات العرقية الطائفية من خلال التوترات بين المسلمين والمسيحيين ، فيما سقطت جمهورية ساحل العاج في حرب أهلية خلال العقد الماضي. وتعاني نيجيريا تقلبات في نظامها السياسي بسبب قشل تجربتها الديمقراطية ، و قد نرى بعض دول غرب أفريقيا يعيش صراعا أسوأ مما حدث في هذه الدول خلال السنوات الماضية.

سادسا / تركيا
توصف تركيا بالديك الرومي لأتها الدولة الإسلامية الوحيدة في حلف الناتو .. ماذا يعني إذا انهار حلف شمال الاطلسي؟ على مدى العقد الماضي؟
لقد استولى الرئيس رجب طيب أردوغان على السلطة المطلقة في تركيا ، وأقام نظاما رئاسيا ديكتاتوريا ... وفي 15 يوليو أدعّى أنه أجهض انقلابا نفذته جماعة موالية للمعارض فتح الله غولن المقيم في الولايات المتحدة الأميركية ، واستخدامه كذريعة لإعلان حالة الطوارئ وتطهير أكثر من 100000من الضباط العسكريين و50000موظفي الخدمة المدنية. و 20000 من الفضاة ، ولكن هناك دلائل تشير إلى أن هذه التصفيات ستؤدي الى مزيد من العنف الذي يبدو في الأفق.

سابعا / روسيا
بعد وفاة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ، سيضطر الشعب الروسي لدفع ثمن عقود من الفساد وسوء الإدارة. سوف يكون إرث بوتين فراغا في السلطة. ولكن روسيا سوف تواجه قريبا نتائج الأزمة الديموغرافية .
يتزايد عدد سكان روسيا المسلمين مع تقلص السكان المنتمين للقومية الروسية . وفي الوقت نفسه ، فإن روسيا تواجه التشدد الاسلامي ليس فقط في الشيشان وداغستان ، ولكن أيضا على نحو متزايد في أوساط العرقية التتارية . وهنا يكمن السؤال: مالذي سينتج عن تزايد عدد المسلمين في روسيا ؟ وما تأثير ذلك على سياسات التجنيد التي تُعوِّل عليها روسيا في تقوية جيشها ، وتجنيبه أي صراع طائفي؟

ثامناً/ المملكة العربية السعودية.
يواجه نظام الحكم في المملكة العربية السعودية أزمة خطيرة.. فقد ساهمت سياسة الإدارة الأميركية الحالية في إعادة هيكلة الموارد لإيران.
انخفاض سعر النفط دفع الاقتصاد السعودي بشكل حاد إلى حافة الهاوية.. زاد من حدة هذه الأزمة تعثرالمملكة العربية السعودية في حرب في اليمن التي يبدو انها تستنزف قدراتها الى ما لا نهاية. وكل هذا من شأنه أن يكون سيئا في أحسن الظروف.
ولكن إضافة إلى هذا المزيج من الأخطار ، يعاني الملك السعودي مرض الزهايمر ، فيما تواجه والمملكة أزمة افتصادية ومالية وسياسية حادة أزمة لم بسبق لها إن واجهتها منذ عقود. وقد منحت كل الإدارات الأمريكية منذ فرانكلين روزفلت شراكة قوية مع المملكة العربية السعودية لتحقيق الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط والنظام الاقتصادي العالمي .. وإذا كانت الرياض غير قادرة أو غير راغبة في مواصلة هذه الشراكة، يمكن لواشنطن ايجاد بديل أو ملء الفراغ بالعمل على تطويل الحرب السعودية في اليمن ، كوسيلة لإضعافها وتفكيكها ؟

تاسعا / الأردن.
اعتمدت الولايات المتحدة على الأردن أكثر من المملكة العربية السعودية لأجيال متوالية لضبط إيقاع الأزمات في الشرق الأوسط ، وتحديدا في الصراع العربي الإسرائيلي.
ولعل الأردن هو أقرب حليف عربي لأميركا .. لكن هذا البلد يعيش في أزمة اليوم، حتى لو أن الحكومة الأردنية لا تعترف بذلك.
استوعب الأردن تدفق ثلاث موجات كبيرة من اللاجئين ، مما يمثل ضغطا هائلا على الاقتصاد. الملك عبد الله الثاني هو أكثر شعبية بكثير في واشنطن ولندن على الرغم من أن الصحفيين الغربيين يصورون الملكة رانيا كشخصية رومانسية وشعبية مكروهة على نطاق واسع داخل الأردن ، بسبب ولعها بالإنفاق المسرف. وقد خلق كل هذا أرضية خصبة للجماعات التي تدعو الى بناء الدولة الإسلامية للتسلل والانتشار داخل الأردن .

يحاول النظام الأردني الحفاظ على وجوده بمستوى منخفض بدعم من الأدارة الأميركية التي سعت بالتسيق مع الأكراد وحلفائها الذين يعارضون الحكومة العراقية ، لتفكيك العراق وسوريا من خلال الدفع بمشروع الدولة الإسلامية ومنحه أرضية في منطقة مشتركة بين العراق وسوريا ، لكن هذا المخطط فشل في حماية الأردن من تسلل مقاتلي الدولة الإسلامية اليه ، إثناء الهجوم على الموصل والرقّة ، وقد ذلك الحدث باهظ الثمن.

عاشرا / الصين.
أخيرا وليس آخرا الصين ، وهي أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان. لقد شاهد بعض النقاد الطفرة الاقتصادية في الصين التي رسخ دعائمها وأشاد بها الزعيم الصيني الراحل دنج هيسياو بينغ .
بحسب المبادئ الشيوعية الديكتاتورية قد تكون جمهورية الصين متفوقة على مصالح الولايات المتحدة من حيث التنمية الاقتصادية في المناطق الحضرية الساحلية التي أصبحت أكثر إنتاجية من الريف الأميركي الواسع.
لا تزال تركة عقود من سياسة الطفل الواحد القاتلة الصين قائمة ، في الوقت الذي تواجه الصين خطر السقوط في هاوية التزايد السكاني الديموغرافي.

ببساطة يجب أن تقلق الأمريكية المستقبلية من صعود الصين ، مع الأخذ بعين الإعنبار إن أي إستراتيجية أميركية تستهدف تفكيك الصين وإغراقها بالفوضى ، ستؤدي الى التخطيط لهجوم عسكري يهدد المصالح الأميركية بالتنسيق مع روسيا التي سترد بالنثل إذا تواصلت السياسات الأميركية التي تستهدف إضعاف الإقتصاد الروسي ودفعه الى هاوية الركود.
العالم هو مكان خطير. قد تكون هذه السيناريوهات غامضة للغاية بالنسبة لعام 2016 بحسب مناظرات السبق الإنتخابي الرئاسي ، ولكن ضمان قدرة الولايات المتحدة على التصدي لهذه التحديات ، لا ينبغي أن يتم وفق مخرجات تلك المناظرات.

*المركز الإعلامي للمؤتمر الشعبي العام


حول الموقع

سام برس