بقلم/ أحمد عبدالله الشاوش
نعجب نحن العرب من حياتنا وسلوكياتنا وواقعنا العربي الملي بالمتناقضات المريرة حد العلقم ، والسعيدة حتى الخيال والتغني بوهم البطولات ، والخطابات الرنانة والمعجزات الطنانة والمآسي الموحشة والافراط في الثراء ! ،والكرم حتى الاسراف والفقر حتى بروز العظام ، مجسدين بتلك الاساليب والعادات والتقاليد صور نادرة في عالم اليوم اعجزت المتخصصين عن فهم وفك طلاسم ذلك السلوك الذي جعل الامة العربية من الخليج الى المحيط محل شفقة الغرب القاتلة نتيجة اللاوعي واللامبالاه.

ولذلك فإن الجدل الكبير الذي يدور في اعماق كل عربي نشأ وترعرع في البيئة العربية القاحلة قديماً جيلاً بعد جيل وما واكبها من تحديث وتطور في البناء والملبس والمأكل والمشرب وتخزين السلاح والاحتكام الى العاطفة بدلاً عن العقل ولغة المنطق ، هو انعكاس واقعي لسيطرة العادات والاعراف والتقاليد السيئة والقفز على القيم الفاضلة والتأثر بالخطاب الديني السياسي السالب للعقل والارادة او الارتهان للخطابات القومية والتقدمية عن طريق المزايدة في سوق النخاسة والسيل الجرار من مصطلحات الحرية والديمقراطية والمساواة والعدالة التي لم يجدها المواطن العربي إلا في يافطات وادبيات ونصوص تجار السياسة ، نتيجة للعواصف الثقافية المبرمجة التي حاولت النخب السياسية وأدواتها من مشائخ ومثقفين ورجال دين وابواق اعلامية،، استثمار حالة الجهل وتكريس وتسويق ثقافة الاغواء بين ابناء الاسرة والقبيلة والقرية والمدينة لينتشر وبائها الى المنطقة العربية ذات اللسان واللون واللغة والأرض والتاريخ المشترك ، حتى صار العربي في كل بقاع الارض ومطارات وموانئ العالم مسجل خطر ، ويضرب به المثل في الغباء والحماقة ، والجلافة والعداء ، والاخاء والعطاء، والاسراف والتسامح ، والكراهية والحب ، واللوك والوفاء، والخيانة والولاء، حتى صار الجميع حكاماً ومحكومين غثاء كغثاء السيل رغم الحديث عن الكم الهائل من مخرجات التعليم والاحصائيات الكبيرة لمشاريع البناء والتأهيل والابداع والتغني بالثوابت الوطنية والسباق مع الزمن الذي يحمل أكثر من علامة تعجب واستفهام .

لا ندري نحن العرب أين موقعنا اليوم بالضبط بعد ان أصبحنا بلا ارادة وفاقدين للثقة وتائهين في قراراتنا ومتعثرين في خطواتنا ومشككين ومتآمرين على بعضنا حتى اخمص القدمين ، موزعين ثروات الامة لتجار الحروب في مقابل الجلوس على كراسي السلطة التي تديرها ادوات وتحركها قوى خفية عن بُعد بعد ان سلم القادة العرب انفسهم للتاج البريطاني والشيطان الاكبر وازلامه وفضلوا اكتساب شرعيتهم الزائفة من الصقور الجارحة والوحوش المفترسة ، لأمن شعوبهم التي تعاني من ” فوبيا” التقدير والتصفيق والتهليل والتبرك ورفع الصور وانهيار الامل في التغيير العقلاني النابع من الحفاظ على الامة ومقدراتها .

مازلنا ندرك اننا معشر العرب منذ نعومة أظافرنا خارج اطار التغطية او الخدمة ، لا يتم تفعيلنا إلا بلمسة زر من حكامنا المحنطين والعم ” سام” او دولة “العجوز″ او الدب الروسي ، أو ألهه “الرياض” بعد ان تم تغييب الدور المصري المتزن والحكمة اليمانية والعقل العماني ،، ورغم ارتدا البعض منا البدلة الانيقة والكرفته الباهظة والدشداشة الفاخرة والعقال الملكي إلا ان العقلية لم تتغير ، لان الايام تثبت ان السواد الاعظم على مدار الساعة يعاني من حالة التخلف والجهل والمرض وفقدان الامل مع سبق الاصرار والترصد بالتزامن مع عالم غربي بلغ ذروة التحضر والابداع في كافة المجالات التي مكنته من الصعود الى اقطار السموات والارض ، حتى صار لسان حالنا يقول اضاعوني واي فتى أضاعوا.

وما يدعو للسخرية والعجب ان حياة الامة العربية وامنها واستقرارها واشتعال فتيل الحرب فيها مرهون بكلمة طائشة و ملاسنة بسيطة في مؤتمر أ وسباق خيل أو قطع شجرة قد تحرق الجميع بنارها ، أو كلمة مجاملة من حاكم لآخر ، تحول النار الى برداً وسلاماً ، والتاريخ يسرد لنا الكثير من الاحداث المأساوية والحماقات العجيبة التي حولت المنطقة العربية قديماً وحديثاً الى بركان من الحروب وقودها الشعوب المظلومة الغارقة في التخلف والاحزان والامراض والاطلال والدماء ، مما أدى الى هجرة علماء الامة ومبدعيها من أصحاب العقول إلى الغرب بحثاً عن ضالته في الامن والاستقرار ولقمة العيش وشربة الماء.

ورغم هذه الملآسي القاتلة والمصائب التي حلت بالأمة العربية نتيجة للإرث التاريخي الوضيع والتعتيم على كل اشراقة مشرفة ، والتمرد على منظومة القيم العظيمة قبل الاسلام وبعد الاسلام والتأصيل لثقافة الجهل وحالة الغرور والغطرسة الجامحة للحكام العرب ، ودراسة الدول الاخرى المتربصة لنفسيات الحكام والشعوب العربية التي مكنتها من ترويض الامة وحكامها وغالبية مفكريها المتأثرين والمنتفعين من ان تجعل من الشعوب العربية التي خصها الله سبحانه وتعالى بالكثير من الثروات والمواقع الاستراتيجية الهامة ساحة للحرب والدماء والدمار لتحقيق اطماعها مقابل تمتع وطغيان حكام مفروضين على الامة ومتحكمين بثروات الشعوب بعدد الاصابع .. فهل آن الأوان لمراجعة النفس ووخز الضمير والتحرر من عقدة الاناء وحب الذات وسلبية الموروث الثقافي ، والاتجاه نحو احداث ثورة لتأسيس مناهج تربوية وتعليمية هدفها تحرير العقل والفكر العربي للولوج الى العليا .. أملنا كبير؟
shawish22@gmail.com
*نقلاً عن رأي اليوم

حول الموقع

سام برس