بقلم/ د.اكرم العجي
الحكومة كمصطلح هي الهيئة التنفيذية  والإدارية العليا للدولة المكلفة برسم وتنفيذ سياستها العامة. أي أنها المعنية بتسيير وتدبير شؤون البلد ، لكن..! عندما تتنازع الوطن حكومتان كل منها تدعي باحقيتها في إدارته وتولي زمام أموره، فمن غير اللائق أن نطلق عليهما مصطلح حكومة تسيير أو تصريف أعمال، ولعل أنسب وصف يمكن أن  يطلق عليهما هو حكومة جبهات لاسيما عند انصرافهما عن تدبير شؤون الوطن إلى تدبير شؤون الجبهات.

    بعيدا عن اﻷسباب والمسببات الرئيسية  التي جرت البلد إلى مستنقع الفوضى ومربع العنف  فكل طرف من أطراف الصراع قد أساء إلى الوطن بمقدار حجمه، ومن باب الإنصاف في القول فهناك طرف يعد المسؤول الأول عن  إشعال الحرب، وتقع المسؤولية أكبر على من منحه الشعب  تولي زمام أمور البلد، حيث سخر امكانياتها لتلك القوى لتنفيذ اجندته الخاصة من خلالها، فأنقلب السحر على الساحر  - عادت عمران إلى أحضان الدولة وعاد الرئيس  إلى أحضان جدران منزله-  وسار الوطن إلى المجهول.

  لم يهمنا بعد اليوم  كل ذلك رغم أهمية بالنسبة للقضية اليمنية،  ما يهمنا هي الأوضاع المزرية التي يعيشها الغالبية العظمى من ابناء المجتمع، فمع مرور كل يوم من أيام الأسبوع  يزداد البؤس والشقى وتتفاقم الاوضاع الإنسانية في ربوع اليمن...! اليمن الذي يتشدق الجميع  بأنهم أهل الحكمة.

 اطراف الصراع  لم يعنيها أمر هذا البلد في شئ بقدر  ما تعنيها مصالحها وإدارة جبهات القتال، فحكومة بن دغر أعجز من أن تؤمن نفسها، أو أن تؤمن مدينة لممارسة مهامها فكيف يمكن لها أن تؤمن بلد وتدير شؤونه ؟  وكيف ستنال ثقة الشعب، وقد فقدت الثقة في نفسها؟  وحكومة بن حبتور فشلت منذ يوم ميلادها، فكيف يمكن لها أن تنقذ الوطن ولم تستطيع إنقاذ نفسها؟

هناك شريحة كبيرة من ابناء المجتمع  لم تعد الرصاص أو الصواريخ تمثل مصدر خطر لحياتهم  رغم فداحتها وقدرتها الفائقة على انتزاع الأرواح من الأجساد، وإنما الخبز ... الخبز وحده ..! بات اليوم أكبر خطر  يهدد حياتهم، رغم ثمنه الزهيد وقدرته الفائقة على إحياء الأرواح.

بعد ستة  أشهر من انقطاع الرواتب أصبح الموظف يعيش  بين المطرقة والسندان..مطرقة بن دغر وسندان بن حبتور،  فبدلا من تقارب وجهات النظر لوضع حلول لكارثة إنسانية مرتقبة، أخذا يتبادلان التهم عن المسبب والسبب، فلا بن دغر صرف المرتبات لجميع الموظفين من ال400 مليار التي جلبت معها الكارثة الإقتصادية للبلد، ولا بن حبتور اجتهد في وضع الحلول لتلافي وقوع الكارثة.

  لا شك بأن هناك قواعد ثابتة  تحكم الإدارة والسياسية اليمنية منها  أن الموظفين الكبار لا يحسنون التفكير في أمر غيرهم  إلا عند ما يتضررون أنفسهم وكيف...!؟ سيتضررون والحرب القائمة تشكل مصدر مهم لتكديس الأموال وتكوين الثروات. لهذا السبب انصرف الجميع إلى إدارة الجبهات ونسوا إدارة الوطن. جبهة بن دغر مشغولة بتقاسم المليارات المطبوعة، وجبهة بن حبتور مشغولة بالهدهد  والراصد والقاصف، الذي لن يغير في المعادلة شئ...والموظف عايش في هم توفير لقيمات من الخبز ليسد بها جوعه وجوع من يعول.

   قد لا نبالغ إن قلنا بأن الصراع القادم هو الصراع من أجل الخبز في ظل استمرار طواحين الحرب في الدوران، وإنسداد أفق الحلول السلمية للقضية ، خصوصا وأنه بعد مرور عامان من الصراع لم نجد أيا من أطراف النزاع أو الباحثين أو الأكاديميين أو المفكرين يعمد إلى تقديم توصيف أو رؤية عن سبب ما وصلنا إليه وكيفية الخروج من الأزمة بعيدا عن الانتماءات والتعصبات الضيقة.

حول الموقع

سام برس