بقلم / ابراهيم يحي الحكيم
كالعادة، يتحدث “مجلس الأمن الدولي” كما لو كان اعضاؤه الخمسة المصطفون وكلاء الله في خلقه وأرضه، لكن من دون أي فعل يعكس أدنى مظهر اهتمام حقيقي بأمن خلق الله وسلامتهم وكوكب الأرض، وباستثناء تنصله من واجباته، لا شيء ينتجه عدا الحروب وتسويغ وتمكين أبشع صنوف العدوان على هذه الدولة أو تلك والإبادة لشعوبها قتلا وجوعا !!.

ماذا قال القرار الجديد بشأن اليمن، الصادر عن المسمى “مجلس الأمن الدولي” غير المستتب فعليا إلا في دوله الخمس دائمة العضوية واتباعها من الدول الخاضعة لها والتي تسخر أراضيها وثرواتها لخدمة مصالح هذه الدول الخمس وإثرائها وتقسيمها في ما بينها بحسب وزن ترسانة بطش كل منها ونطاق نفوذ هيمنتها ومدى استحكامه؟!

لم يقل مجلس المنتصرين في ثاني الحروب العالمية، شيئا جديدا عدا تجديد تواطؤه العلني مع من تنكب دوله على بيع أفتك اسلحتها لتحالف أشنع عدوان على دولة ذات سيادة وشعب يعاقب جماعيا قتلا وجرحا وتشريدا وحصارا منذ 23 شهرا، فقط لأنه ينشد استعادة إرادته الحرة واستقلال قراره عن مهانة التبعية وهوان هيمنة الوصاية الخارجية.

لا شيء عدا ذروة غطرسة اللامبالاة بحياة البشر وعجرفة الاستهانة الفعلية بدمائهم وأرواحهم، ما جسده قرار “مجلس الامن” رقم ( 2342 ) بشأن اليمن، وهو يصف عدوانا وحشيا متواصلا على نحو 25 مليون إنسان يمني: قصفا وحصارا جويا وبحريا وبريا، وتسليحا وتمويلا لمليشيات الاحتراب وتنظيمات الارهاب، بما سماه ليس عدوانا ولا حتى حربا بل “أعمال العنف” !!.

تخيلوا القرار يسمى ما يواجهه اليمن من ضيم “اعمال العنف” في سياق تجديده “تكرير مناشدته جميع الأطراف في اليمن أن تلتزم بحل خلافاتها عن طريق الحوار والتشاور، وتنبذ اتخاذ أعمال العنف وسيلة لبلوغ مرام سياسية، وتمتنع عن الأعمال الاستفزازية” !! .. متجاهلا تحالف 16 دولة تسلح وتمول الاقتتال وتقصف وتحتل اليمن وتحاصره جوا وبحرا وبرا !!.

تبلغ الغطرسة مداها حين لا ينص القرار الجديد لمجلس الغبن الدولي هذا، على أن اليمن وشعبه في خطر الإبادة قتلا وجوعا ومرضا، بل وبكل عجرفة “يقرر المجلس أن الحالة في اليمن لا تزال تشكل خطرا يهدد السلام والأمن الدوليين” !!..

يتغافل “مجلس الأمن” كليا مطالب منظمات عالمية بتشكيل لجنة تحقيق دولية في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ويفرد 10 بنود من اصل 13، لتجديد الحديث عن تمديد اخضاع اليمن للفصل السابع وتجديد ولاية “لجنة عقوبات” وتشديده على إلزام الدول الاعضاء بـ “ضمان سلامة أفراد فريق الخبراء وإتاحة إمكانية وصول فريق الخبراء دون عائق” !!.

يكرر نسخ ولصق ديباجة أسى المجلس لما يقر بـ “استمرار تدهور الحالة الإنسانية المأساوية في اليمن” و”بالغ القلق إزاء جميع حالات إعاقة إيصال المساعدات الإنسانية بفعالية بما في ذلك القيود المفروضة على إيصال السلع الحيوية للسكان المدنيين في اليمن”؛ فإنه يجدد اجازة آلية هذه القيود (تأخير دخول السفن وتفتيشها) بزعم أنها “تفرض حظرا محدد الأهداف على توريد الأسلحة”!!.
وفي حين يتجاهل القرار انكباب التحالف السعودي على تموين المليشيات بالأسلحة والأموال علاوة على اغراق اليمن بالقنابل العنقودية، بالمخالفة للقانون الدولي؛ فإنه لا يقرر وقف ما يسميه “أعمال العنف” بل يكرر دعوته ضمنيا لاستمرارها بمطالبته فقط أن “تمتثل جميع الأطراف لالتزاماتها بموجب القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان” !!.

كذلك ينسخ ويلصق القرار للمرة الثانية عشرة خلال خمس سنوات الفقرات نفسها حرفيا عن “بالغ قلقه من وجود مناطق من اليمن تحت سيطرة تنظيم القاعدة، … ومن الوجود المتزايد في اليمن للجماعات المنتسبة لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) ومن احتمال نموها في المستقبل” من دون أي إدانة للتحالف السعودي وسلطة هادي بتمكين هذه التنظيمات !!.

أما افة الدواهي فهي تعمد القرار إعادة اليمن إلى مربع الصفر .. مربع ما قبل العدوان .. وما قبل ترحيب مجلس الأمن نفسه في بيانين رئاسيين له بتوقيع “اتفاق السلم والشراكة الوطنية” برعاية الامم المتحدة  و”دعمه جهود المبعوث الأممي جمال بنعمر في إدارة حوار بين الاطراف السياسية للاتفاق على استئناف عملية الانتقال السياسي”، قبل أن يسقط لاحقا ذلك الاتفاق والحوار من مرجعيات الانتقال السياسي !!.

كمن يتجشأ أو يدير الفيلم إلى بدايته، مع فلاشات استرجاع من وسطه، عاد “مجلس الأمن” ليستهل قراره الجديد بأنه “يؤكد من جديد الحاجة إلى تنفيذ عملية الانتقال السياسي بشكل كامل وفي الوقت المناسب في أعقاب مؤتمر الحوار الوطني الشامل، وذلك تمشياً مع مبادرة مجلس التعاون الخليجي وآلية تنفيذها” !!.

ربما فسر البعض هذا النص “البائت” كما هي باقي ديباجة وبنود القرار الأخرى الاثني عشر، بأنه تجاوز لمطية “هادي وحكومته الشرعية” لكنه أيضا يبدو لي على الأقل  تجاوزا استعباطيا لكل مجريات عامين من العدوان والحصار المتواصلين، بل وإعلانا ضمنيا لتنفيذ تقسيم اليمن (الأقاليم) على ارض الواقع كتعريف لما يقصده بـ “تنفيذ الانتقال السياسي بشكل كامل”!!.

لم لا .. فالقرار قرن هذا “الانتقال الكامل” بسرد قرارات مجلس الأمن السبعة السابقة … واستدرك على استحياء بعبارة “مع مراعاة تطلعات الشعب اليمني” من دون أن يقر آلية مراعاة هذه التطلعات أو معرفتها أو التحقق من ماهيتها .. فلم يشر إلى الاحتكام لإرادة الشعب عبر صناديق الاقتراع أكان بانتخاب رئيس وحكومة أو بالاستفتاء على مسخرة الدستور التي وصفها بعبارة “اعقاب مؤتمر الحوار” .. لأن الشَعب اختزل بشُعَب !!.

alhakeem00@gmail.com
*نقلاً عن صحيفة الثورة

حول الموقع

سام برس