بقلم / سمية علوي
حينما شقت عصا الطاعة وخالفت وتمرّدت، باتت اليوم من دولة حيوية إلى جزيرة معزولة .. إنّه الصراع على الزعامة وتضارب الأهداف بين من يحتوي المنطقة سياسيا ودبلوماسيا، ومن يدفع بالمشاريع الجيوسياسية إلى الإنجاز ..بمعنى آخر .. بين من يستفيد من الجغرافيا العربية لصالح السياسة في المنطقة ولفائدة الاقتصاد ..

هذا الاقتصاد عادة ما يكون محركا لأحذية الجنود، وإن كانت الحرب في الوقت الراهن سياسية بامتياز إلاّ أنّ قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر بالإضافة إلى غلق جميع المنافذ البرية والبحرية والجوية أراه مؤشرا للرغبة في قلب النظام هناك لكن هذه المرّة بالوكالة ومن دون تدخل مباشر من طرف الولايات المتحدة الأمريكية التي غرد رئيسها قائلا  ” خلال زيارتي للشرق الأوسط ذكرت أنه لم يعد ممكنا تمويل الأيديولوجيات الراديكالية، والقادة أشاروا إلى نظرة قطر ” .. تغريدة تنم عن انقلابٍ على  قاعدتي “العديدة والسيلية” العسكريتين ومنه  فرض لأدوار جديدة في الخليج من دون آل ثاني المتهمين بتمويل الإرهاب وبدعم الإخوان المسلمين وبالتقرّب من إيران ..

أما الأولى، فخطيرة للغاية لأنّ وسم أي أحد بالإرهاب يعني الرغبة في اجتثاثه من الجذور .. وأما الثانية فلا تقل خطورة رغم خطة الدوحة الاستباقية وإعلانها عن ترحيل بعض من قادة حماس وإنهاء إقامتهم في الدوحة، وأما الثالثة فقد خدمت إيران وقدمت لها فرصة صائغة لتعزيز دورها في الخليج وتثبيت قدمها هناك بعد أن أوصدت كل الأبواب في وجه الدوحة ولم يبقى أمامها سوى الحضن الإيراني الذي رحب بالخطوط الجوية القطرية وسارع لفتح مجاله الجوي أمامها وأمام عائداتها ..

لقد أخطأوا التقدير حينما عاقبوها بسبب علاقتها بطهران، لأنهم لن يزيدوا السفينة الإيرانية سوى قربا من بحر الخليج العربي، ومنه رفعا لحجم المبادلات التجارية بين البلدين والتي في الواقع لم تتعدى المليار دولار، وهو رقم ضئيل مقارنة بـ 16 مليار دولار التي تربط أبوظبي بطهران من حيث التعاون الاقتصادي ..

قطر الآن وبعد أن أخفق إعلامها في إثبات أمريكيتها أكثر من السعودية ستجعلنا نعرف حق المعرفة في المقبل من الأيام مدى خضوعها لروسيا ولتركيا، وكيف أنها سترفع نعالها عن الميدان السوري لصالح السلاح الروسي والإيراني ..

إنّ تصدع البيت الخليجي وتحركات أمير الكويت الرصينة ومحاولاته رأب هذا الصدع لن يكون سهلا خاصة بعد نقله إلى الدوحة قائمة مطالب دول الحصار التعجيزية والغير قابلة للتطبيق باعتبارها منافية لمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول .. كأن يأتي جارك ويفرض عليك لون البيجاما التي ترتدي ونوع العشاء الذي ينبغي على زوجتك أن تطبخ .. لكن دخول الصباح على خط الخلاف كان لحاجة بالغة الشدة ترمي أساسا إلى الحفاظ على بقايا تعاون داخل مجلس جيرانه ثابتين جغرافيا ومتغيرين إيديولوجيا.
* نقلاً عن رأي اليوم

حول الموقع

سام برس