بقلم / محمد ناصر البخيتي
أذا أردنا أصلاح حال اليمن فلابد من الاعتراف بحقيقة أن جميع المكونات السياسية التي مارست السلطة سواء بشكل رسمي أو كسلطة أمر واقع قد فشلت في إدارة ملف مؤسسات الدولة, لأن كل المكونات السياسية وللأسف الشديد تفتقر للذهنية الوطنية.
لّذلك يفترض أن يبدأ كل مكون سياسي عملية المراجعة الذاتية بالبحث عن أخطائه والسعي لمعالجتها قبل أن يطالبه الآخرين. و في هذا السياق سأبدأ بمراجعة الأخطاء التي اعتقد أننا في أنصار الله قد وقعنا فيها وسأقترح بعض الحلول بهدف فتح المجال لتعاون كل المخلصين والحريصين على مستقبل المسيرة القرآنية لوضع حد لتلك الأخطاء والتجاوزات. وأتوقع أن يضيق بعض الأخوة في أنصار الله بما سأطرحه لذلك أُجيبهم بقول الأمام علي عليه السلام {من ضاق عليه الحق فالباطل عليه أضيق}.

أهم أهداف ثورة 2014 هي القضاء على الفساد والظلم والإقصاء وبعد مضي ثلاث سنوات من الثورة لا يزال الفساد موجود والظلم موجود والإقصاء موجود وإذا لم نتحرك من الآن لمعالجة الأمر فإننا بذلك نهدر شرعية ثورتنا ونضر بسمعة نموذجنا, وأي محاولة للإنكار أو للتبرير ستفقدنا مصداقيتنا لأن الظلم أصبح أمر واقع يصطلي بناره المواطنين كل يوم.
كيف يمكن إنهاء الظلم والفساد.

أي مواطن يذهب اليوم إلى الجهات المختصة للمطالبة بحق أو لدفع باطل فأنه لا يجد العدل لأن سلطة المال أصبحت هي الحاكمة لدى الجهات الأمنية والنيابية وكذلك في بقية المؤسسات وإن بشكل اقل وبصور مختلفة. وبطبيعة الحال فإن المجتمع يحمل أنصار الله المسئولية حتى وأن كان بعض من يمارس الفساد من المحسوبين على المكونات الأخرى. ولأن المجتمع يحتك بشكل يومي بتلك النماذج المحسوبة علينا ولا يحتك بالنماذج الطاهرة المغيبة عنه في الجبهات لذلك فأنه يرسم صورة مغلوطة لا تعكس حقيقة أنصار الله. ومما يضاعف من حجم المشكلة بشكل مستمر هو أن المخلصين يتوجهون للجبهات والمتمصلحين يتعلقون بلقطاعات الحكومية التي تتوفر فيها فرص الكسب غير المشروع. وهذا لا يعني أن كل من يعملون في تلك القطاعات فاسدين بل هناك شخصيات مشهود لها بالنزاهة والكفاءة و تحظى بثقة وتقدير المجتمع واعرف الكثير منهم.

إن السكوت على تلك الممارسات بحجة التركيز على مواجهة العدوان هو خدمة للعدوان لان استمرارها يؤثر بشكل سلبي على صمود وتماسك الجبهة الداخلية ويتيح للعدوان فرصة استغلال تصاعد غضب المجتمع. وأنا شخصيا اعرف الكثير من الأشخاص الذين كانوا ضد العدوان وأصبحوا يقاتلون اليوم في صفوفه بسبب حصول بعض التجاوزات في حقهم. طبعا هذا ليس مبررا للوقوف مع العدوان ولكنه واقع ينبغي التعامل معه خصوصا وأن النماذج الجيدة مغيبة عن المجتمع بحكم وجودها في الجبهات.
أني استغرب استمرار هذه المشكلة مع إدراكنا لنتائجها الكارثية ورغم ان حلها بسيط إذا ما وجدت الإرادة الكافية.
وأتساءل, أليس هناك شخصيات في مؤسسات الدولة معروفه للمجتمع بنزاهتها وكفاءتها تعرضت للإقصاء في عهد صالح وفي عهد هادي وفي عهد أنصار الله؟

فإذا كنا نقر بوجود مثل تلك الشخصيات النزيهة فما الذي يمنع من الاعتماد عليهم كلا في مؤسسته وحسب تخصصه؟
ومن السهل تحديد ومعرفة تلك الشخصيات بصرف النظر عن انتمائها السياسي عبر إجراء عملية استبيان في أوساط المجتمع وفي أوساط مؤسسات الدولة, ويمكن تطبيق نفس الآلية لاختيار المشرفين التابعين لأنصار الله. وهذه الآلية في الاستدلال على الأشخاص المناسبين أمر بها الأمام علي عليه السلام مالك الاشتر حين ولاه مصر حيث قال: {وإنما يستدل على الصالحين بما يجري الله لهم على السن عباده}.

كيف يمكن حل مشكلة الاقصاء وتبعاتها.
حتى الآن لا يدرك الكثير من أنصار الله أننا أكثر مكون سياسي مارس الإقصاء بدون أن نشعر وبدون قصد وبدون تخطيط. ولكن عدم وجود النية في تعمد الإقصاء لا ينفي حقيقة وجوده ولا يمنع وقوع ضرره ولا يعفينا من تحمل مسئولية نتائجه.

الجميع يعرف ويقر بحقيقة أن أبناء تعز كانوا وقود ثورة 2011 سواء في تعز أو في صنعاء لأنهم كانوا يحملون هدف إضافي يتمثل بكسر احتكار المنطقة الزيدية للسلطة ولهم الحق في ذلك إلى جانب الهدف العام للثورة المتمثل بإزاحة منظومة الفساد. ورغم تحقق الهدف الخاص إلا أن هذا لم يمنع أبناء تعز من الاستمرار في الثورة من اجل تحقيق الهدف العام المتمثل في القضاء على الفساد. ولكن بمجرد انتصار الثوار في 2014 والتي هي امتداد لثورة 2011 وجد أبناء تعز أنفسهم فجأة خارج المعادلة تماما, وتصوروا أن الزمن لم يعد بهم إلى ما قبل عام 2011 وإنما إلى ما قبل عام 1962. وهذا يفسر لنا ظاهرة تحالف الداعشي مع الماركسي, ولإخواني مع الاشتراكي, والسلفي مع العلماني, في خندق واحد ضدنا في تعز.

صحيح انه لا يوجد أي توجه لدى أنصار الله للعودة لما قبل عام 62 إلا أن من المؤكد أن هذا التصور ما كان ليوجد لدى أبناء تعز ولا غيرهم لو إننا أحسنا التصرف ولم نلون مرحلتنا بلون سياسي واحد ولون مناطقي واحد ولون مذهبي واحد. حيث امسك أبوا فلان وأبوا علان بكل مؤسسات الدولة وتوسعت صلاحياتهم من حماية المؤسسات لتشمل الرقابة والسلطة. ولكي ندرك المشكلة لنضع أنفسنا في مكان أبناء تعز وعندها سنعرف حجم الضيم و خيبة الأمل التي سنصاب بها.

تلوين المرحلة بلون واحد أعطى قراءة خاطئة لدى الجنوبيين عن مشروعنا حيث اعتبروا أنه يمثل منطقة معينه ولا يمثل الوطن ولكنه لم يكن يمثل لهم مشكلة بقدر ما كان يعزز من قناعتهم و نزعتهم الاستقلالية كما أن إسقاطنا للجناح العسكري للإخوان عزز من شعبيتنا في الجنوب كحليف خارج حدودهم. ولكن عندما اضطررنا للذهاب للجنوب بعد أن أعلن هادي علينا الحرب وتحالف مع القاعدة وبدأت مليشياته بإستهادف المعسكرات ومؤسسات الدولة وذبح المواطنين على الهوية واستهداف القاعدة للمصلين في جوامع صنعاء لم يتفهم الجنوبيين حقنا في مواجهة هادي ومواجهة القاعدة في عقر دارها. لأنهم اعتبرونا جسم غريب دخيل عليهم رغم تعاطفهم معنا بينما لم يتعاملوا مع القاعدة والأخوان كدخيل رغم عدائهم الشديد لهم لأننا ذهبنا للجنوب ونحن نحمل صورة مشروع منطقة وليس مشروع وطن بسبب الممارسات الخاطئة التي لونت المرحلة بلون واحد بعد ثورة 2014. وهذه القراءة لخاطئة مكنت العدوان من تأليب الجنوبيين ضدنا بسهولة رغم تعاطفهم معنا.

تلوين المرحلة بلون واحد أعطى أيضا قراءة خاطئة عن مشروعنا لدى قبائل مراد وما حولها من القبائل في محافظتي البيضاء ومأرب معتقدين أننا نسعى لإعادة هيمنة قبيلة همدان وحلفائهم الهاشميين. لذلك من الخطأ الاعتقاد أنهم يقاتلوننا حبا في هادي أو حبا في السعودية وإنما خوفا على مكانة ومستقبل مجتمعهم كما يتصورون. وهذا هو نفس دافع القبائل الذين قاتلوا إلى جانب الملكية بعد ثورة عام 62 لا حبا في البدر ولا حبا في السعودية وإنما خوفا على مجتمعهم بسبب الممارسات الخاطئة التي ارتكبت من قبل بعض المحسوبين على الجمهورية أمثال عبد الرحمن البيضاني والتي لم تكن تمثل أهداف ثورة سبتمبر التي شارك في صناعتها كل فئات الشعب اليمني وفي مقدمتهم الهاشميين.

صحيح أننا نحمل مشروع أمة ونتحمل اليوم أعباء وقوفنا إلى جانب قضايا الأمة الإسلامية وقضيا الأمة العربية وقضية سيادة واستقلال اليمن مما يجعل من صنعاء بحق عاصمة المقاومة العربية, إلا أن الممارسات الخاطئة التي يقوم بها ابو فلان وأبو علان بعقلياتهم الضيقة ونزعتهم الشللية في صنعاء تعطي قراءة خاطئة للداخل والخارج.

لا شك أن الكثير من القراء يتساءلون الآن عن جدوى أثارة مثل هذه المواضيع والهدف منها.

أقول أن اعترافنا كأنصار الله بتلك الأخطاء وإدراكها على مستوى القيادة وعلى مستوى القواعد الشعبية سيساعدنا على التصرف بشكل أفضل و على تفهم وجهة نظر الطرف الأخر ويوصل رسالة طمأنة لهم ويصحح تصوراتهم الخاطئة عن مشروعنا.

وأما الحل فهو بسيط جدا ويتمثل في الفصل بين إدارة الملف العسكري والأمني المتعلق بمواجهة العدوان والذي يفترض أن يبقى تحت إشراف أنصار الله حتى وقف العدوان, وبين إدارة ملف مؤسسات الدولة الذي يجب أن يخضع لشراكة الأمر الواقع بدلا من سلطة الأمر الواقع وذلك بأن يتم الاعتماد على الشخصيات المشهود لها بالنزاهة والكفاءة لإدارة مؤسسات الدولة بصرف النظر عن انتمائها السياسي. ويمكن اختيار تلك الشخصيات عبر إجراء استبيان في أوساط مؤسسات الدولة المعنية وفي أوساط المجتمع وبعد ذلك يتم إخضاع من يحضون بثقة المجتمع لبعض المعايير واستبعاد كل من يؤيد العدوان. ويستحسن ان تبدأ هذه العملية في أقسام الشرطة والدوائر الأمنية والنيابة العامة وبعدها بقية المؤسسات حتى تصل إلى رئاسة الوزراء.

ومن اجل تعزيز الشراكة يفضل نقل السلطة على المستوى المحلي للمكونات السياسية بعضوين لكلا من أنصار الله والمؤتمر والإصلاح وعضو واحد لكلا من الاشتراكي والناصري والحق والبعث والقوى الشعبية والأمة. وهكذا ستجد جميع المكونات السياسية والاجتماعية نفسها ممثلة ومشاركة في إدارة مؤسسات الدولة ويتفرغ أنصار الله وحلفائهم لمواجهة العدوان.

المسئول عن تحقيق هذا الهدف هم أنصار الله بصفتهم يمثلون سلطة الأمر الواقع, كما أن بناء شراكة عادلة وإصلاح مؤسسات الدولة وإنها الفساد وإقامة العدل يعزز من شرعية ثورتنا ومصداقيتنا ويخفف من حدة الصراع السياسي والاجتماعي الداخلي ويعيد الأمل للناس ويوحد الشعب في مواجهة العدوان.

كم يتمالكني العجب وأنا أرى أنصار الله يلهثون وراء الشراكة في دهاليز موفنبيك وازقة الأمم المتحدة وأحراش المجتمع الدولي وهي في يدهم منذ سبتمبر عام 2014 ولا زالت. وشراكة الأمر الواقع اضمن من شراكة التوافق والتي عطلها الطرف الاخر, لأنها تتيح إصلاح مؤسسات الدولة عبر فرض الشخصيات النزيهة من كل المكونات ويعطي للثوار الحق في الرقابة عليها.

عندما أقول أن مسئولية إصلاح الوضع الداخلي يتحمله أنصار الله فهذا لا يعني أني أُبرء بقية المكونات السياسية من التداعيات التي تحصل اليوم والتي يتحمل مسؤوليتها بالدرجة الأولى حزب الإصلاح وحزب المؤتمر الذان افشلا إقامة عملية سياسية مستقرة تقوم على أساس الشراكة العادلة إثناء مؤتمر الحوار الوطني وبشكل متعمد, وتقدما بمشروع خارجي للأقاليم يستهدف تمزيق اليمن. ولا ننسى جريمة استدعاء العدوان الخارجي الذي يتحمل مسئوليته حزب ألإصلاح والاشتراكي والناصري والسلفي وهي نفس المكونات التي لا زالت تعيق الحل السياسي وتراهن على الحسم العسكري.

ومع ذلك فهذا لا يعفينا كأنصار الله من الاعتراف بأننا قد أهدرنا فرصه ذهبية لإصلاح الوضع بعد نجاح ثورة 2014 لأننا استهترنا بالشعب عندما سلمنا مقاليد الأمور لأشخاص غير مؤهلين والنتيجة أن الأمور لا تزال تدار بإرث المرحلة السابقة حتى اليوم بدون اي تغيير ملموس. والأخطاء التي كنا نشتكي منها وننتقدها ونرفض تبريرها صرنا نمارسها ونستميت في تبريرها. ونفس الشيء ينطبق على الحزب الاشتراكي وحزب المؤتمر وحزب الإصلاح الذين ينتقدوننا اليوم وكأننا أول من مارس تلك الأخطاء متناسين حقيقة أنهم هم أول من ابتدعها حتى أصبحت ثقافة متأصلة تصيب بعدواها كل من تولى السلطة في اليمن.

وهذا يذكرني بأبيات للبردوني يصف فيها هذه الحالة الإنسانية بقوله:

لأني دخلت السجن شهرا وليلة ...... خرجت ولكن أصبح السجن داخلي
وكم كنت محمولا على نار قعره ...... فكيف تحملت الذي كان حاملي
ومن يطلق السجن الذي صرت سجنه ...... ومن يطرح العبء الذي صار كاهلي

قد يحاجج البعض بأن علينا ترك هذه الأمور إلى ما بعد العدوان وهذه وجهة نظر قاصرة لأن العدوان لن يتوقف إلا بحصول تسوية سياسية وعندها ستطوى مرحلتنا وندخل مرحلة جديدة حاملين معنا أعباء الفشل والفساد والظلم مثلنا مثل من سبقونا من المكونات السياسية مما يفقدنا تميزنا. لذلك علينا التحرك من الآن قبل فوات الفرصة, وترك الفرصة غصة كما يقول الإمام علي عليه السلام.

* من صفحة الكاتب بالفيسبوك

حول الموقع

سام برس