بقلم / د. خديجة صبار
إن القوة التنظيمية التي تميز بها حراك الريف وسيرانه وسط الجماهير، وتوالي الاحتجاجات عبر تراب المملكة يعبر على بروز سلطة الشعب مجسدة في الشباب من جهة، وعن أزمة تجتاز الدولة المغربية في ظل ضعف الأحزاب السياسية وتخليها عن وظيفتها في التأطير والتوعية والتربية على الديمقراطية وحقوق الإنسان، من جهة ثانية، والصراعات المنبثقة من داخلها بسبب وباء المصلحة والزبونية الذي أضحى متفشيا بين منخرطيها بعيدا عن تنبني المعايير الموضوعية التي يرضخ لها الجميع، منذ نهاية تسعينيات القرن الماضي من جهة ثالثة. والخطير هو تجاهل الدولة لواقع يفرض نفسه بحدة منذ شهر أكتوبر، وتبنيها للمقارية الأمنية عوض أن تدرك أن الأمر يتعلق بإرساء مجتمع الحق والقانون والحرية والعدل والمساواة، والتوزيع العادل للثروة، وجعل الوطن يتسع للجميع، لاسيما والمطالب لم تعد تقتصر على ما هو اجتماعي واقتصادي فحسب، بل أضحت مطالب تتعلق بالحرية والكرامة والمساواة التامة والمشاركة الفعلية في صنع القرار. أمام هذا الوضع المأزوم صرح رئيس الحكومة سعد الدين العثماني في لقاء جمعه مع مجموعة من المثقفين والإعلاميين في إطار حلقات “صالون أدبي” احتضنه بيت عبد الكبير العلوي الإسماعيلي صاحب منشورات “زمان” قائلا ” حكومتي مثل عظم نزع عنه اللحم والجلد” كما ورد في جريدة “الأول”، تصريح يشي بأن الحكومة نفسها جزء من المشكل، والحال أن التعاطى معها كمدبر للشأن العام يكون بمنطق الإنتاجية وطريقة الأداء.

         جذر الإشكال نجد تحليله عند المفكر عبد الله العروي. وهو من بين الأوائل الذين انتبهوا إلى أزمة مشروعية الدولة في العالم العربي وغربتها عن المجتمع، لأنه استعصى عليها أن تصبح فضاء للحرية والأخلاق، يحتضن وجود الأفراد كوجود سياسي، مع وضعها في سياقها التاريخي والفكري. والمشروعية ليست مقصورة على الجانب المادي المتمثل في وجهها الأمني والقمعي(مفهوم الدولة ص146)، بل في مدى قدرتها على خلق مجتمع سياسي والتعبير عن رهاناته، فلا تحتل الدولة موقعها الطبيعي والتاريخي إلا متى أضحت تجسيدا للإرادة المطلقة وآلية لعقلنة المجتمع وتطويره. وأزمة مشروعية الدولة في العالم العربي تمثل إحدى معيقات التحديث التي ظلت تعيق مسار المشروع العربي.(عوائق التحديث ص 53)

  أولى العروي مسألة الدولة أهمية كبرى لأنها أداة فعالة لتطوير المجتمع بعدما يئس من دور المثقف في تحقيق أهداف الثورة الثقافية. وهي مفهوم محوري في فكره ولا يخلو عمل من أعماله سواء الفكرية أو الأدبية أو المنقولة إلى العربية منها، بل خصص نصا تنظيريا لإشكاليتها في نطاق الفكر العربي المعاصر، باعتبارها ضرورة تاريخية، من دونها يغدو وجود جماعة من قبيل الصدفة لا غير. وجعل منها المفهوم الرئيس في عملية الإصلاح والتحديث، وجعل الحداثة لا تقبل الإمكان إلا من خلالها، وممارستها لا يمكن أن تتم إلا بواسطتها، ولا يمكن المراهنة على الحداثة من خارج إطارها. لكن ما ذا يقصد بالدولة؟

يقصد الدولة الحديثة المميزة بالحرية والعقلنة، ودورها كفاعل للتغيير والانتماء للعصر، لارتباط الدولة الحديثة بالعصرنة، وتحملها بنفسها مهاما أدت لترسيخها؛ إذ كان عليها أن تفرض نظاما موحدا على مساحات ممتدة تخضع من قبل لأنواع مختلفة من التقاليد المحلية. وعلى هذا الأساس صار من وظائفها أن تتولى خلق النظام الاجتماعي بواسطة تدابير هادفة وخطط واعية بالمراقبة والإدارة اليومية لشؤون المجتمع، خلاف ما كان عليه العمل في السابق، حيث كان الحكام يكتفون بمراقبة الالتزام بالتقاليد والامتيازات اليومية. وتضمنت مهامها الجديدة توحيد القانون والمؤسسات التشريعية وإدارة عملية التعليم العام الذي يكفل نشر كشوف العلم الجديدة وترسيخها، وضمان السيادة المطلقة للقانون الموحد وأسبقيته على الولاءات، والمساواة القانونية وتكافؤ الفرص؛ فهي أرضية للتحديث السياسي، وعبرها يتم في العالم العربي، كسيرورة تقتضي استيعاب مكتسبات الحداثة السياسية، انطلاقا من تحليله للمفهوم التراثي للدولة من جهة، ولمركزية دور الدولة والفعل السياسي في التاريخ.

والوعي بالحاجة إلى دورها ما يزال مطلوبا لتهيئة البنية الإدارية والقانونية والدفاع عن المصلحة العامة. والإصلاح السياسي لا يمكن أن يتم خارج إطارها:” ما زلت مقتنعا بأن إعضال الدولة في البلدان العربية غير منفصل عن موقف الناس من السياسة( ,I,M,L ص 140)، يريد أن تكون لها مشروعية بمعنى أن تكون ممثلة لأكبر عدد من الشرائح الاجتماعية، وأن تحظى سلطتها بالقبول في وجدان الأفراد، وأن تكون أداة فعالة لا مجرد آلة قهرية استغلالية، لأن وظيفتها هي خدمة المجتمع، ولا تعتبر مشروعة إلا لأن المجتمع أرادها وشرعنها.

       اقتنع بفكرة مونتسكيو التي تقول بفرض الإصلاح من فوق في إطار دولة ملتزمة بالمصلحة العليا، لإيمانه بمنطقها في إنتاج ثقافة متكاملة مع روح العصر، وتوحيد مجالها بمجال القيم والأخلاق، طبقا للعقل السياسي الحديث وتصوره للدولة والمشروعية  وهو ما يتأتى عن طريق التربية على قيم الحداثة، والإيمان برؤيتها إلى التاريخ مما يعني أن التفكير في مشروعية الدولة  تفكير في التربية السياسية ودور الدولة فيها. لكن المتأمل للحياة السياسية المغربية المعاصرة تستوقفه ظاهرة التداول المبالغ فيه لمجموعة من المصطلحات على أنها مفاهيم سواء في الخطاب الرسمي للدولة أو خطاب النخب والشرائح الاجتماعية المختلفة كمفهوم: الدولة، المواطن، المدينة، تستحضر جوفاء فارغة من مضمونها في الخطاب السياسي الراهن بشكل واضح وملموس، ولا تترجم إلى الواقع كسلوكات أو مؤسسات أو معطيات ملموسة في الواقع الاجتماعي، بمعنى أنها كمفاهيم بعيدة عنه؛ تتداول في غياب الاهتمام بهويتها وتاريخيتها، بحيث تشكل من أفكار وتصورات خاضعة لتغيرات تاريخية طويلة وعسيرة، تنتمي إلى صيرورة تاريخية محددة، خلاصة عصر بكامله من الاجتهاد والتنظير الفلسفي والعلمي والعقائدي. في ضوء هذا السياق ينكشف عمقها: فمفهوم المواطنة مثلا يرتبط بشكل ملموس ومباشر بالمؤسسات والحقوق والواجبات السياسية والسوسيو- اقتصادية المختلفة للفرد كمواطن، و يرتبط بالمجتمع وبالدولة. نحن نكتفي بقطف الثمار، في حين أن الثقافة الليبرالية تنطلق من فرضية أساس، هي عدم التناقض بين سلطة الدولة وسلطة المجتمع، ما دامت وظيفتها هي خدمته، بل لا تعتبر مشروعة إلا لأن المجتمع أرادها وشرعنها. وهذا لا ينفي وجود أشكال التعارض والتوتر بينهما، وخضوعهما على حد سواء لسلطة القانون، بحكم أن القانون بالمعنى الليبرالي لا يكفل حقوق طرف دون الآخر، والدولة بهذا المعنى، هي شرط الحرية ودعامتها المؤسساتية لا عائقها أو خصمها.

       لقد خرجت الملكية المغربية من تجربة الاستعمار ودخلت غمار الاستقلال وما رافق ذلك من أزمات سياسية شكلت الأداة القانونية والإجرائية في اتخاذ القرارات والمواقف الموسومة بحذر. والدولة الملكية هي خلاصة العمق الديني والمؤسساتي والرمزي والطقوسي لمجتمع تاريخي هو المجتمع المغربي بالذات، واتسمت بمسار تاريخي معين لم يزدها التطور اللاحق إلا رسوخا معترفا بخصوصياتها تاريخيا وجغرافيا. والمطلوب تطويرها، لا نسفها، بإخراجها من أفق التراث التاريخي والسياسي، لتصبح على غرار الدول العصرية، حيث رئيس الحكومة والوزراء والإداريون مسؤولون مسؤولية كاملة أمام نواب الشعب. هذا هو مفهوم الدولة الحديثة الديمقراطية. وهاجسه الكبير هو توظيف قدراتها لتأسيس المجتمع عبر تقوية المؤسسات أيا كان حالها (الخواطر4، ص 15)، لأن الحداثة تطورت في إطار مؤسسات على رأسها الدولة بالمعنى القانوني، والمؤسسات باعتبارها الجهاز الاجتماعي الفوقي الذي تتم ممارسة الحداثة من خلاله. فالمثقف يلاحظ ويحلل لكن الحل بيد السياسي فهو الذي يقرر. والإصلاح الثقافي مرهون بالإصلاح السياسي والاقتصادي كضرورة وحاجة.

     ودعوته إلى الحداثة كمدخل للنهوض منطلقا من الدولة والأحزاب والمجتمع المدني منتصرا للمجتمع العقلاني على صعيد الدولة والاقتصاد والفكر والسلوك واللغة كرؤية وحساسية وتطبيق عملي، والمطلوب تجديد اللغة العربية التي تتحصن بها التيارات التقليدية. وفكر الحداثة هو فكر الحرية والعقل النقدي والالتحام بالطبيعة بهدف كشف أسرارها وقوانينها، والفردانية، أي اعتبار الفرد كائنا مستقلا عن الجماعة مع ما يتطلبه ذلك من حقوق وحريات في إطار الدولة كنظام عقلاني لتدبير السياسات العمومية بناء على المشروعية التنظيمية، ولا يمكن تأسيس حداثة بذهنية  تقليدية غير حداثية.

    الحداثة هي تاريخ تقدم العقل الذي هو أيضا تقدم الحرية والذات والسعادة، وتاريخ هدم المعتقدات والانتماءات والثقافات التقليدية البالية فهي:” تنطلق من الطبيعة، معتمدة على العقل، في صالح الفرد لتصل إلى السعادة عن طريق الحرية.”( العرب والفكر التاريخي، ص 108) والسعادة هي الغاية العليا التي يسعى الإنسان إليها. ولا يتعلق الأمر بالسعادة الفردية، فالعقد الاجتماعي عند روسو يشير إشارة واضحة إلى ضرورة تأسيس عالم مشترك بفضل تقاطع الإرادات الخاصة وتكاملها داخل إرادة عامة جامعة وموحدة. والاستقلال الذاتي الأصيل يتوق بالضرورة إلى بناء صرح حياة مشتركة مع الآخرين في إطار مؤسسات قائمة على مبدإ الحق والمساواة والعدل. وتتميز بالنسبية وتقويض اليقينيات، فلا مطلقية في العلم عموما كما يقول:” الأنسان الحديث هو رجل التنازلات، رجل التفاوض والتصالح. وإذا كانت القيمة تتمثل في المطلق، كما يتصوره الفيلسوف الديني، فإن الرجل الحديث هو رجل اللاقيمة، الذي لا ينتظر نهاية قطعية في شيء، هو الرجل الذي ليس له قرار.”( الإسلام والحداثة ص 72)

        سبق للأستاذ للعروي أن وسم حركة شباب 20 فبراير بالحشد يتحرك في كتلة بشرية ضخمة تتسارع فيها الإحداث بشكل غير مدروس وبالتالي فلابد من حصر هذا الفهم في الإطار غير قدحي باعتبار أن هذا الحشد كان له دور في سيرورة التاريخ المغربي، أما الوثيقة الدستورية فشيء طبيعي أن ينكب عليها الدارسون شرحا وقراءة، وتاريخيا:” المخزن هو من يصنع التاريخ، هو من يأخذ المبادرة، وينظم الحركات بينما تكتفي القبائل برد الفعل، أما النخب فباهتة بالنسبة للقصر.” (المجلة التاريخية زمان، 2012، ص 68) هذا ما تؤكده الوثائق، والمؤرخ لا يمكنه الاعتماد إلا على الوثائق البينة الصريحة، وهذه تؤكد بوجودها وجود الدولة. ودستور 2011، يمكن تأويله تأويلا تقدميا كما يمكن تأويله تأويلا محافظا. في نفس السياق يقول كل مرة تتأتى لي رؤيته رأسا لرأس، وأن أقف عن قرب على أسلوب تفكيره وأخذه القرار، أخرج من اللقاء وأنا أسأل نفسي دوما نفس السؤال: ترى هل هو الذي أحدث النظام الذي نعيشه، وغالبا ما ننتقده لننتهي إلى القبول به؛ أهو المغرب الثابت منذ زمان،إن كان يوجد حقا الذي أنتجه (بناه) ليضحى مثلنا ضحية القبول والموافقة. المشاكل التي تواجهنا منذ أربعين سنة والتي لا أحد منا استطاع حقا الإلمام بها تأخذ وضعا مختلفا حسب منظورنا للحسن الثاني كمجدد أو مقلد. المسائل الأساسية التي نناقشها باستمرار: تغيير، إصلاح، قطيعة لا يكون لها نفس المحتوى في هذه الفرضية أو تلك.( المغرب والحسن الثاني، ص 228)

 من هذا المنطلق، وبناء على ما سلف، يتبين أن دور الدولة كأداة، مركزي في عملية التحديث، يقوم نظامها على المشروعية الديمقراطية والتمثيلية واحتكار العنف، بغاية تنظيم وتدبير الشأن العمومي، والتنظيم العقلاني للمؤسسات والممارسات الاجتماعية، ويتسع هذا التنظيم العقلاني ليشمل مجال الإنتاج العلمي والفكري، ودوره في التحويل الاجتماعي، ويرى فيها قوة منتجة:” إن الدولة مهما كان تركيبها، والعامل السياسي مرتبط بالعامل الثقافي، والتأخر الثقافي ينتج مسؤولين غير واعين بضرورة توطين العلم التجريبي:” إن الخطوة الأولى في أي برنامج عملي هو إصلاح التعليم باختيار ثقافي يضع العلم التجريبي في مقدمة اهتمامات المجتمع، لمركزية الدور الثقافي،” وإذا ما تحققت فستعطي للمطلب السياسي صبغة الشرعية.” والدولة الحديثة ترفض الحل الفرداني لأنه غير ناجح، ويموقع القيم والأخلاق خارج مجالها، ومخالف للرؤية التي أقام عليها العقل السياسي الحديث أسس تصوره للدولة وللمشروعية. من هنا رفضه التصور الفرداني للحرية لأنه:” يناقض المفاهيم المهيمنة اليوم على عقول الناس: المبادرة، التقدم، النمو، التطور…لا شيء من هذا يتحقق من دون الدولة،(م.الدولة ص 150) لارتباط ظهورها بديناميكية التغيير التي انطلقت مع مطلع القرن العشرين، في ظل الحركة التحديثية التاريخية التي أفرزت مجموعة من التحولات العميقة، وأعادت تشكيل المؤسسات والقيم والروابط التي يستند إليها المجتمع، بحيث تحولت المنظومة السياسية من النمط السلطاني الموروث نحو النموذج الحديث للدولة الوطنية والنظام السياسي الدستوري. ومن الاقتصاد الزراعي التقليدي إلى اقتصاد يعتمد الأنماط الحديثة في العمل والإنتاج والاستهلاك، ومن الأنماط التقليدية الموروثة إلى الاندماج التدريجي في أنماط وسلوكيات اجتماعية جديدة. وإذا كانت الديمقراطية كنمط سياسي ت قادرة على الاستفادة من العلم وهذه في نظري هي النقطة المهمة، تهيء الظروف الملائمة لتقدمه.” إذا كان التحديث يساوي نشر التعليم ومحو الأمية وتنمية العلم والتصنيع وتوطين التقانة وإنتاجها، وتنمية الموارد الاقتصادية وتقليص الفوارق بين المدن والأرياف، وتنمية الطبقة الوسطى وتحديث البنى الاجتماعية وتنمية طبقة بيروقراطية، وعقلنة الإدارة وبناء دفاع وطني حديث، وتعليم المواطنين ممارسة حق المبادرة الفردية؛ فإن هذه الأهداف الرئيسة لا يمكن تحقيقها إلا بواسطة الدولة وبمباشرتها، وما يمكن أن توفره من مساحات للفئات الاجتماعية التي تقوم بدورها عن طريق التحديث:” إذا أردنا أن نعطي فعالية لعملنا الجماعي وإبداعية لممارسنا السياسية والثقافية، فلا بد من ثورة ثقافية تعم المجتمع بجميع فئاته.” وبدون التحديث السياسي المستمر لا يمكن فتح الطريق أمام الحداثة التي تعتبر المجتمع نظاما معقلنا، كلاهما له علاقة بالآخر. التحديث في حاجة إلى الدولة، مثلما الدولة في حاجة لتجسيد أدوات العقلنة في جميع مرافق الحياة، لعقلانية شاملة وحديثة، تشكل المنطق الباطني لكل سلوك وتفكير، لأنها ليست ضمانا للتحديث إلا متى انطوت على مضمون سياسي حداثي، بعيدا عن تكريس التقليد وإعادة إنتاج التأخر التاريخي:” يمكن ازدراء الدولة ولكنها تظل من يقوى على أن يفتح للمجتمع برمته طريق المستقبل.”(إ ع م، ص 80).

       أحداث الريف تعيد إلى الذاكرة انتفاض المغاربة ورفضهم هيمنة سياسة الاستعمار واستغلاله الفاحش لثروات البلاد واستصغاره المغاربة والحط من كرامتهم، لكن الوطنية المغربية انقسمت إلى توجهين: توجه تحرري يطمح إلى بناء دولة حداثية على قاعدة المبادئ الديمقراطية والتعاقد الملزم مع الملكية المغربية، وتوجه ملكي يتوخى بناء دولة محافظة على قاعدة السيادة المطلقة للمؤسسة الملكية المنتفعين منها،  المشرعنة بقوة الدين والمحصنة بالقوة. وعندما لمس الراحل الحسن الثاني أن النظام الاقتصادي والسياسي الذي بناه مهدد ب”السكتة القلبية” عرض على “الكتلة الديمقراطية” المشاركة في الحكومة عبر صيغة “التناوب التوافقي” الذي شهد المغرب عبره نسبيا إصلاحات بالأخص ما يتعلق بالأوراش الكبىر، وسيستمر محمد السادس في تدبير تلك الأوراش التي بدأها والده  والتخفيف من الاحتقان، خصوصا فيما يتعلق بالحريات وتساوي الفرص والتوزيع العادل للثروة الوطنية، ويوسع هامش حقوق الإنسان عبر هيأة “الإنصاف والمصالحة” و “المبادرة الوطنية للتنمية البشرية” ودعم سياسة الجهوية التي سيكون لها النفع الاقتصادي والاجتماعي وأيضا الثقافي إذ لا مجال للتنمية بدون إدماج العوامل المؤثرة في الانطلاقة الاقتصادية الجهوية ، لكن احتجاجات الريف تظهر بكيفية جلية عدم امتلاك مخططات عملية محددة بتواريخ زمنية، قابلة للتجسد على أرض الواقع .
نقلاً عن راي اليوم

حول الموقع

سام برس