سام برس
 ولعبت دور الوسيط في الأزمات الخليجية الإيرانية؟ وهل كانت الضّغوط السعودية هي السبب فعلًا؟ وكيف ستَرد إيران؟
 
إقدام الحكومة الكويتية على “إبعاد” السفير الإيراني رضا عنايتي، وإغلاق المُلحقتين الثقافية والعسكرية الإيرانيتين، وتخفيض عدد دبلوماسيي السفارة الإيرانية من 19 دبلوماسيًا إلى أربعةٍ فقط، خُطوة أقرب إلى قطع العلاقات، أو تمهيد لذلك، الأمر الذي قد يدفع بالكويت بالانضمام إلى التحالف الرّباعي السعودي الإماراتي البحريني المصري المُضاد لقطر “حليفة إيران” بطريقةٍ أو بأخرى.

وكالة أنباء الطلبة الإيرانية برّرت هذه الخطوة الكويتية غير المُفاجئة، بالقول أنها جاءت “تحت ضغط المملكة العربية السعودية”، وأكّدت أن الاتهامات المُوجّهة لإيران “لا أساس لها من الصحّة”.

الأزمة بدأت عام 2015 عندما اعتقلت قوّات الأمن الكُويتية مجموعة “إرهابية” تتكون من 14 شخصًا من الكُويتيين أبناء الطائفة الشيعية، إلى جانب مُواطن إيراني، وهو ما عُرف “بخليّة العبدلي” بتُهمة القيام بأعمال تجسّس لصالح إيران و”حزب الله”، ويُخطّطون لتفجيرات داخل الكويت لزعزعة استقرارها، خاصّة أنه تم العُثور على أسلحة وعُبوات ناسفة في حوزتهم.

الجديد في هذه القضية التي شغلت الكُويت طوال العام الماضي، هو كيفية هُروب أعضاء هذه الخليّة إلى إيران قبل أيام من إصدار محكمة التمييز الكويتية أحكامًا بالسّجن ضد أفرادها تصل إلى عشر سنوات على الأقل.

خُبراء في الكويت تحدّثت معهم “رأي اليوم”، أكّدوا أن عملية الهُروب هذه ما كان لها أن تتم لولا وجود تواطؤ داخل الكويت، وربّما من قبل عناصر داخل أجهزة الأمن أيضًا، ولا يستبعدون حُدوث اختراق لهذه الأجهزة من إيران تحديدًا، لأن المُتّهمين جرى نقلهم على ظهر قوارب سريعة إلى الساحل الإيراني، فكيف تم هذا الاختراق إذا صح، ومن الذين يقفون خلفه؟ وهل جرت عملية اعتقال للمُتورّطين المُفترضين؟ وهذه الأسئلة المشروعة ننقلها عن ألسنة هؤلاء الخُبراء.

أمير الكويت الشيخ صُباح الأحمد، الرّجل الحكيم المُخضرم حَرص طِوال السنوات الماضية على النأي بنفسه، وبلاده، عن السياسات التصعيدية السعودية ضد إيران، واستقبل الرئيس الإيراني حسن روحاني أثناء زيارته الخاطفة لكل من الكُويت وسلطنة عُمان قبل بضعة أشهر، وأرسل وزير خارجيته الشيخ صُباح الخالد الحمد الصباح إلى إيران لفتح حوار، والقيام بجهود وساطة بتكليف من قمّة مجلس التعاون الخليجي التي انعقدت في كانون الأول (ديسمبر) الماضي في الدوحة.

لا نعرف الأسباب التي دفعت إيران إلى التورّط في قضية تهريب المُدانين في خليّة العبدلي هذه، إذا صحّت هذه الاتهامات المُوجّهة إليها في هذا الخصوص، وخسارة دولة خليجية قريبة منها بالتالي، فضّلت اتخاذ موقف حيادي من الأزمة السّعودية الإيرانية المُتفاقمة، ونأت بنفسها عن حرب اليمن، وفضّلت أن تكون وسيطًا بين السّعودية ومُعسكرها من ناحية، وقطر من ناحيةٍ أخرى، في الأزمة الخليجية الأخيرة، وهل الكويت التي تعرّضت إلى انتقادات سُعودية شرسة من قبل كُتّاب مقرّبون من الحُكومة السعودية، واتهامها بنُكران الجميل السّعودي، الذي تمثّل في “تحريرها” وإخراج القوّات العراقية منها عام 1991 بعدم انضمامها إلى المِحور السّعودي ضد قطر، هل استغلّت هذه، حادثة التهريب هذه لحَسم أمرها والوقوف في الخندق السعودي نهائيًا؟

سُؤال آخر يَطرح نفسه في أوساط الكثير من الخليجيين يتساءل بالقول هل ارتكبت إيران الخطأ نفسه الذي اعتذرت عنه لاحقًا، أي اقتحام السفارة السعودية وحرقها قبل عامين من قبل بعض المَحسوبين عليها، في انتهاك واضحٍ للأعراف الدبلوماسية، ممّا دفع الحكومة السعودية إلى قطع العلاقات بين البلدين؟ وهل الذين نفّذوا عملية التهريب للمُتّهمين الـ14 إلى إيران كانوا يُقدمون على هذه الخطوة بعلم الحكومة أم دون علمها؟

لا نملك إجابات شافية في هذا الخُصوص، فالأزمة في بدايتها، والمعلومات حولها ما زالت شحيحة، وتهريب أعضاء خليّة العبدلي يُشكّل إحراجًا كبيرًا للحُكومة الكُويتية، في وقت تمر فيه منطقة الخليج بظرفٍ حسّاس، وتُصعّد فيه الولايات المتحدة حربها السياسية والإعلامية ضد إيران، وتتّهمها بدعم الإرهاب في المنطقة، وتَفرض عليها عُقوباتٍ اقتصادية إضافية.

لا تستبعد بعض التحليلات التي تقول أن حكومة الكويت حسمت أمرها، وقرّرت التغريد داخل السّرب السّعودي الأمريكي في مُواجهة إيران فهي لا يُمكن أن تنسى الدّور التحالفي للدولتين في تحريرها، الأمر الذي قد ينعكس سلبًا على وساطتها في الأزمة الخليجية الرّاهنة، ويُوتّر علاقاتها مع إيران، الدّولة الجارة التي تربطها بها مصالح تجارية واقتصادية قويَة أبرزها الشراكة في حقل الدرة النفطي الغازي في المياه المُشتركة قرب حقل الخفجي للنفط في المنطقة المُحايدة، وربّما ينعكس هذا الانقلاب الكُويتي الجديد سلبًا على علاقتها، أي الكويت، مع الجار العراقي أيضًا.

قرار الكُويت بالرّد على هذا الاختراق الأمني الإيراني، إذا صح، ونقولها للمرّة الثالثة، حق سيادي، لكن تبِعاته على الكُويت قد تكون خطيرة، خاصّة إذا وضعنا في اعتبارنا التوتّر الطائفي المُتفاقم فيها، والمنطقة عُمومًا، وتمثيل المُواطنين الكويتيين من مُعتنقي المذهب الشيعي، حوالي 35 بالمئة من مجموع السكان، ونسبة كبيرة منهم تتحدّث الفارسية، ولا تخفي “ودها” تُجاه الجار الإيراني.

انضمام الكُويت إلى المحور السعودي البحريني الإماراتي إذا ما تأكّد في مُواجهة إيران، ربّما يكون مُقدّمة لحُدوث انقسام في مجلس التعاون الخليجي، وإعادة صياغة جديدة، بحيث يقتصر على هذه الدول الأربع فقط، وترك الباب مَفتوحًا أمام سلطنة عُمان، المُحايدة، وذات العلاقات الجيّدة مع إيران، للانضمام إليه إذا ارتأت ذلك، وإبقاء قطر خارجة، الأمر الذّي سيضيف تعقيدات جديدة للأزمة الخليجية، ويُباعد من احتمالات حُدوث حل وشيكٍ لها.. والله أعلم.
“رأي اليوم”

حول الموقع

سام برس