بقلم / يونس الحكيم
بالنظر الى الأوضاع العربية  الراهنة ومألاتها الملتحفة ظلال المفارقات القاتمة، منذ إندلاع الإنتفاضة العربية في دول الربيع العربي التي إنحنى أمامها البعض ولم يتكيف معها وتحوط منها أخرون بغية إحتواها .

وعلى الرغم من الإستقرار النسبي الذي رافق عملية التحول السياسي لبعض دول الربيع العربي خلال السنوات الأولى من عمر الإنتفاضة العربية، إلا إن هذا الإستقرار ما لبث أن تحول إلى مرجل نتن يغلي في  المنطقة بفعل العواصف الرعدية التي ضربت المنطقة بأقصى درجات العنف وبعكس إتجاه التيار .
ولسنا هنا بصدد ممارسة الدراما الإنتقادية أو تحميل طرف بعينه مألات الوضع العربي الراهن ووضعه تحت مقصلة النقد والتوبيخ، بقدر مانريد تبيان الأحداث الراهنة في دول الربيع العربي الست (سوريا، ليبيا، اليمن، مصر، تونس، البحرين)  وتوصيفها بأعلى قدر ممكن من الحيادية بعد ست سنوات من إندلاع الثورات فيها.
 
فسوريا التي أريد لها أن تتحول  إلى كتل منصهرة في بوتقة الدول الكبرى، مازالت تئن وتصرخ هل من مغيث؟!، بعد أن خذلها الأقربون وتخلوا عنها، وهذا الخذلان هو ما حال بينهم وبين أن يكون للعرب أي  دور في رسم مستقبل لما تبقى من أبناؤها الذين فضلوا البقاء تحت الحصار والدمار وبين أزيز المدافع وأصوات القنابل والمتفجرات، التي حصدت   أرواح  مئات الألاف منهم،  وهدمت منازلهم  وشردت الملايين  منهم .

وغدت بلادهم حلبة صراع (روسي -أمريكي) قد تكون شرارة لحرب عالمية قادمة بعد الضربة الأمريكية لسوريا ردا على  المجزرة  التي إرتكبها نظام الأسد في قصف بلدة خان شيخون بالسلاح الكيمائي كما تقول معظم الرويات، ونتج عنها إستشهاد العشرات من المدنيين، معظمهم من الأطفال.

ورغم  الأوضاع الكارثية التي  يعيشها السوريون إلا إن الأمل لا يزال يحذوا البعض منهم  في التوصل  لحل سياسي ينهي الصراع  بعد جولات مكثفة من الحوارات العقيمة في جنيف وإستانة! .

أما ليبيا فلم  تشهد أي  إستقرار ولو نسبيا منذ إندلاع الإنتفاضة المسلحة ضد نظام القذافي، وبالتالي ليست بأفضل حالا من سوريا فقد غدت بلادهم ساحة صراع بين أقطاب عده، وكل فريق يسعى جاهد لبسط سيطرته على الأرض محاولا فرض خيارته ،وهناك حكومات ثلاث تتصارع فيما بينها (حكومة الإنقاذ والبنيان المرصوص و حكومة الوفاق الوطني ) والاخيرة هي المعترف بها  دوليا، والمسار السياسي شبه معطل وتم وضعه على الرف  بعد جولات سابقة من الحوارات بين أطراف الصراع دونما التوصل إلى حل يطوي ملف الصراع القائم.

أما اليمن، فقد شهدت مرحلة إستقرار نسبي خلال الثلاث الاعوام الأولى من عمر الربيع العربي،وكانت على مقربة من تحقيق نجاح تاريخي يؤهلها إلى أن تكون وصيف المجموعة المشاركة في مارثون الربيع العربي،غير إن هذا لم يحلوا للبعض ،وسارعوا في صناعة الفوضى التي ساهم الكل تقريبا  في التهيئة لها وعدم مجابهتها ، ختى إختلط نابلها بحابل الثورة، لينتهي الحال بواقع تراجيدي قد تتوالى تداعياته  إلى مابعد عشرات السنين.

فاليمنيون في مأزق خطير، وبين فكي الرحي :جحيم الحرب وشبح المجاعة التي شرعت من قت مبكر في طرق ملايين الأبواب بشهادة العديد من المنظمات الإنسانية المحلية والدولية العاملة في اليمن، رغم تقصير البعض منها إن لم تكن ضالعة في تدهور الوضع الإنساني وبقاءه على ماهو عليه رغم إمكانية المنظمات وقدرتها على إنتشال الشعب من حافة الإنهيار.

وبالتالي لايوجد ما يوحي بقرب إنفراجة لأزمة عصفت باليمنيين منذ عقود، فالتعنت سيد الموقف، والإنقسامات عميقة في صفوف كل فريق والخيار العسكري بات يحتل قمة أولويات الطرفين لكن دون ان يحقق اي طرف منهما نتائج فعلية تذكر، وبالتالي لا زالت الأزمة تراوح مكانها.
 
أما مصر العروبة،فالوضع العام شبه مستقر مع وجود إحتقان سياسي وبوادر أزمة جديدة  تلوح في الأفق ، يتزامن مع غليان في الشارع المصري منذ تدخل  الجيش المصري  لإزاحة  مرسي والإطاحة بنظام حكمه بعد عام من توليه السلطة عبر إنتخابات حرة ونزيهة ورغم ضبابية المشهد السياسي في مصر إلا إن الجيش المصري له اليد الطولى في الحفاظ على وجودية الدولة حتى اللحظة.
 
أما تونس فتعتبر بحق وفي نظر كثيرين أفضل ثورات الربيع العربي الست أداءا ونتيجة.فقد حافظت على رتمها ولم تلاقى من التنكيل  والبطش والوعيد مالاقاه بقية دول الربيع العربي،ومرد ذلك في جملة من الأسباب أهمها عدم إختراقها من قبل الغرب وركوب موجتها كونها بدأت فجاءة وإنتهت فجاءة  بالإضافة إلى نأي الجيش التونسي بنفسه عن صراع الساسة بعكس الجيش المصري الذي ظل لعقود طويلة يتربع في حكم مصر.أضف إلى ذلك قوة وحضور الثقافة المجتمعية في أوساط الشعب التونسي.
 
وأخير البحرين كسادس دولة هبت عليها رياح التغيير في المنطقة.بيد أن النظام البحريني تمكن من إخمادها والقضاء على أية مظاهر حراكية داخل المجتمع البحريني عبر الإستعانة بقوات خليجية " درع الجزيرة " التي سارعت في تلبية النداء، إدراكا منها لتبعات ما سيحصل لأنظمتها في حالة نجح الحراك البحريني في إسقاط نظام الحكم فيها.غير إن مطالب المحتجين في البحرين لم تكن هي نفس مطالب الشارع العربي في بقية دول الربيع (عيش -عدالة إجتماعية) وبالتالي كانت مطالب المحتجين في نظر متابعين يغلبها الطابع السياسي وبصبغة طائفية، وهذا كان أحد أهم أسباب فشل الحراك البحريني،وهو مايعني إن التجارب  والسنين والأيام أثبتت إن المواطن العربي لا هم له سوى العيش بكرامة ولايهمه كيف ومن سيحكمه!

حول الموقع

سام برس