بقلم / يونس الحكيم
تعيش اليمن هذه الأيام  أسوء أزماتها السياسية والإنسانية والاقتصادية عبر التاريخ.

فلا يوجد جيل تكالبت عليه النكبات، وتدحرجت إليه الأزمات،كهذا الجيل القابع بين فكي الرحي :جحيم الحرب وشبح الأوبئةو المجاعة .
فالأزمة الراهنة، أخذت بعدا أخر، ومنحنيات عدة،عقب التطورات الأخيرة والمتسارعة سواء في مناطق الشمال أو في المناطق الجنوبية والتي تسمى  "بالمناطق المحررة "

 فالصراع الذي كان بين طرفين رئيسين، سرعان ماتولد عنه صراعات  مختلفة ،وصار كل طرف منقسم على نفسه كنتيجة حتمية متوقعة وهذا يثبت صحة توقع ماذهبنا اليه سابقا وتناولناه في مقال سابق بعنوان "دوري الصراع في اليمن والحصاد المر "والذي نشر في " العربي " في إكتوبر من العام الماضي،وأشرنا إلى أن الصراع في اليمن أشبه بدوري بطولة رياضية  لكنه بهرم معكوس، فالدوري الكروي يبدأ بفرق تتواجه فيما بينها ومن ثم تتأهل لملاقاة فرق المجموعة الاخرى المتأهلة، إلى أن يتأهل فريقين،ويظفر أحدهما بالبطولة، بينما دوري الصراع في اليمن كان قد بدأ بفريقين يتنازعا على الصدارة،ومن ثم سيتفرخ عنها فرق تتواجه فيما بينها في دوري الأربعة وصولا إلى دوري الثمانية .

ففريق الشرعية مثلا سيكون على موعد لمواجهة نارية مرتقبة  بين أنصار ما يسمى المجلس الإنتقالي الجنوبي الذي تدعمه الإمارات بكل قوة من جهة وبين المؤيديين لشرعية هادي المتهالكة التي عجز التحالف العربي طيلة  فترة الصراع  عن تثبيت أقدامها في أيا من المناطق المحررة .بالإضافة الى فريق سلطات  صنعاء الذي يبدو إنه على بعد خطوة من إندلاع مواجهة محتملة بين فريقي أنصار صالح وأنصار الله ،ولاسيما عقب وأثناء التحضير لفعاليات نكسة  24/إغسطس التي يرأها البعض ، والتي قرأها الحوثيون بأنها محاولة إنقلابية فاشلة، كانت تستهدفهم،رغم التطمينات من حلفاؤهم  بأن الفعالية هي رسالة للخارج وتعزيزا للصمود في مواجهة  العدوان.

ما نستطيع قوله هو إن الصراعات الدائرة والأزمات المتعاقبة والتي نشاهد  بعضا من فصولها اليوم، ما هى إلا نتاج للأخطاء المتراكمة والتصورات الخاطئة التي وقعت بها جميع المكونات السياسية المتصارعة ،والتي جاءت كنتيجة حتمية لحساباتهم الخاطئة ،فلم يتحقق لكل فريق  مبتغاه، فالكل كانت له حساباته ورؤيته الخاصة أمام الاحداث التي وقعت مطلع العام 2011م،والكل تقريبا أخطأت حساباته، ولم تأتي نتائجها بحسب ماخطط لها، فالمشترك وعلى رأسه حزب الإصلاح ؛كانت له حساباته عندما قرر اللجوء الى  الخيار الثوري والنزول إلى الشارع لكسب الرهان ضد رموز نظام صالح،متأثرا برياح التغيير التي هبت على المنطقة، وكان يظن بخطوته تلك ان الجو سيخلوا  له بعد إزاحة صالح من المشهد، غير ان ذلك الحلم  سرعان ما تحول الى كابوس مازال يورقهم حتى اللحظة،والمؤتمر وقيادته كان لها حسابها الخاص، وتعاملها الخاص أمام الأحداث، فصالح الذي سلم السلطة سلميا لأيادي  أمنة، كانت له حساباته في أن السلطة ستذهب من اليد اليمين الي اليد الشمال،لكن سرعان ماخاب ظنه في الأيادي الأمنة عقب فترة وجيزة من تنصيب هادي ومرد ذلك للحسابات الخاصة لكل طرف، وصار هادي  بنظر صالح   خائن وغير مؤتمن ويجب إفشاله بكل الوسائل، مما إظطره إلى إبتكار وسيلة غير مباشرة جديدة للإنتقام من خصومة  أولا ولإستعادة السلطة ثانيا، وذلك بأن قام بالتحالف المبطن مع خصومه القدماء "الحوثيين "لضرب هادي وحلفاؤه من المشترك وبالتحديد حزب الإصلاح،وإدخالهم في حرب إستنزاف مع بعض،لكي يخلو له المشهد، ويعود مجددا  للواجهة، كمنقذ للشعب،وسرعان ما خاب ظنه، أما هادي فكانت له حساباته المتمثلة في التغاضي والسماح بضرب القوة القبيلة والعسكرية لقبائل الشمال بغية إحداث توازن في الخارطة السياسية والجغرافية لليمن ككل،هذا من جانب والجانب الاخر، هوتحجيم الدور المتنامي للجنرال محسن بعد ان إفتكر بان قرارته في هيكلة الجيش قد أزاحت صالح من المشهد تماما، ولم يعد له دور مستقبلي، ومعلقا الأمال على  الامم المتحدة والدول العشر الراعية للعملية السياسية في اليمن،وبالتالي فلاذا تأتى ولا ذا حصل.

اما الحراك  الجنوبي، فقد كان له حساباته الخاصة ، والناتجة عن إقحام قوى الشمال في صراعات،وتوفير  بيئة مناسبة لانفصال الجنوب  او علي الاقل للمطالبة بتقرير المصير،  فحينما طوق الحوثيين صنعاء في العام 2014،إلتزم الحياد وعينه ترقب المشهد ولسان حالهم،إنظروا إلى الشماليين، فهم من يعبثوا بالوحدة وليس نحن، وهم من يسعى لخلق الصراعات وإفتعال الأزمات، وكانت حساباتهم حينها، أن القوى المناهضة للحوثيين ستمنع سقوط صنعاء وسيطول الصراع بينهما، وربما سيمتدد لسنوات وسيتكرر سيناريوا 67م،وسيطالبوا بفك إرتباطهم عن الشماليين المشغولون  بصراعاتهم الداخلية،وسيؤيدهم كثيرين من الداخل والخارج في ذلك، غير ان ذلك لم يتحقق وسرعان ما تم إفشال هذا عندما رفض حزب الاصلاح ومعه القبائل المناؤئة للحوثيين،المواجهة مع بعض، مما جعلهم يخرجوا عن صمتهم ويطالب البعض منهم صراحة بفك الارتباط،

أما الحوثيين او كما يسموا بمكون "أنصار الله " فهم الوحيدون التي خدمتهم حسابات الغير الخاطئة،وفاقت حساباتهم توقعاتهم،  فجميعها صبت في مصلحة تمددهم وتوسعهم،ولم يكن يخطر ببالهم أنهم في غضون أشهر قليلة سيبسطون نفوذهم على أغلب مناطق اليمن، غير انهم أخطاؤا في حساباتهم في نظرتهم لتعامل الاقليم معهم، فلم يخطر ببالهم أن تحالف عربي سيتشكل لمواجهة تمددهم في اليمن،
اما اخيرا، فهو التحالف العربي بقيادة السعودية، فقد أخطاء في حساباته كثيرا، ولم يكن يتصور أن  تدخله في اليمن سيطول،وكانت حساباته تقتصر على ان العملية برمتها لن تتعدي  بضعة أسابيع، وإن طالت فلن تتجاوز الستة أشهر على أعلى تقدير،وبالتالي لم يتوقعوا انهم سيدخلون في مستنقع لا خلاص لهم إلا باذكاء الصراع بين خصومهم، على الاقل للخروج بماء الوجه،

إذن هذا هو ملخص الأزمة الراهنة بين اليمنيين، والقائمة علي التصورات والحسابات الخاطئة، حتى وهم  يخوضوا مواجهات فيما بينهم "كشرعية مدعومة من التحالف، وسلطات أمر واقع "فان الحسابات الخاطئة في كل فريق مازالت حاضرة، فالشرعية تراهن علي وقوع تصدع في تحالف الحوثي -صالح، والاخيريين أيضا يراهنوا علي تصدع التحالف او إحداث شرخ في صفوف الشرعية، أضف الي ذلك أنهم مازالوا يأملوا في أن تكلل الضغوط الدولية علي التحالف والتي قد تؤدي الي وقف الحرب وبالتالي الحصول علي نصر معنوي، وقد لايتحقق هذا، وهو ما يعني إن الكل أخطأ في حساباته،،

حول الموقع

سام برس