سام برس
 والخِلاف بين أربيل والسليمانيّة يَبلغ ذُروته وَسط اتهاماتٍ بالخِيانة.. فهَل تراجع حُلم الاستقلال؟

لا نَعرف ما هو رَد فِعل السيد مسعود البرزاني وهو يُتابع استعادة القوّات الفدراليّة العِراقيّة، مَدعومة بالحَشد الشّعبي، السّيطرة بالكامل اليوم الإثنين على الحُقول النفطيّة الرئيسيّة، إلى جانب مطار كركوك العَسكري، وقاعدة عَسكريّة في المُحافظة، في هجومٍ بدأ ليلة الأحد، الأمر المُؤكّد أنّه يَشعر بالصّدمة وهو يَجد نفسه وحيدًا في مُواجهة هذا الهُجوم الكاسح، بعد أن تخلّى عنه حزب الاتحاد الكردستاني شريكه في حكم الإقليم الذي توسّل إليه أن يُؤجّل الاستفتاء، والعَودة إلى الحِوار مع الحُكومة المَركزيّة في بغداد تحت عِلم الأُمم المتحدة حول جميع القضايا، مِثلما تخلّى عنه الأمريكان، وربّما إسرائيل أيضًا.

ما سَيصدم السيد البرزاني الانسحاب المُفاجِئ لقوّات البِشمرغة من مَواقعها في كركوك دون قِتال، وهي القوّات التي كان يُعوّل عليها كثيرًا في الدّفاع عن مَشروعه الانفصالي، ليس في مُواجهة القوّات العراقيّة وحَشدها الشّعبي، وإنّما نَظيراتها الإيرانيّة والتركيّة أيضًا.
هذا الاستفتاء الذي حَقّق استقلالاً “وهميًّا” للأكراد في إقليم كردستان المُتمتّع بالحُكم الذّاتي في شمال العراق، بدأت نتائجه الكارثيّة تَظهر في العَلن، ويُمكن تَلخيصها في النّقاط التالية:

أولاً: خسارة مدينة كركوك وآبارها النفطيّة ومطارها وقاعدتها العَسكريّة دون أدنى مُقاومة، أمام زحف القوّات الاتحاديّة العراقيّة، ولا نعتقد أن قوّات “البِشمرغة” تستطيع تقليص الخسائر، ناهيك عن إعادة الأمور إلى وَضعها السّابق.

ثانيًا: تفاقم الخِلافات بين الشّريكين الرئيسيين في حُكم كردستان، والحزب الاتحادي الطّالباني، ونَظيره الدّيمقراطي البرزاني، واتهام الثّاني للأول بالخيانة لإعطائه أوامر لوحدات تابعةٍ له في كركوك بالانسحاب.

ثالثًا: انهيار سُمعة قوّات البِشمرغة القتاليّة العالية وهَيبتها بسبب “هُروبها” من المَعارك، وبَثّ نُشطاء على وسائط التواصل الاجتماعي شريطًا يَظهر مُواطنين أكراد وهم يَقذفون قوّات البِشمرغة بالحِجارة ويَبصقون عليها، كما أدان السيد هيمن هروامي، كبير مُستشاري الرئيس البرزاني، في تغريدةٍ له على “تويتر”، تَرك قوّات البِشمرغة لمَواقعها وعدم تصديها للقوّات العراقيّة.
رابعًا: هُروب عشرات الآلاف من العائلات الكُرديّة من كركوك إلى أربيل والسليمانيّة لتجنّب المَعارك في عمليّة “تطهير” عِرقي “طَوعي”، الأمر الذي سيُقلّص من كثافة التواجد الكُردي في المدينة، ولو لمرحلةٍ مُؤقّتة.

إقليم كردستان العراق كان يَتمتّع بوضعيّة الدّولة المُستقلّة غير المُعلنة، وشَهد مرحلةً ذهبيّةً من الازدهار الاقتصادي والاستتباب الأمني طِوال السّنوات الماضية، التي تَلت غَزو العراق عام 2003، ولكن عِناد السيد البرزاني، وإصراره على المُضي قُدمًا في الاستفتاء في الوقت الخطأ، عِراقيًّا ودَوليًّا، أدّى إلى تقليص مُعظم هذهِ الإنجازات.

الإقليم بات مُحاصرًا، ومطاراته وأجواءه مُغلقة، ولا يَجد من يَدعمه غير دولة الاحتلال الإسرائيلي، وها هو الآن يُوشك على خسارة مدينة كركوك التي تُشكّل دُرّة التّاج الكُردي.

الضحيّة الأكبر لهذهِ التطوّرات العَسكريّة ربّما يكون السيد مسعود البرزاني، فقد تَحوّل حِلمه في الاستقلال إلى كابوس حتى الآن، ومُنيت زعامته لحِزبه والإقليم معًا بضربةٍ قويّةٍ، ولا نَستبعد أن تكون استقالته، وتسليم الرّاية إلى من يَخلفه في الحِزب والقيادة في الأسابيع المُقبلة، أحد أبرز الخيارات المَطروحة، فالرّجل اجتهد وأخطأ، في نَظر الكثيرين، ولم يَدرس الظّروف والمُعادلات الإقليميّة والدوليّة بشكلٍ جيّد، وربّما يكون القادم أسوأ.
“رأي اليوم”

حول الموقع

سام برس