بقلم / محمود كامل الكومى
كلمات ... لكنها ليست كالكلمات , لأنها جاءت فى جو الأحضان الدافئه والغرام بين مومس تل ابيب الشمطاء والنظام الرسمى العربى , لو أنها جاءت فى الخمسينات أو الستينات او أوائل السبعينات من القرن الماضى , لكانت فى السياق ومن المعتاد , فالزعيم جمال عبد الناصر الهبنا الحماس وغرس فينا حب العروبة والنضال من أجل فلسطين ضد أعداء الله بنى أسرائيل .

 لكن منذ  كامب ديفيد  أعتدنا على التماهى مع أسرائيل فى كلمات الحكام وكل الرسمين العرب ,ومغازلة الشمطاء فى تل أبيب , والتغنى بملابسها العارية كواحة للحرية (تقوم على قضم الأراضى والقرى الفلسطينية وقتل وأعتقال كل شعبنا هناك) وتصريحات آل سعود هنا وهناك والتى بشرت بأن خَمرتِها لاتتعتق اِلا بالتقدم العلمى الأسرائيلى , وأخيرا كان الكلام عن أمن المواطن الأسرائيلى هو الجدير بكلمة " السيسى " فى الجمعية العامة " وقبلها صوتت مصر لصالح أسرائيل فى المنظمات الدولية, وصارمجلس التعاون الخليجى يحقق أهدافه التلمودية ويخطب ود المومس الحيزبون الصهيونية , فكان هذا الجو الصهيونى أثيراً بكلمات الغزل من النظام الرسمى العربى .. وسادت الكلمات على هذا النمط من الغزل والغرام للصهيونية التى قابلته بالأنتقام من الشعب والأمة العربية  .

لكن وعلى عكس السياق أنتهك (مرزوق الغانم) جو الغرام العربى الرسمى الصهيونى, فجأت كلماته .. كلمات ليست كالكلمات, لكنها ضوء قد يعيد الكلمات الى السياق , سياق النضال ضد عدو الله بنى أسرائيل .

موقف وطني وعربي، سطره رئيس مجلس الامة الكويتي (مرزوق الغانم) خلال مُشاركت وفد بلاده في المُؤتمر 137 للاتحاد البرلماني الدّولي المُنعَقِد في مدينة (سانت بطرسبورغ )الروسيّة,أعادت كلماته الروح الى شعبنا العربى ,لأنها غدت كضوء يشتعل ليخرجنا من ثُباتِنا ويُذكِرنا , ويُذكر كل شعوب العالم من خلال برلمانيها بجرائم أسرائيل وبعنصريتها البغيضه وبقتلها بدم بارد للأطفال والشيوخ من شعبنا الفلسطينى , ويُذكر كل شعوب العالم بأن تحويل جزء كبير من شعبنا السورى الى لاجئين سببه استيلاء أسرائيل على أرض فلسطين كشيطان يعكر صفو المنطقة العربية ويزرع فيها الفتن والمؤامرات والحروب ,فلم يكتف بتحويل شعبنا الفلسطينى الى لاجئين وأنما هو يريد أن يحول معظم شعوب المنطقه من حالة الأستقرار الى اللجوء ومغادرة الأوطان ليحقق هدفة التلمودى من النيل للفرات , وصفقت القاعة وهو يطالب بطرد أسرائيل ووفدها من قاعة المؤتمر , فصارت كلماته..ليست كالكلمات  وانما من ذهب وتميزت عن كلمات اولاد اللئام , وغدت خارج سياق الخيانه الذى دشنه النظام الرسمى العربى وقبل يوم من أعلان مشيره خطاب مرشحة النظام المصرى لليونيسكو بأنها حظيت بدعم اليهود لها .

لم تقف الكلمات عند هذا الحد وانما ثارت "من الثورة" بلورية , وغدت أبيه فغايرت كل الكلمات الرجعية والأنتهازية والمُطبِعة مع الصهيونية , فجلس "مرزوق الغانم " الى مقعده ,ولما لم يمتثل رئيس الوفد الأسرائيلى وأعضائه لمطالبته بطردهم , كانت كلماته كالرصاص , لتطالب بطرد القتله الذى يقتلون الشعب الفلسطينى ليل نهار ويهدمون المقدسات وينتهكون المحرمات ويحولون فلسطين الى مستعمرات للمستوطنين وسجن كبير لشعبنا الفلسطينى , وضجت القاعة بالتصفيق لهذه الكلمات التى صارت رصاص أصاب الوفد الأسرائيلى فى الصدر والقلب بالمقاس  وغادر رئيس البرلمان الصهيونى وأعضاء الكنيست قاعة المؤتمر الى سراب .

من هنا كلمات " مرزوق الغانم" ليست ككلمات الخيانة والخنوع للعدو الأسرائيلى , وأنما أعادت للأنسان العربى ثقته بنفسه ,ونضاله ضد  التطبيع مع اسرائيل ليصير من خيال .

وموقف رئيس البرلمان الكويتى الناصع البياض , يعيد الى الأذهان موقف بعض البرلمانيين الكويتين ,حينما زار السادات الكويت 1976 حيث تقدم أحدهم إلى السادات وقال له على مسمع من الموجودين المحيطين: "يا سيادة الرئيس، نحن لا نقبل أن يقال فى مصر إن جمال عبد الناصر قد اختلس عشرة ملايين جنيه( وكان السادات قد دبر هذه المقوله لتشويه سمعة جمال عبد الناصر)، وأنا شخصيا لست ناصريا، ولكن أن يقال إن جمال عبد الناصر الذى كانت خزائن مصر كلها فى يديه، وخزائن العرب إذا شاء، قد اختلس عشرة ملايين دولار، فهذا عار على الأمة العربية كلها التى كان جمال عبد الناصر، شئنا أم أبينا، رمزاً لها فى العالم كله، وإننى أطلب من سيادتك أن تقول لنا أى مبلغ ترون أنه فى ذمة جمال عبد الناصر للخزانة المصرية، وسوف ندعو الشعب الكويتى للتبرع به وتسديده عنه، وسيجمع الشعب الكويتى أى مبلغ فى أقل من 24 ساعة".

وفى النهاية كلمات السيد " الغانم " جاءت لتحرك الراكد من مياه الوطنية والقومية العربية التى يحاولون تجفيفها , فصارت تلك الكلمات أبعد من  أن تطرد رئيس واعضاء وفد الكنيست فى مؤتمر الأتحاد البرلمانى الدولى , وأنما ثارت " من الثورة "تجسيداً وتأكيداً على أن الصراع العربى مع أسرائيل هو صراع وجود وليس صراع حدود , ومهما فعل النظام الرسمى العربى لجعل أسرائيل صديق وخلق عدو وهمى هو ايران , فلن يجد له آذان صاغية أوأصداء ,ولن يغرد أبداً بعد الآن لأن (مرزوق الغانم ) قد قصف له جناحيه , ليقع فى غيابت الجُبِ مسخن الجراح.

*كاتب ومحامى - مصرى

حول الموقع

سام برس