بقلم / عبدالباري عبدالرزاق
 نجحت القيادة المصرية في لم الشمل الفلسطيني في وقت قياسي ، بعد خلاف وقطعية دامت طويلاً بين سلطة محمود عباس وحماس ، وبما ان توحيد الصف الداخلي للمقاومة يخدم القضية الفلسطينية ، فان هذه المصالحة وكما يتردد مصالحة من نوع أخر ولها اجندات خاصة ، نتناولها في هذا المقال.!!

في ابريل العام الماضي قال الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي للرئيس ترامب ، خلال استقباله في واشنطن : ستجدني بكل قوة ووضوح داعماً لأي مساع لإيجاد حل للقضية الفلسطينية في " صفقة القرن " فرد ترامب قائلاً : سنفعل ذلك سويا سنحارب الإرهاب سويا وستمتد صداقتنا طويلا !!

أثار مصطلح صفقة القرن الذي ذكره السيسي وقتها جدلاً واسعا وتدور شكوك حول هذا الامر الذي اعتبره الكثير مخطط جديد لتفكيك المنطقة وتصفية القضية الفلسطينية وصولا إلى تطبيع عربي شامل مع إسرائيل .

قبل الحديث عن الصفقة كعنوان والسعودية كشريك وعن علاقة الصفقة بالمصالحة الفلسطينية التي تمضي اليوم برعاية مصرية ، وما يجري في العراق وسوريا واليمن والمنطقة عموما ، لا بد من فهم مسار الأمور من خلال قراءة مضمون الصفقة ورصد عدد من الأحداث واتجاه حركة سياسة البيت الابيض وتل أبيب والرياض والقاهرة في المنطقة .

صفقة القرن بين الواقع والكلام  السياسي ، ومضمون الصفقة وصاحب المشروع !!
قالت صحيفة هآرتس الإسرائيلية في 21 فبراير / شباط 2016م، ان لقاء رباعي عُقد في العقبة الأردنية بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وعبدالفتاح السيسي وجون كيري وملك الأردن ، ناقش اللقاء أفكارا جديدة للحل على أساس يهودية الدولة وتبادل الأراضي ، لكن سرعان ما نفى الجانب المصري والأردني والأمريكي لهذا الاجتماع ،  أعقبه تصريح أثار الجدل لعضو حزب الليكود أيوب قرا ، قال فيه انه بحث مع الرئيس ترامب مقترح إقامة دولة فلسطينية في سيناء ، وهو ما نفاه الجانبان المصري والإسرائيلي ، غير أن صحيفة تايمز أوف إسرائيل نقلت في اليوم التالي من زيارة السيسي لواشنطن ، ان الصفقة المرتقبة تهدف لإسراء اتفاق سلام إسرائيلي فلسطيني، وتبدأ بعدة مبادرات تشمل المصالحة بين حماس وفتح وإطلاق سراح أسرى فلسطينيين وتجميد تام لبناء المستوطنات في الضفة الغربية .

اهتمام إعلام تل أبيب بالحديث عن مشروع القرن لم يتوقف عند هذه التصريحات فهناك الكثير من التقارير الصحفية التي لا يتسع المجال لذكرها , ويبدو واضحاَ أن إثارة وسائل الإعلام الإسرائيلي للموضوع وما يدور خلف الكواليس, خطاب موجة ومقصود هدفه, إعطاء الجمهور العربي الغارق في مشاكله البينية فكرة مسبقة عن المشروع وتهيئة الشارع العربي للقبول به ,كون المشروع صهيوني بامتياز ناهيك عن انه قديم جدا, وقد ذكر رئيس مركز يافا للدراسات والأبحاث في القاهرة ,ان المخطط بأكمله منشور في كتاب " خنجر إسرائيل " ويعود تاريخ المخطط إلى خمسينيات القرن الماضي وقد حاولت منظمة الاونروا وقتها خديعة عبد الناصر بحجج تبدو إنسانية بتخصيص جزء من سيناء للفلسطينيين المطرودين لكنة رفض .

فشل الصهاينة أيضاَ في تسويق المشروع خلال فترات تاريخية متلاحقة بسبب رفض الجانب المصري والفلسطيني لهذا المخطط الذي تصر إسرائيل على اعادته للواجهة خاصة بعد نجاحها في إقناع الجانب الأمريكي على ضرورة تنفيذه ,ففي عام 2003م أشارة خرائط تقسيم الدول العربية التي نشرتها المجلة الدورية لوزارة الدفاع الأمريكية إلى هذا المخطط , وفي 2006م, عاد مصطلح صفقة القرن يتردد عبر ما عرف بـ عرض أولمرت .. وها هو اليوم يعود  مجددا للواجهة بشكل ملفت , وقد ذكر المحلل السياسي في صحيفة هآرتس الإسرائيلية " أمير أرون " . أن فكرة إقامة وطن للفلسطينيين على أرض سيناء فكرة قديمة عمرها 45 عاماَ , لكن الظروف الآن باتت مواتية لدفعها .

بصورة عامة ووفقا لما تتناقلة دواليب السياسية والإعلام يتمثل جوهر صفقة القرن التي سيمر تنفيذها بعدة مراحل خلال عقد من الزمن أو اقل على إعادة المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية إلى مسارها برعاية أمريكية مع التزام كامل بمبدأ حل الدولتين والإقرار لـ إسرائيل بحدود جدارها كخطوة أولى , مع إمكانية تنفيذ خطة يوشع بن أريه 2003بتمديد حدود غزة حتى العريش ، أو تنازل مصر عن 600 كم2 من سيناء لتوطين الفلسطينيين مقابل حصولها على 200 كم2 من صحراء النقب والسماح لمصر بتواصل جغرافي مع الأردن عبر نفق طوله 10كيلو , يربط البلدين بالخليج , يقابل ذلك التزام إسرائيلي بوقف الاستيطان خارج الكتل الاستيطانية مع السماح للجيش الإسرائيلي بالعمل في الضفة الغربية حيث يتنازل الفلسطينيون عن مساحة من الضفة وجزء من الغور , كما يسبق كل هذا توحيد الصف الفلسطيني ونزع سلاح حماس وتدمير الانفاق , وعند اكتمال مراحل التنفيذ يمكن الإعلان عن دولة فلسطينية بحدود مؤقتة يأتي بعدها إعلان عدد من الدولة العربية التطبيع الكامل مع إسرائيل وتشكيل ما يسمى بالمحور السني الإسرائيلي المناهض لإيران ومن يقف في هذا المحور .

يتضح جلياَ من محتوى المشروع ان الصفقة  مخطط استعماري جديد بالغ الخطورة , وهدفه تصفية القضية الفلسطينية وتقسيم عده دول عربية بعد التأمر عليها وإنهاكها بحروب داخلية فهذا العراق الذي أوصلته المؤامرة خلال سنوات من التدمير والإرهاب إلى عتبات التقسيم والتمزيق ، وربما نفس النهاية والمؤامرة التي تنتظر سوريا واليمن وليبيا ، وصولاً إلى تفكيك منطقة الشرق الأوسط التي تعد دول الوطن العربي قاعدة الإنطلاق فيها ، لضمان أمن إسرائيل وبقاء تفوقها النوعي على العرب وتسليمها مفاتيح المنطقة .

من الممكن أن نسأل الرياض عن "صفقة الأرض مقابل الشواكل" بحكم ما تملكه من رصيد ضخم في مثل هذه الصفقات المشبوه والعلاقات المريبة , بالإضافة إلى ان علاقة السعودية بالصفقة يفوق أي علاقة وتشير الكثير من الوقائع والمعطيات على أنها شريك فعلي وأساسي في هذه الصفقة ، ولوعدنا إلى قضية تنازل مصر عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية ، فان  المسالة تأتي في أطار الصفقة وكانت عربون قامت بموجبة السعودية التي حصلت علية بمنح إسرائيل الأهمية الإستراتيجية لمضيق تيران بجعله ممراً دوليا لا سيادة لمصر علية ، مقابل أن تمنح السعودية لمصر موطئ قدم على الضفة الشرقية للبحر الأحمر ، لتخفيف الغضب الشعبي المصري ضد السيسي ، مع مراعاة الشريك الإماراتي الذي سُمح له فيما بعد الانفراد بالسيطرة على باب المندب وإنشاء قاعدة عسكرية في جزيرة ميون بأشراف ورقابة أمريكية .

هناك وصف أخر للصفقة من وجهة نظر الكاتب المصري في الدولة العميقة عبدالحليم قنديل الذي يرى أنها صفقة ميتة ، وفي مقال مطول قال فيه دفعت دول خليجية أكثر من 500 مليار دولار لإدارة ترامب ، مقابل وعد من الرئيس الأمريكي بصفقة قرن سياسية جرى دفنها في المهد وقد بدت صفقة القرن غبية من البداية ، تعاند الحقائق الأصلية وتتصور أن بوسعها لف الفيل في منديل ولي أعناق التاريخ والجغرافيا ، وتحويل القضية الفلسطينية إلى ورقة لعب على مائدة قمار ، وبناء ما سموه سلاما إقليميا يجذب دول الخليج الغنية إلى تطبيع شامل مع إسرائيل .

نستشرف من مقال قنديل ان هناك غضب لدى صناع القرار بمصر وان كان غير معلن , جراء عدم مراعاة النظام السعودي  للخصوصية التاريخية والقومية لمصر ,والضغط عليها للذهاب للهاوية وحشرها في زاوية ضيقة ، مستغلا ظروف مصر  الاقتصادية الصعبة  كورقة ضغط على نظام السيسي الذي يتم الدفع به مكرها إلى تجاوز المحظور ، وهذا ما يؤكده دكتور العلوم السياسية ورئيس مركز يافا للدراسات رفعت احمد أن الضغوط مستمرة على مصر لتنفيذ المخطط ، من قبل البيت الابيض وإسرائيل والاتحاد الأوروبي وبعض الدول الإقليمية ذات العلاقة الإستراتيجية النفطية والعسكرية مع إسرائيل ,وتحديدا السعودية وقطر وتركيا .

بالنسبة للمصالحة الفلسطينية التي مضت  كالبرق نحو النجاح برعاية مصرية , لا يمكن فصلها عن المشهد العام الخارجي , ولا نتمنى أنها جاءت بناء على ما تم تسريبه حينها بطلب من الرئيس ترامب للرئيس السيسي أثناء زيارته لواشنطن في إبريل 2016م, كخطوات تمهيدية لصفقة القرن والتي يأتي في سياقها عقد مؤتمر سلام الصيف بين الفلسطينيين والكيان الصهيوني نهاية هذا العام .

في الختام تضيق دواعي السلام في المنطقة المشتعلة بفعل وقاحة مشاريع قوى الهيمنة والاستعمار وتداخل المصالح المتناقضة في الهدف والغاية , ناهيك عن تآمر العرب على العرب وخضوع وعمالة ملوك الخليج , وهو ما يوحي أن المنطقة مرشحة لمزيد من التصعيد . والله اعلم .

حول الموقع

سام برس