بقلم يونس الحكيم
ليس الحديث عن الـ30 من نوفمبر 67م مجرد إشارة عابرة بقدر مايكون حديثا شفافا وموضوعيا عن الأثر العميق والسئ الذي تركه

فعلى الرغم من الإعتقاد السائد لدى معظم اليمنيين،أنه (أي 30 نوفمبر) محطة فارقة في حياة اليمنيين وتحولاتهم على دروب النضال والتحرر من المستعمر كونها إمتداد تاريخي وتتويجا لثورة الـ 14من إكتوبر من العام 1963م .

إلا ان هناك من يطعن بصحة تلك الرواية المألوفة، ويضعها في خانة التساؤلات التي تبحث عن إجابات مقنعة،وقد تكون صادمة مقارنة بحجم التبجيل والتمجيد التى نالتها تلك المناسبة طيلة نصف قرن من عمرها.

ورغم التباين في إطلاق المسمى الحقيقي لها كون البعض يصفها بأنها ذكرى لخروج أخر جندي بريطاني من اليمن وأخرون يرون في هذا المناسبة أنها تعبر عن حدث تاريخي يتمثل في إستقلال جنوب اليمن عن حكم المستعمر والمحتل.

إلا إن في حقيقة الأمر لم يكن هاذيين المسميين إلا كنوع من مغالطة الذات وإنكار للحقائق والوقائع التي رافقت إعلان ذلك اليوم المشؤم وسيأتي اليوم الذي تتجلى فيه الحقيقة بوضوح ولو بعد حين، ويتضح للعيان أن 30 نوفمبر 67م لن يكون إمتدادا لثورة ال14 من إكتوبر المجيدة بقدر ما كان إلتفاف عليها،تلك الثورة العظيمة التي لن ينكر دورها إلا جاحد أو مكابر، ولا يمكن لأحد التشكيك بها على الإطلاق، فالكل يترحم على شهدائها الأبرار الذين ضحوا بدمائهم من أجل أن ينال هذا الوطن حريته وإستقلاله،لكن للأسف تضحياتهم الجسيمة وأهدافهم النبيلة قد تم ؤآدها والإلتفاف عليها، من قبل إولئك المتحذلقيين الذين سعوا بكل إخلاص إلى زرع البذور الشكوكية في طريقها، حتى لاتحقق غايتها والهدف الأسمى منها، والمتمثل في إعادة لحمة الوطن وعودة الفرع إلى الأصل،كما عادت سيناء إلي مصر وعاد جنوب لبنان إلى لبنان وغزة إلى فلسطين، وبالتالي لم يكن من خيار أمام المتأمرين على الوطن ووحدته وبدعم من المستعمر وحلفاؤه وأدواته في المنطقة،إلا اللجؤ إلى إذكاء الصراع فيما بين أبناء الوطن الواحد، سواءا فيما بين أبناء الجنوب أو فيما بين أبناء الشمال، وذلك من أجل خلق بيئة ملائمة لإستقلال جنوب الوطن عن شماله، وقد تحقق لهم ما أرادوا في ال 30من نوفمبر 67م .

فالجميع يعلم بحيثيات ودوافع الصراع الدائر في أواخر ستينات القرن الماضي بين المكونات الجنوبية وبالتحديد بين جبهة التحرير والجبهة القومية والأخيرة كانت تحظى بدعم وتأدييد من المستعمر.

فعقب سيطرتها على غالبية المناطق الجنوبية،سارع المحتل إلى تقديم موعد خروجه وإنسحابه من اليمن بعد أن وجد حليف آمن وموثوق فيه، وقدم موعد خروجة إلى أواخر نوفمبر من العام 67م بعد أن كان موعد خروجه هو يناير 68م، فتأملوا معي كيف سعى المحتل بنفسه إلى تقديم موعد خروجه وإنسحابه،بعد أن ضمن أن حليفه قد سيطر على جميع المحافظات الجنوبية،وخوفا من أن يفضي هذا الخروج إلى عودة الجنوب إلى وطنه الأم، وعودة ( الفرع إلى الأصل )، وهذا مالايتمناه المستعمر والذي بالتأكيد سيقضي على كل أحلامه ومصالحه، ولم يكن أمامه من حيلة إلا السعي الحثيث والمتواصل عبر حلفاؤه في المنطقة لإقحام الشمال في صراعات حتي يصمنوا إستقلال الجنوب بعيدا عن الشمال، وعمدوا على تنفيذ المخطط، وبداية ذلك كان في ال28 من نوفمبر 67م، حينما فرضت القوى الملكية حصارا خانقا ومحكما على العاصمة صنعاء،بدعم من حلفاء بريطانيا في المنطقة،وتزامن ذلك مع مفاوضات كانت تجريها بريطانيا مع حلفاؤها في الجنوب "الجبهة الفومية في جنيف "سويسرا "بزعامة اللورد شاكلتون ممثلا للمحتل وقحطان الشعبي ممثلا للجبهة القومية ،وخرجت بالعديد من العديد من البنود وعددها (17)بندا كان من أهمها :

البند الأول الذي ينص على : يستلم الجنوب العربي حقه في الإستقلال في ال30من نوفمبر من العام 67م على أن تضمن بريطانيا لها إعتراف في الأمم المتحدة كدولة مستقلة مقابل خروج آمن للمحتل، كما تضمن البند الثاني من بنود الإتفاق، إلتزام المحتل بنفقات وموازنة الدولة الوليدة للعام 68م، وكان هذا الإتفاق في عصر يوم ال29من نوفمبر 67م، ودعيت جميع وسائل الإعلام المختلفة لتغطية فعالية هذا الحدث،وبعدها غادر وفد الجبهة القومية جنيف فورا عائدا إلى عدن بعد الحصول على إعتراف بريطاني بالجنوب كدولة مستقلة،بعد أن خرجوا للأسف على كل القيم والمبادئ التي قامتاثورتا سبتمبروإكتوبر المجيدتيين عليها، وناضلتا من أجلها، وخانوا دماء شهدائهما.

ودعونا نقف وقفة بسيطة عند هاذيين البنديين فقط، فالبند الاول الذي ينص على حق دولة الجنوب العربي في الإستقلال في ال 30 من نوفمبر 67م، فتصورا معي كيف تم التفريط بأهداف الثورة اليمنية وكيف تحول النضال من طرد للمحتل والمطالبة باستقلال اليمن عن بريطانيا إلى إستقلال" الجنوب العربي" كما يسمونه عن اليمن، ولو اختلف المسمى لاحقا، إلا إن المضمون ظل باقيا هذا أولا، وثانيا بالله عليكم يامن تسمون هذه المناسبة بخروج أخر جندي بريطاني من اليمن، كيف تم ذلك الخروج بعد ساعات من توقيع هذا الإتفاق الذي إبرم عصر ال 29 من نوفمبر؟!! ألا تحتاج الدولة المستعمرة لكي تسحب قواتها وجنودها لبضعة أشهر؟!! فكيف تم خروج أخر جندي بريطانيا في 30 نوفمبر ولم يصل الوفد المفاوض إلا عصر ذلك اليوم؟!! وكيف إحتفى الشعب الجنوبي بقحطان وإستقبلوه بشوارع عدن وجميعهم لا يعلم حينها بمضاميين هذا الإتفاق!!.هذا من ناحية ومن ناحية إخرى لم نسمع بمحتل بعد خروجه يتبنى نفقات وموازنة الدولة الوليدة التي سيتخلفه إلاكما حصل مع دولة الجنوب!!، فقد تبنى وفقا للبند الثاني من بنود المفاوضات بموازنة دولة الجنوب المستقلة!

خلاصة مايمكننا قوله إن ال30 من نوفمبر 67م ليست سوى مؤامرة وخدعة تاريخية لإستقلال جنوب اليمن عن شماله .

ولا ندري هل بعد هذا سيصر الشعب اليمني وخاصة أبناء الشمال على توصيفها بالمناسبة الوطنية؟! وتسميتها بعيد الجلاء وخروج اخر جندي بريطاني من اليمن؟!! وهل سنظل نستغفل أنفسنا ونغالطها بهذه الترهات؟!!فبأي عدسات مازالنا ننظر إذن لهذه المناسبة؟!فماذا بعد أن نتيقن إن هذه المناسبة هي من صنيعة المستعمر عبر حلفائه وأدوات المنطقة بغية طعن ثورة 14 إكتوبر في الخاصرة وإجهاضها والإلتفاف عليها.

ولمن لا يزال يصر على مغالطة نفسها ومغالطة الاخرين ويصفها بأنها حدث تاريخي لإستقلال اليمن عن المستعمر البريطاني، نقول لهؤلاء وماذا عن ثورة 14 إكتوبر ألم تقوم ضد المستعمر من أجل تحرر جنوب اليمن وإستقلاله ككل عن المستعمر،أم الأمر لدينا مختلف عن كل دول العالم التي إستعمرت وتحررت، وإتخذت من اليوم الذي إنطلقت فيه شرارة الثورة لطرد المحتل مناسبة وطنية تعرف بذكرى الإستقلال!! مايعني إن 14 إكتوبر هو ذكرى الإستقلال الحقيقي، أما ال 30 نوفمبر ليست إلا إغتيال سياسي لحلم اليمنيين كافة،وهذه هي الحقيقة التي دأب الكثيرين على إخفاءها، وما دعانا للكتابة حول هذا الموضوع وفي هذا التوقيت، إن وطننا الحبيب يمر في هذه الأونة، بمؤامرة شبيه،إستنساخا للتجربة المريرة التي ذكرنا والمتمثلة في إقحام الشمال في صراعات من أجل خلق بيئة ملائمة لإستقلال الجنوب مرة إخرى، بدت معالمه تبرز للعلن، والتاريخ يعيد نفسه، وماأشبه الليلة بالبارحة ودمتم ودام وطننا اليمني الكبير بألف خير


حول الموقع

سام برس