بقلم/ / عبدالملك العفاري
إنّ أزمة الاوطان اليوم هي أزمة قيادات، فالشعوب لديهم شعور بعدم الثقة بقادتهم ولديهم شعور بالخوف والشك وعدم التأكد حول مستقبل وطنهم، وحول أعمالهم ومستقبلهم الشخصي في ظل قادة ديكتاتوريين وفاسدون وتقليديون دمروا أوطانهم وجعلوها في الحظيظ والتخلف والجهل.

فالقيادة وخصوصا القيادة الإستراتيجية هي أساس ازدهار أي وطن فالقادة الاستراتيجيون هم المبدعون والمبتكرون والقادرون على مواجهة التحديات واتخاذ القرارات في أصعب الحالات وهم سبب التقدم والتطور في أوطانهم بمشاركة وشحذ همم شعوبهم وتوجيه جهودهم نحو العمل والإبداع والابتكار والإنتاج.

والمتتبع للأحداث في الأعوام الماضية والحاضرة يجد أن الدول المتقدمة والمتطورة التي نجت من الأزمات ونهضت من الحظيظ والجهل والتخلف إلى القمة والعلم والتكنولوجيا والإبداع والابتكار والإبداع والتميز ومن الظلم والفساد والفوضى إلى العدل والمساواة والمشاركة الجماعية في بناء أوطانها هي من انتهجت القيادة الإستراتيجية بأبعادها ومهاراتها وأساليبها.

ولا يمكن للمرء أن يكتب عن القيادة بشكل عام والقيادة الإستراتيجية بشكل خاص دون أن يستلهم أساليبها ومهاراتها وأبعادها من المنهج القيادي لرسولنا الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم.. الذي علم البشرية كيف تقاد الأمم وكيف تصنع الرجال وكيف تعزز المبادئ وكيف تبنى الأخلاق وكيف تترجم إلى الأقوال إلى أفعال.

نعم إنه محمد صلوات ربي وسلامه عليه المعلم والقائد الأعظم في تاريخ البشرية .. كيف لا وهو الذي زكاه ربه في صدقه فقال سبحانه: "وما ينطق عن الهوى".. وزكاه في علمه فقال سبحانه: "علمه شديد القوى".. وزكاه في حلمه فقال سبحانه: ".. بالمؤمنين رؤوف رحيم" .. وزكاه في خلقه فقال سبحانه: "وإنك لعلى خلق عظيم".

فإن كانت القيادة الإستراتيجية تعرف بإنها القيادة التي لها القدرة على الرؤية المستقبلية والإبداع في تجسيدها في ظل بيئة يكتنفها التعقيد .. فإننا نجد أن المهام التي أوكلت للرسول صلى الله عليه وسلم جسام وعظيمة لم يكن من السهل لأي إنسان أن يقوم بها .. فقد اوكل إليه مهمة تحويل المجتمع الكافر الذي يعبد الأصنام إلى مجتمع مسلم يوحد الله سبحانه وتعالى ويعبده على بصيرة فقام بحمل المهمة خير قيام رغم كل الصعاب والتعقيدات.

إن سيرته صلى الله عليه وسلم مليئة بمظاهر النمط الإبداعي والابتكاري كقائد استراتيجي ملهم ومؤثر في كل من حوله يتخذ القرار الإستراتيجي لمواجهة الخطر القادم ويخلق المناخ المناسب للإبداع والابتكار ويغتنم الفرص ويحسن توظيف الطاقات الإبداعية ويشجع المبادرات ويركز على المبادئ والقيم ويهتم بإعداد القادة وتطويرهم ويختار الرجل المناسب في المكان المناسب.

فلنا في صلح الحديبية وفي غزوة الأحزاب وغيرها من الغزوات والأحداث والمواقف والأعمال والقرارات لرسولنا الاعظم العديد من الدروس والعبرة في شخصيته القيادية الإستراتيجية العظيمة العبقرية الفذة.

من هنا قاد المسلمون العالم ورفعت الأمة الإسلامية شأنها وقدرها واستطاع القائد الاستراتيجي الرسول الاعظم "محمد ابن عبدالله" وصحابته ومن حوله أن يتفوقوا على الفرس والروم أعظم دولتين وامبراطوريتين آنذاك. ومن هنا يا قوم في وقتنا الحاضر "عصر الانحطاط" سقطنا وتفوقت علينا الأمم وأصبحنا في الحظيظ وفي الدرك الأسفل من الجهل والتخلف والفوضى والدمار.

تبا للقادة الفاسدين فكم نحن اليوم بحاجة إلى قادة استراتيجيون كحبيبنا وقدوتنا محمد صلى الله عليه وسلم .. قادة يتخطون الأزمات ويواجهون الأخطار .. قادة ينشرون العدل والمساواة .. قادة يتصفون بالإنسانية والنزاهة والمسؤولية والقدوة والثقة والأمانة والإبداع والابتكار والمبادرة.

ولكم نتمنى بمناسبة ميلاده ولادته صلوات ربي وسلامه عليه أن يكون ميلادا للافعال لا الأقوال والشعارات فقط .. ميلاد أمة ووطن وميلاد فكر وإرادة وميلاد حرية وعدل ومساواة في ظل قيادة عبقرية فذة وبتعاون الشعب بأكمله ..

حول الموقع

سام برس