بقلم / احمد عبدالله الشاوش

غادر الرئيس السابق علي عبدالله صالح ، حياة الغاب وجحيم السلطة ومغريات الحياة الى الرفيق الاعلى مؤمناً ،شامخاً، شجاعاً، مقاوماً ، الى جوار ربه ، وفاضت روحه في معركة قضت ارادة الله ان يغادر المشهد اليمني" شهيداً" مهما تضاربت التفسيرات والتأويلات والخطاء الذي وقع فيه من عدمه ، لاسيما بعد ان سقطت الحكمة والعقل والمرؤة والنخوة والاصالة والعروبة وترنحت العادات والتقاليد والقيم الانسانية السامية مندو الربيع العربي وحتى اللحظة ، وسقوط الرجال ، وشموخ المرأة اليمنية التي ضربت أعظم الدروس في ميادين التضحية والبطولة والشرف من بينها المطالبة بجثة صالح التي لا أعتقد ان اخلاق السيد عبدالملك الحوثي ترى مانعاً في تسليم الجثة لمواراتها الثرى مهما كان الخلاف.

سيُسجل التاريخ عاجلاً أم آجلاً ان "الخيانة" متأصلة في عروق الكثير من اليمنيين ، وان "الغدر" عنواناً للقبيلة وتجارة قذره للمشايخ والقيادات العسكرية ورجال الدين والنخب السياسية والمثقفين الفاسدين منذ الرضعات الاولى للطفولة إلا ماندر ، كما ان التاريخ سيسطر في اجمل واقبح صفحاته ، مشاهد العار وصور الخيانة والفوضى ومسلسل الغدر والحقد والكراهية والفجور والمآسي التي أدمت وأبكت اليمنيين البسطاء عبر التاريخ .
وتثبت لنا الأيام ان تاريخ اليمن حافل بالخيانة والغدر والتآمر منذ أكثر من الف عام ، عندما كان يتم تصعيد امام ويسقط امام وتنصيب حاكم واسقاط آخر ، ووصلت معالم تلك الثقافة الى الإطاحة بالمشير عبدالله السلال وعبدرالرحمن الارياني وابراهيم الحمدي و"علي عبدالله صالح" والصور كثيرة للمسلسل الدامي ، مما يؤكد ان الحوثيين سيشربون من نفس الكأس ان لم يؤسسوا دولة النظام والقانون بعيداً عن المشايخ ومزاج القبيلة المتقلب ا لذي أدمن تقديم القرابين اشباعاً لثقافة " الخيانة" ورغبات " الغدر" ونزعات " التوحش" الذي يتقنها تجار القبائل والنُخب الفاسدة الرامية لاقلاق أمن واستقرار اليمن وضرب تنميتها ومسخ اجيالها بالفكر الضال والافراط في سموم التبعية المقيته.

لقد صُدم الشعب اليمني والعالم أجمع بمقتل الرئيس السابق علي عبدالله صالح في منزله ، بعد ان دُبر مقتله في ليل وأصبح رأس صالح الهدف الاول وفق صفقة محلية واقليمة ودولية لتمرير سيناريو مريع من شانه اغلاق الصندوق الاسود وطي صفحة من تاريخ اليمن وتعبيد الطريق نحو سيناريو لايعلم مفاتيحه إلا الراسخون في دهاليز السياسة.

واكثر ماصدمني وهز كياني كمواطن يمني لم يستفد في الجاهلية والاسلام وحتى في أيام ا" صالح" كسائر اليمنيين الشرفاء هو " الخياا ااااانة" ، خيانة مشايخ وقبائل اليمن والقادة العسكريين والامنين وبعض الوجهاء والمؤتمريين والنخب السياسية ورجال الدين من اللقطاء والصعاليك والفاسدين والمتسولين واللصوص الذي انتشلهم" صالح " من قارعة الطريق الى مناصب لم يحلموا بها على الاطلاق ونهبوا ثروات البلد وتآمروا على اليمن واوصلوا اليمن وصالح الى النهاية المأساوية ، في حين ظل البسطاء من ابناء المؤتمر والاحزاب الاخرى والمعارضين الشرفاء هم من وقفوا مع اليمن وصالح في احلك الظروف دون ان يحصلوا على شربة ماء ، لبساطته وتسامحه وتعايشه مع الصديق والعدو بصورة سحرة القلوب.

ورغم ذلك الرحيل الصاعق والحزين ، إلا ان نص وصية صالح المكتوبة قبل رحيله المريع التي قال فيها "فِي هذه اللحظات لا ادري نفسي الا بين الكثير من "الخونه" الذين باعو اليمن بثمن بخس تحيتي إليكم أيها الشعب اليمني العظيم نلتقي في الفردوس الأعلى" ، رسالة حملت الكثير من المعاني الجلية ، ان على من يريد ان يحكم ويأمن عليه بضرب اوكار الخيانة أينما وجدت ، وان مقدار النجاح هو بتعيين القوي الأمين وتنصيب شرفاء الامة وليس اللقطاء وارباب السوابق و الشوارع أو الاعتماد على خونة " طوق" صنعاء وغيرها من حواضر اليمن .
والتاريخ يسرد لنا عدداً من الخونة الذين ساهموا في دمار الانسانية وحولوا العالم الى جحيم وعلى سبيل المثال لاالحصر " يهوذا الاستقريوطي" الخائن الاكبر من بين الحواريين الاثني عشر وفقاً لكتاب " الانجيل" الذي خان السيد المسيح وسلمه للسلطات الرومانية مقابل 30 قطعة فضية بعد ان اتفق مع الرومان بشفرة تقبيل يد المسيح وهي التهمة التي ادت الى الحكم عل المسيح بالموت والصلب ، والخائن " النرويجي فيدكن " الذي مكن هتلر من غزو النرويج بكشف العديد من الاسرار ، والخائن الصيني الاكبر " وانغ ينغ وي" للتآمر مع اليابانيين ، والجنرال الامريكي الخائن بينيديكت آرنولد" الذي ساهم في اشعال فتيل الثورة الامريكية ومن ثم تغيير ولائه لوطنه ويصبح عميلاً لـ " بريطانيا" ، والخائن" بروتوس" ابن اخت الطاغية الروماني يوليوس قيصر بعد ان استدرجه عدد من اعضاء مجلس الشيوخ المتآمرين عندما كان يتجول في القصر مع بعض مرافقيه ثم قاموا بمهاجمته وقتله.

أقول مأثورة في الخيانة و الغدر:

عندما سؤل ونستون تشرشل عن رأيه بالشعوب العربية قال جملة تاريخية : إذا مات الانكليز تموت السياسة وإذا مات الروس يموت السلام وإذا مات الأميركان يموت الغنى وإذا مات الطليان يموت الإيمان وإذا مات الفرنسيين يموت الذوق وإذا مات الألمان تموت القوة وإذا مات العرب تموت " الخيانة ".

وقال مريد البرغوثي ، من عادات العرب الكرم والشهامة والنخوة وقتل بعضهم البعض.

اما صدام حسين فأوجز ،إن الصهيونية المسيطرة على مقدّرات العالم اليوم لا تسمح بظهور قائد عربي مسلم يحب أن يسير على خطى أجداده من القادة التاريخيين العظماء، بل تريد القادة العرب والمسلمين مجرّد موظفين صعاليك يسهرون على حماية المصالح الصهيونية في بلادهم مقابل حفنة من الدولارات، تماماً كما يُعلف الحمار تمهيداً لتكليفه بمهمة شاقّة .

وقالت أحلام مستغانمي ، لا أعرف أمةً غير "العرب" تكفلت بتحقيق أمنيات أعدائها وخاضت الحروب نيابة عنهم.

وقال فلاديمير لينين ، المثقفون هم أكثر الناس قدرة على الخيانة، لأنهم أكثرهم قدرة على تبريرها.

ولعل أقدم الخيانات التي سجلها التاريخ العربي كانت تلك التي اقترفها «أبورغال: قسي بن منبه بن النبيت بن يقدم» (نحو 50ق.هـ ـ 575م) من أهل الطائف، في ديار ثقيف، فإبان زحف جيش «أبرهة الحبشي» (53ق.هـ ـ 571م) على مكة لهدم الكعبة، وقطع الطريق على النهوض العربي الذي أطل زمانه، وفي ظل إجماع عربي ضد غزوة الفيل، التي كانت تتعرض أثناء سيرها من اليمن إلى مكة لإغارات القبائل العربية، زينت الخيانة لـ«أبي رغال» الخروج على الإجماع العربي، فتطوع ليكون دليلاً لجيش الأعداء، يقودهم إلى احتلال مكة وهدم بيت الله الحرام.

عندما زحف الصليبيون على المشرق العربي واقتحموا القدس (عام492هـ/1099م) ظهرت قرون الخيانة في صفوف قطاعات من المسيحيين الشرقيين
يهود خيبر الذين عاهدوا الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين على أن يكونوا جزءاً من أمة السياسة ورعية الدولة، يحمون المدينة مع المؤمنين، ويحاربون معاً ويسالمون معاً، إذ بهم يخونون العهد، بل ويخونون التوحيد الذي يؤمنون به، ويذهبون إلى مشركي قريش، يحرِّضونهم على قتال المسلمين، ويتعهدون لهم بتمويل هذه الحرب.

وفي «غزوة الخندق» (ذي الحجة سنة 5هـ)، التي اجتمعت فيها قوى الشرك على إبادة المسلمين ودولتهم، تعهد يهود خيبر لمشركي غطفان بثمار سنة كاملة من مزارعهم وحدائقهم لقاء اشتراكهم مع قريش في غزو المدينة المنورة! وشارك بعض زعماء يهود خيبر وبني النضير في هذه الحرب، ونقض زعيم يهود بني قريظة كعب بن أسد عهده مع الرسول صلى الله عليه وسلم، وفتح للمشركين ثغرة في الحصار، عندما بلغ الحصار الذروة، وزاغت الأبصار، وبلغت القلوب الحناجر، وابتُلي المؤمنون وزُلزلوا زلزالاً شديداً.

وعلى درب هذه الخيانات، سار المنافقون من أهل المدينة الذين مردوا على النفاق؛ فأشاعوا الهزيمة النفسية إبان الحصار، وخذَّلوا عن الإسهام في الدفاع عن المدينة، قائلين - كذباً - {إنَّ بٍيٍوتّنّا عّوًرّةِ} (الأحزاب:13)! ثم كشفوا عن وجه الخيانة، سافراً فقالوا: { لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ} (المنافقون:8)، مهددين بتقويض الدولة الإسلامية، وإجلاء المؤمنين عن وطنهم.

وعندما زحف الصليبيون على المشرق العربي واقتحموا القدس (492هـ/ 1099م) وذبحوا وأحرقوا وأغرقوا سبعين ألفاً من أهل المدينة المقدسة، وحوَّلوا المسجد الأقصى إلى كنيس لاتيني وإسطبل للخيل ومخزن للسلاح! ظهرت قرون الخيانة في صفوف قطاعات من المسيحيين الشرقيين، فنقضوا عهدهم مع الأمة والدولة، وشاركوا الصليبيين في الأفراح، وسجل هذه الخيانة مؤرخ الحرب الصليبية «مكسيموس مونروند» في كتابه «تاريخ الحروب المقدسة في الشرق والمدعوة حرب الصليب.

تحالف شاور مع الفرنجة إبان الصراع الطويل بين دول الفروسية الإسلامية وبين الكيانات الصليبية، تحالفت قطاعات من الدولة الفاطمية مع الصليبيين ضد الجيوش الإسلامية، التي قادها أسد الدين شيركوه (564هـ/ 1169م)، وصلاح الدين الأيوبي (532 - 589هـ/ 1137 - 1193م) والتي جاءت لرفع التهديد الصليبي عن مصر والقاهرة، فتحالف الوزير الفاطمي «شاور» (564هـ/ 1169م) مع الفرنجة الصليبيين الذين سماهم «الفرج»! وعقد معهم معاهدة دفعت بموجبها مصر الجزية للجيوش الصليبية، التي عسكرت حامية منها على أبواب القاهرة، وبيدها مفاتيح أبواب العاصمة!

واثناء سقوط الدولة الفاطمية التي مكن ضعفها للغزوة الصليبية، وإعداد صلاح الدين الأيوبي لتحرير القدس وفلسطين من الصليبيين، تحالف أركان هذه الدولة الفاطمية المنهارة مرة أخرى مع الصليبيين ضد صلاح الدين الأيوبي، وضبط صلاح الدين المراسلات بين جوهر الخصي، مؤتمن الخلافة الفاطمية، وبين الصليبيين؛ فحاكمه، وأعدمه سنة 564هـ/ 1169م وهزم جنده ومؤيديه.

وفي عام 656هـ/ 1256م أدت خيانة الوزير ابن العلقمي (593 - 656هـ/ 1197 - 1258م) وشيعته الدور الأكبر في تمكين التتار من دمار بغداد والمشرق الإسلامي والعربي، على النحو الذي ذهب مثلاً في تاريخ الإبادة والدماء، فسقطت الخلافة العباسية، ودمرت الكنوز الفكرية والحضارية ببغداد، وقتل من أهلها أكثر من ثمانمائة ألف - بمن فيهم الخليفة وأركان دولته .

وفي ظل الاحتلال التتري لدمشق عام 658هـ/ 1260م، دفعت الخيانة قطاعات من النصارى للانحياز إلى التتار، ووصف المقريزي (766 - 845هـ/ 1365 - 1241م).

وبعد إسقاط غرناطة بالأندلس (897هـ/ 1493م)، انطلقت غزوة صليبية جديدة، قادها البرتغالي «فاسكو دي جاما» (1469 - 1524م) رافعة شعار: «التوابل والمسيح»؛ أي ثروات الشرق وتجارته الدولية، وتنصير المسلمين

وفي العصر الحديث، أعلن «بونابرت» (1769 - 1821م) وهو في طريقه من مرسيليا إلى الإسكندرية لغزو مصر والشرق (1213هـ/ 1798م) أنه سيجند عشرين ألفاً من أبناء الأقليات المسيحية ليكونوا أعواناً له على بناء إمبراطوريته الاستعمارية.

shawish22@gmail.com

حول الموقع

سام برس