بقلم/ خالد عياصرة


يدرك الملك عبد الله الثاني حاجة الأردن الإعادة التفكير الجذري في اساليب إدارة الملفين الداخلي والخارجي، بعد عزله ومحاصرته من قبل حلفاءه بعدما تحولوا لخناجر قاتلة تهدد وجوده، وخدمة لمشاريع المنطقة، سيما مع دخول لأعبين جدد ساحتها.

الأوضاع الإقتصادية، والعلاقات مع دول الخليج، وأميركا، وأزمة العلاقات مع إسرائيل، الى جانب شح المساعدات الدولية، أزمات اللاجئين، عوامل ضغط كبرى تهدد البلد واستقراره خصوصاً مع تشابك الملفات مع بعضها البعض، الا أنها تبقى ملفات ثانوية تتبدل بتبدل رياح المنطقة واصطفافاتها.

كما يدرك الملك ان السند الحقيقي للنظام واستقراره مرتبطٌ بشكل عضوي بالعشائر الأردنية.

هذا الإدراك لم يأت من فراغ، بل نتيجة لتجارب سابقة تم الرهان عليها وخسارتها، ما أسهم في تعميق أزمات الأردن وتضخيمها، أدت الى الخوف من تقديم تنازلات مصيرية تهدد كيانه وهويته الوطنية، بل وشكله الحالي الذي بات تحت رحمة من أُعتقد يوماً أنهم حلفاء يمكن الإعتماد عليهم.
دعم العشائر تشكلُ العشائرُ الأردنية عمادَ الدولة الإستراتيجي، أسهمت في استقرارها وأبعدت شبح الفوضى عن جنباتها.

لكن، أزمة النظام ليست في مشاريع الأقليم والضغوطات التي تثقل كاهله، لكون الأزمة هامشية، بل في إستعادة العلاقة مع العشائر كواحدة من أهم ركائز البلد بإعتبارها أزمة رئيسيه لا يمكن القفز عنها.

تاريخياً، كانت العشائر في مقدمة أولويات الملك حسين – رحمه الله – إذ تناغمت القيادة في علاقة حميمية معها، كما أسهمت في إنتاج قيادات دعمت الملك وساندت تحركاته، فكانت مضارب العشائر الديوان الملكي الرديف للنظام ساهمت في انتشال الأردن من مستنقعات الأقليم و الأخذ بيده الى بر الأمان

مع رحيل الحسين، وبداية العهد الجديد تراجعت أهمية العشائر، مقابل افساح المجال لمجموعات ليبرالية شوهت واقصت من اختلف معها، بهدف تمهيد المجال لتهديم مؤسسات الدولة، خدمة للصفقات والجوائز الكبرى وسادتها.

وعليه، تم تخليق أزمات تهدد النظام، إذ رأت أن الوسيلة الوحيدة التي تملكها ترتكز على تقسيم العشائر للسيطرة عليها ما أدى الى ردة فعل عكسية تمثلت في اسقاط الثقة بالنظام الأردني.

لذا بات من الضرورة بمكان، إعادة ترتيب العشائر وبناء هيكلتها لتتوافق مع تحركات النظام، بهدف خلق جبهة داخلية قوية، فالعشائر تمثل العمود الفقري – الأمني والعسكري – للبلد، الى جانب إنتاج اصلاحات جذرية، كما تتطلب التخلص من مخلفات السنوات الماضية سياسياً واقتصادياً ومجتمعياً لمساندة الدولة داخلياً وخارجياً

صحيح أن مقدرة الملك عبد الله على المناورة السياسية في الخارج ملفتة للنظر، لكن هذه الثيمة يتلاشى تناغمها داخلياً بشكل محبط، مما يجعل الصورة العامة غير واضحة.

تحرك اسرائيل القذر

تتصاعد نبرة العداء الإسرائيلي إتجاه النظام الأردني، العديد من الصفعات المدوية وجهتها السياسية الخارجية الأردنية لوجه نتنياهو وحكومته، من اليونسكو – اعتبار الأقصى والخليل ملكاً للمسلمين – الى الوصاية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في الضفة الغربية، الى مقتل القاضي رائد زعيتر، مع أحداث السفارة الاسرائيلية في عمان، رفض الحكومة إعادة السفيرة الإسرائيلية قبل محاكمة القاتل الذي اعتبره نتنياهو بطلاً قومياً، أدت الى إطلاق التحركات الإسرائيلية القذرة لتشويه صورة الدولة خارجياً.

كما تنظر الحكومة الإسرائيلية الى رفض الملك عبد الله زيارة تل أبيب سبباً في زيادة نبرة العداء الرسمي والشعبي ضدها، فنظرة نتنياهو ومن خلفه اليمين المتطرف، ترى:” أن السلام مع الملك لا مع شعبه “ في حين يرى الملك عبد الله الثاني سياسية وتصرفات رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو:” تفجر غضبنا، وتزعزع الأمن، وتغذي التطرف” ما يعني أن الملك يقترب يوماً بعد يوم من الشعب في نظرته للعلاقات مع إسرائيل وجدوى معاهدة السلام – وادي عربة – خصوصاً مع إعلان دونالد ترامب عن نقل السفارة الأمريكية والإعتراف بالقدس عاصمة أبدية لدولة الإحتلال الإسرائيلي
معضلة القادة الجدد في الخليج
لا شك يشكلُ الجيل القيادي الشبابي الجديد في – بعض – دول الخليج العربي حديث العالم، لا نتيجة العبقرية والمقدرة على إيجاد مشاريع اقليمية تحلحل أزمات المنطقة، تواضع المدخلات وقصور المخرجات في التعاطي مع ملفات كبرى لا يملكون حيالها أي خبرة سياسية، خصوصاً ما تعلق بفلسطين، التي يُراد إعادة ترسيم ملامحها، لا اعتباراً للشعب الفلسطيني وحقه التاريخي في أرضه ومقدساته، بل انطلاقاً من مصالح انظمتهم المحصورة في التطبيع مع إسرائيل لمواجهة رعبهم من المشروع الإيراني

أردنياً باتت السياسية الخليجية الجديدة تهديداً حقيقياً للدولة، فهم في حصارهم وعزلهم للأردن يتماهون مع استراتيجية اليمين الإسرائيلي المتطرف وحكومته ومشاريعها.

وهذا ما ترفضه الدولة الأردنية، بذا كان حصار الأردن ومنع المساعدات عنه، بالتنسيق مع الولايات المتحدة، لإرضاخه، كمقدمة للقبول بالتسويات الجديدة على حساب مصلحته الوطنية، خصوصاً بعدما بدأت تتكشف ملامح المشروعات الأمريكية الإسرائيلية، بداية من قرار نقل السفارة الى القدس، ما يعني قرب ترحيل فلسطيني الضفة الغربية الى دول الجوار، مع التأكيد على رفض عودة اللأجئين الى أراضيهم المحتلة، ما يهدد الهوية و الأمن والإستقرار والوجود الأردني.

وبلغة أكثر وضوحاً، تحركات القيادات الخليجية الجديدة بإتجاه الأردن موجهة للنظام الأردني الذي يريده “ موظفاً “ يتبع رغباته ونزواته، يتم تحريك حجارته خدمةً لمشروعه الإقليمي، وإلا تم عزله و خنقه !
الخلاصة:

وعليه، بات لازماً على الدولة الأردنية ملكاً ونظاماً، إعادة البحث في خيارات سياستها الداخلية والخارجية، انطلاقاً من إعادة الثقة والإعتبار للعشائرالأردنية، وليس نهاية بالبحث عن حلفاء جدد كقطر وتركيا ومصر وروسيا، حلفاء يحترمون إصدقائهم باعتبارهم شركاء لا أجراء يمكن عزلهم وتهديدهم .
kayasrh@gmail.com
رأي اليوم

حول الموقع

سام برس