بقلم / أحمد عبدالله الشاوش

المتابع للمشهد السياسي في اليمن يلحظ ان مستقبل المؤتمر الشعبي العام اليوم في مهب الريح ، نظراً للزلزال العنيف الذي عصف برئيس المؤتمر الزعيم علي عبدالله صالح وامينه العام عارف الزوكا ، وانعكاساته الصادمة على قياداته وكوادره وقواعده المصعوقة من هول المغامرة التي نفذتها جماعة الحوثي في الرابع من ديسمبر 2017م تحت ايقاعات "الفتنة ،" وحالات الثأر والانتقام المتوافقة مع ارادة بعض القوى الاقليمية والدولية التي جعلت رأس صالح " ثمناً" لإجهاض مشروع الدولة واستمرار الفوضى، وفشل المتصارعين المحليين والاقليميين والدوليين في تحقيق أحلام السيطرة على اليمن حتى اللحظة ، رغم تضليل وسائل الاعلام.

وأياً كان الحدث الجلل والدراما المرعبة ، فإن مغامرة " صالح" و تنقله في حقول الألغام المتعددة وممارسة هواية الرقص مع الثعابين والتنازلات الكبيرة مع الشريك " المفترس" أوصلته الى نهاية مأساوية جعلت التعايش ضرب من الخيال وهو ما أدى الى انتقاله الى الفردوس الاعلى في مشهد هز اليمنيين والعالم ، ليطوي التاريخ صورة من صفحاته المؤلمة بعيداً عن خونة الأرض والاعيب طوق صنعاء ،،، التي سقطت فيها جميع الحسابات والرهانات السياسية " ، وهو ما أوقع الحوثيون في مطب كبير وسخط شعبي ومسؤولية بلاحدود على مستوى الداخل اليمني والخارج ، وحملهم مالا يطيقوه.

وبمقتل صالح فقد الوطن الامل في استعادة ما تبقى من دولة المؤسسات ، وفقدت " الامارات " الرجل الأقوى والأكثر اتزاناً ومرونة بعد ان كانت تأمل تحقيق بعض المكاسب ، في حين مثل اغتيال صالح ضربه كبيرة لاستمرار استنزاف السعودية ، رغم ان مقتل صالح هو هدف رئيس لتحقيق رغبة السعودية لتجاوزه الخطوط الحمراء ضمن ايقاعات الانتقام المتصارعين ، بينما كان يسعى صالح الى إيقاف العدوان ووقف الصراع ورفع الحصار واحداث تسوية سياسية من شانها إحلال السلام بين صنعاء والرياض ، ، لكن في حقيقة الامر يظل المستفيد الأكبر من ذلك المشهد المروع منذ الربيع العربي هي الولايات المتحدة الامريكية التي لها اليد الطولي في تهييج الشارع اليمني عبر سفيرها السابق في صنعاء بأموال " قطر" والتنسيق مع بريطانيا واسرائيل ، ودخول ايران بقوة على خط الازمة مؤخراً وفقاً للغة المصالح.

ولذلك فإن قراءة المشهد السياسي لقتل صالح تحمل أكثر من رسالة :

الأولى : أياً كانت الأسباب والمسببات فإن الدراما المأساوية لقتل صالح هو نتيجة حتمية للتخلص من فكر وثقافة مشروع الدولة الذي كان يحمله الزعيم علي عبدالله صالح المتجسد في أهداف ثورة 26 سبتمبر 1962م ، والمحافظة على النظام الجمهوري والوحدة اليمنية وتحقيقي الوحدة العربية والايمان بمبادئ الديمقراطية والحرية وقيم التسامح والتعايش والتطلع الى الاستقلال السياسي والسيادي وهو ما ينسجم مع تطلعات الشارع اليمني ولذلك تم تصفيته محلياً بإرادة إقليمية ودولية باعتباره العقبة الكبرى .

الثاني : ان القضاء على صالح هو نهاية ممنهجة للقضاء على كافة مراكز القوى العسكرية والأمنية والرموز الوطنية وغير الوطنية والمشايخ ورجال المال والاعمال الذين أصبحوا تحت رحمة بندقية " انصار الله" لتعبيد الطريق نحو الهيمنة.

والثالث : يتمثل في ان تغييب صالح عن المشهد السياسي ربما يكون له عوامل خارجية لاسيما بعد ان بدأ صالح في تسريب أول وثيقة خطيرة من الصندوق الأسود عن المراسلات السرية بين السعودية وامريكا المتعلقة بفلسطين ...

والرابع يتمثل في احتواء حزب المؤتمر بالعاصمة صنعاء من قبل انصار الله والخلاص من القيادات المؤتمرية المتواجده في الخارج التي تملك من الكاريزما ما يوحد صفوف التنظيم وتؤثر في الشارع اليمني ، ما جعل بعض القيادات في الرياض والقاهرة وابوظبي للمسارعة في استنساخ الصورة الثانية وفق هوى " الشرعية" وهوما أصاب حزب المؤتمر الشعبي العام بشلل " الاعفاط"!!

وخلاصة القول ، أن الوضع الطبيعي للمؤتمر الشعبي العام ليس في قيادات صنعاء أو سلطة الرياض وأبوظبي او فنادق القاهرة أو مجرد بوق في الفضائيات والدهاليز السياسية ، وحضور اجتماعات الفنادق هنا وهناك وتعميم البيانات الجاهزة المكتوبة بالحبر المحلي مع بعض النكهات الإقليمية والدولية ، وانما خروجه من حالة " الاحتضار" مرهون بتحقيق التسوية السياسية واحلال السلام في اليمن ودعوة كافة أعضاء اللجنة الدائمة والأمانة العامة واللجنة العامة لانتخاب قيادة مؤتمرية جديدة تمارس صلاحياتها وفقاً للنظام الداخلي وانطلاقاً من شرعية أعضاء المؤتمر بعيداً عن لغة الاغراءات وفوهات البنادق والمداهمات والتخوين لأي طرف كان .

لأننا نعلم ان المؤتمر الشعبي العام كان منذ تاريخ تأسيسه في الثمانينات مظلة لجميع الأحزاب والتنظيمات السياسية والوجاهات القبلية والدينية ، وواجهة وغطاء سياسي للرئيس الأسبق علي عبدالله صالح الى جانب الجيش والسلطة والثروة ، وكان أشبه بالطابور الخامس للأحزاب الأخرى في حين صمدت الكثير من قياداته وكوادره وقواعده الشريفة في أكثر من محطة مصيرية على خلاف الانتهازيين ، كما ان دق طبول العمل الحزبي كانت تُفعل أثناء اقتراب الانتخابات المحلية والتشريعية والرئاسية ثم تتحول قياداته الى أشبه بأهل " الكهف" ، ولكن رؤية المؤتمر المتوازنة وميثاقه الوطني وثوابته الوطنية وتجرده عن الايدلوجيات حولته الى حزب " شعبوي " بكاريزما صالح والرعيل الأول من المؤسسين ، ورغم ذلك الزخم والتنظيم والشعبية الطاغية لم يرتق الى حزب خالي من شوائب الأحزاب الأخرى التي نخرت فيه وسلخته من الداخل وامتصت دماء منتسبية .

وأخيراً .. نرى ان مستقبل حزب المؤتمر الشعبي العام مرهون بتحقيق عملية السلام بين جميع اليمنيين شرط استعادة " الدولة" اذا ما توافرت النوايا الصادقة في إعادة النظر في احداث ثورة داخل الحزب بعيد عن تأثير مراكز القوى العابثة وفوضى المشايخ وامراض المناطقة والمذهبية والسلالية وكتيبة حسب الله ، كما ان حزب المؤتمر سيظل بلا رأس حتى يتبين الخيط الأبيض من الأسود ، ولنا في الحزب الناصري والاشتراكي والبعث عبره.

shawish22@gmail.com

حول الموقع

سام برس