بقلم / رفعت سيد أحمد
الآن وقد مرّت قرابة الثمانية أشهر على اشتعال الأزمة القطرية مع الدول الأربع، والتي بدأت في يوم 5/6/2017 ولاتزال مستمرة وإن بتنويهات مختلفة سِمتها الرئيسة أن قطر قد تمكّنت مؤقتاً من التكيّف مع حال الحصار ووجدت بعض المخارج له، وأنها الآن تبحث في سُبل الثأر والانتقام، خاصة في أجواء الصراع الاقليمي الدائرة رُحاه بين السعودية ووكلائها من جهة وإيران ومحور المقاومة في الجهة المقابلة، وانتفاضة القدس المجهضة والتي تلت قرار ترامب في 6/12/2017 بنقل سفارة بلاده إلى القدس واعتبار الأخيرة عاصمة موحّدة للكيان الصهيوني، وسط هذه الأجواء نتوقّع أن قطر ستتحوّل إلى (ذئب مُنفرِد) بشكل جديد ولدور مختلف في المنطقة، حول هذا التصوّر دعونا نسجّل ما يلي:

أولاً: في تقديرنا أن هناك علاقة قوية بين ضعف "داعش وهزيمتها هي والتنظيمات الإرهابية الأخرى في سوريا والعراق، وبين مقاطعة وحصار قطر التي تُعتبَر الراعي والمموّل الأول لداعش وغيرها من تلك التنظيمات الإرهابية، لأن قطر – كما أثبتت الوثائق – كانت منذ 2011 هي الدولة الأولى في تمويل الجماعات الإرهابية في ليبيا على وجه الخصوص، وتأتي في الترتيب الثاني في تمويل الجماعات الإرهابية في سوريا والعراق، بعد منظومة الدول الخليجية التي قادتها السعودية، أما تركيا فكانت – ولا تزال – هي الممر، وهي المدرّب في معسكراتها على الحدود مع سوريا (تحديداً معسكر أضنة)، فلا يمكن لأيّ "متطوّع أو مُجاهِد !!" أن يذهب إلى سوريا إلا عبر البوابة التركية.. إذن نحن أمام دور قطري وتركي مؤكّد في التمويل، وتسهيل وصول هؤلاء الإرهابيين إلى سوريا ومن قبلها العراق وليبيا، لكن عندما انشغلت قطر بأزمتها مع هذه الدول الأربع بدأ جزء من جهدها ينصبّ على أزمتها الجديدة، وبدأت يدها تضعف، وتمويلها يقلّ لتلك التنظيمات، هنا.. وهنا تحديداً ينبغي الحذر الشديد من مخطّطات قطر خلال الفترة القادمة، حيث دورها الثأري الجديد، والذي سيدفعها إلى محاولة الانتقام لعزلتها بعمليات عنف مباشرة أو عبر وكلاء، وهؤلاء الوكلاء هم الجماعات الإرهابية التي ربّتها على يديها، وفي مقدّمها "فجر ليبيا" التي تحكم طرابلس فعلياً الآن، ومعها "أنصار الشريعة" وغيرها من الجماعات المسلّحة ممن تقاتل "جيش حفتر"، وتقاتل أيضاً الجيش المصري وتقتل شرطته (حادث الواحات القريبة من الحدود الليبية مثالاً)، لذلك لا أستبعد أن تكون قطر هي إحدى (الذئاب المُنفرِدة) في شكل دولة، وليس أفراداً في المرحلة القادمة، كشكل من أشكال "حلاوة الروح"، أو اليأس، أو نقل المعركة عبر الوكلاء إلى الخارج، حيث "دول المقاطعة العربية" حتى تقلّل الضغط عن نفسها. إن قطر إذن ستصبح (ذئباً مُنفرِداً) طليقاً، وسيكتوي بناره الكثيرين، خاصة حين يشتدّ الخناق عليها!!

ثانياً : من المؤكّد أن انشغال السعودية بمشكلات الداخل وصراع الورثة، سيقلّل من الاهتمام بالملف القطري ولكنه لن يلغيه تماماً ولن يدفع به في اتجاه المصالحة، لأن الأمير (محمّد بن سلمان) الملك القادم لديه هو الآخر ثأراً قديماً مع الأمير الحاكِم في قطر، ومن هنا سيأتي الصِدام وإن كان عبر وكلاء اقليميين، وعبر وسائل غير مباشرة ونفس الحال مع دولة مثل مصر، خاصة إذا علمنا أن قطر ليست دولة بالمعنى التاريخي والقِيَمي لمفهوم الدولة، فهي أقرب لأن تكون (شركة) وليست دولة، وعندما تجد (الشركة) نفسها مُحاصرَة، والحصار يطول، ستحاول أن تؤذي وتؤلِم الذين يحاصرونها بطرق لا تظهر يدها فيها، أي طرق غير مباشرة، وذلك قد يكون عبر التنظيم الدولي للإخوان، والتنظيم الدولي لجماعات الإرهاب، وعبر العلاقة المفتوحة مع تنظيم القاعدة، ولا ننسى أن "الجزيرة" كانت القناة الوحيدة التي كانت تبثّ بيانات وأشرطة أسامة بن لادن وأيمن الظواهري، وأن قطر هي الدولة الوحيدة في العالم التي تتواجد فيها سفارة لجماعة طالبان، وكان ذلك بطلب من المخابرات الأميركية نفسها، كي تكون هناك قناة خلفية بين حركة طالبان التي أنجبت تنظيم القاعدة وبين الولايات المتحدة، فقطر إذن (هي بمثابة جماعة) أو (شركة) وظيفية تقوم بدور لخدمة المخابرات الأميركية.

ثالثاً : إذا كان الأمر كذلك، وقطر قد تحوّلت إلى ذئبٍ مُنفرِد جديد، إذن .. ما المطلوب خلال المرحلة القادمة عربياً بشكل عام، ومصرياً على وجه الخصوص لمواجهة هذه التنظيمات الإرهابية، ومَن يقفون خلفها : بداية على المستوى العربي، مطلوب تنسيق عربي حقيقي، واستراتيجية عربية حقيقية مع دول المقاومة (سوريا – العراق وغيرها) للاستفادة من خبرتها ودورها في مواجهة تلك التنظيمات الإرهابية والدول التي تقف خلفها. لابد هنا من التواصل الجاد مع الدولة السورية والدولة العراقية والدولة اللبنانية وأيضاً الليبية، لأن تلك الدول هي التي تواجه على الأرض تنظيمات داعش وأخواتها.

ثم مطلوب ثانياً، من بعض دول الخليج أن تُغلِق "صنبور" التمويل المالي والفتاوي لتلك التنظيمات الإرهابية في المثلّث "السوري – العراقي – اليمني"، وأن توقِف عداءها للدولة السورية على وجه الخصوص، لأن العدو الآن أكبر، فهذا الوحش الذي ربّته تلك المشيخيات يكبر، وهو ينسج علاقة وطيدة مع الكيان الصهيوني عبر قطر، وسنشاهد قريباً (العائدون من سوريا) يأتون إلى الرياض والمنامة والقاهرة، ومعهم عنفهم وفوضاهم؛ ومن زرع لابد وأن يحصد، وسيكون الحصاد مراً هذه المرة !! .

ثم نأتي إلى الخطوة الثالثة في الاستراتيجية العربية المطلوبة لمقاومة داعش الجديدة وذئابها المُنفرِدة وهي ضرورة وقف المأساة اليمنية، لأن ما يجري في اليمن منذ أكثر من ثلاثة أعوام هو جريمة متكاملة الأركان وجهد دموي ضائع.

والخطوة الرابعة والمهمة ضرورة وقف عبثية الحروب المذهبية القادمة في المنطقة، والتي تديرها بعض مشيخيات الخليج بغباء ديني وسياسي نادر المثال !!.

على الصعيد المصري، ولمواجهة خطر داعش الجديدة (قطر) وذئابها المُنفرِدة ننصح بضرورة – أولاً – أن تتواصل مصر مع سوريا والعراق وليبيا ولبنان بشكل واضح وعلني، ومن دون خجَل، ومن دون ابتزاز من بعض دول الخليج، لأن تلك التنظيمات الإرهابية تتواصل مع تنظيم "ولاية سيناء"، تمويلياً وتنظيمياً وعقائدياً، فبالتالي العدو واحد، ومن الخلَل السياسي تصوّر غير ذلك، ثانياً، ضرورة تقوية الحاضنة الشعبية مرة أخرى في مواجهة الإرهاب، وذلك عبر خطط اقتصادية واجتماعية عادلة تجعل الناس يلتّفون ثانية حول استراتيجية مواجهة الإرهاب، لأن البعض بدأ واقعياً ينفّض عنها نتيجة أزماتهم الاقتصادية، فلا بد من بناء استراتيجية اقتصادية واجتماعية ممتصّة للغضب الشعبي، تتضمّن سياسات اقتصادية عادلة، ليعود الناس مرة أخرى إلى التوحّد في مواجهة داعش وأخواتها القادمين بقوّة في سيناء والمنطقة الغربية على الحدود مع ليبيا، ثالثاً، ضرورة وجود استراتيجية واضحة لتجديد الخطاب الديني بشكل حقيقي، وليس بشكل (مناسباتي)، حتى لا يتحوّل إلى خطاب داعشي، فنصبح محاربين لداعش بنفس كلامها، وهنا يكون الدور الكبير والعظيم، الدَعَوي والسياسي والاجتماعي للأزهر الشريف في هذه المرحلة.

خلاصة القول : إن داعش الأخرى، قادمة، عبر قطر، وذئابها المُنفرِدة، وإن لم نستعدّ لها بروحيّة جديدة، وبرؤى خارج الصندوق التقليدي، للمواجهات، فإن الخطر سيكون أشدّ.

المصدر: الميادين

حول الموقع

سام برس