بقلم / أحمد عبدالله الشاوش
كثيرة هي الازمات التي أرقت اليمن وأرهقت العرب وعصفت بالعالم الإسلامي ، نتيجة للجهل وهوى النفس الذي جعل من السياسة معولاً لتدمير العقول وتسميم القلوب وسحر العيون ، وحولت السواد الأعظم من السياسيين الى مجرد أدوات وببغاوات ناطقة للدول الإقليمية والدولية بثمن بخس ، حتى صار ما تبقى من الحكماء والمفكرين والمثقفين ورجال الدين المتنورين مصدومين وتائهين وأكثر هروباً من هول" الفتن" التي عصفت بالأمة ، لاسيما بعد المتغيرات السياسية التي قلبت المنطقة العربية رأساً على عقب ، وتسببت في سفك دماء الأبرياء من الأطفال والنساء والشباب والشيوخ وحولت اليمن وسوريا والعراق وليبيا ،، الى مجرد اطلال تحت ايقاعات المطالبة بالحرية والمساواة والعدالة والقضاء على الطغيان .

ليكتشف اليمنيون بعد سبع سنوات عجاف من الازمات والثورات والدمار والدماء ان حليف الساحة الذي أنقض على السلطة في المنطقة العربية وفي مقدمتها اليمن رمى بالشعارات التي دغدغت عواطف البسطاء وحسني النوايا عرض الحائط وصار أكثر ديكتاتورية وايماناً بثقافة السجان وسجون الثكنات والبدرومات وعقلية محاكم التفتيش في صنعاء ومأرب وعدن وحضرموت وتعز ولحج،، بعيداً عن " الدولة"، كما أستفرط الغازي والمحتل باليمنيين الشرفاء ورجم بهم في غياهب السجون المظلمة من باب الانتقام والعبث بموارد اليمن .

وبعد ان وضحت معالم الصورة ، يكتشف المواطن اليمني والعربي ، ان تلك الثورات والشعارات والدعوات المستوردة كان ظاهرها " الإصلاح " وباطنها " الانتقام" ، لافتقادها للرؤية الإيجابية ، وما تلك اليافطات والاصوات والبيانات الانسانية والاناشيد والزوامل والمناشدات والضحايا والمغالطات ، إلا طريق للوصول الى السلطة ومجرد "هستيريا " تجسد القوة والبطش الذي يتنافر مع احترام إنسانية الانسان والرأي الاخر ومبدأ التسامح والتعايش .

كنا نحلم في اليمن بثورة تتجلى فيها مكارم" الاخلاق " تأسياً برسول البشرية النبي محمد صلى الله عليه وسلم الذي قال عقب فتح مكة أذهبوا فأنتم الطلقاء ، وعملاً بإداب القرآن ، والحفاظ على إرث الإباء والأجداد ، وان يترفع الجميع عن الجراح وينشدوا الحرية والعدالة الاجتماعية واستحضار قيم التسامح والتعايش وبناء دولة المؤسسات والمضي في تصحيح الخلل وتلافى القصور وانتشال الدولة " الفاشلة" ووضع حداً للحرس القديم الذي قفز على أهداف ثورة السادس والعشرين من سبتمبر والنظام الجمهوري وأصبحت الثوابت الوطنية والوحدة مجرد طبول وايقاعات يهتف بها الكثير من المسؤولين ومتسولي السياسة للبقاء في الحكم مدة أطول ، إلا ان فاقد الشيء لايعطية.

كنا نطمح الى كشف ومحاسبة لصوص المال العام الذين استغلوا مناصبهم ومسؤولياتهم وسيطروا على ثروات البلاد وشركات النفط والغاز وتواروا خلف رجال الاعمال والوكالات التجارية وهربوا الأموال لدى البنوك الأجنبية وبنو الفلل والقصور والشقق والشاليهات والمصانع في تركيا والقاهرة والأردن وابوظبي والرياض ولندن وواشنطن وغيرها ، إلا اننا شاهدنا فساداً بلاحدود في الغاز والنفط وشراء الفلل والأراضي والاعمار والمواد الغذائية والالكترونيات والسيارات الفارهة لأناس حديثي النعمة في حكومة الشرعية والامر الواقع في صنعاء بعد ان كانوا يبحثون عن لقمة عيش ، في حين يبحث حوالي اثنين مليون موظف في السلك العسكري والمدني عن مرتباتهم للبقاء على قيد الحياة دون رحمة ، ما جعلهم أكثر حقداُ على في الشمال والجنوب واخف وطأة على العدوان والغازي بعدان كانوا أكثر كراهية ومقاومة للعدو وفي الصفوف الاولى للدفاع عن اليمن ، والحقيقة المرة ان عقلية المتصارعين على السلطة في اليمن لاتكلف نفسها بالنزول الى الشارع لاستقراء الواقع المرير وقياس شعبيتها ومعرفة حالة السخط والتذمر لدى المواطن الذي ظل الجميع عبئاً عليه ، والدولة مجرد ديكور يجدها في وسائل الاعلام دون تقديم أي خدمات أساسية للمواطن الذي يعاني الامرين.

كنا نامل من ثورة الربيع العربي ، ان تملك النخب إرادة حرة وصادقة لانتشال اليمن من الواقع المرير نحو بر الأمان ، لكنها مع الأسف الشديد أصبحت بلا إرادة بعد ان أصبح الربيع الدامي قطري الهوى وصهيوني المنشأ، ومعظم قادة الأحزاب والنُخب السياسية والقادة العسكريين والامنيين والمشايخ والمثقفين والعلماء والإعلاميين تتقاسم السلطة والثروة مع الحرس القديم الذين تحولوا بقدرة قادر الى " ثوار" شاركوا جميعهم في نكبة اليمن وتدميره ورهن سيادته وتقطيع أوصاله واغراق اليمن في مستنقع بلاحدود عبر التحالفات المشبوهة والاستقواء بالسعودية وواشنطن وبريطانيا والامارات وقطر وايران وترويعه بالبند السابع ، نتيجة لتغييب وتدمير الاخلاق التي أكتسبها اليمنيون منذ مئات السنين ، فسقطت " الثورة" وثوارها ، والدولة ومؤسساتها والتحالفات المغلفة بروح الانتقام وسقط اليمن في مسلسل الاستنزاف اليومي وسقطت السعودية في فخ الابتزاز الأمريكي المروع.

فهل يعي حكام صنعاء وعدن ومأرب وتعز وحضرموت ،،، واقع المؤامرة التي تستنزف قواهم البشرية والبنية التحتية، وهل يدرك حكام الرياض فضاعة المستنقع اليمني ومتاجرة أمراء الحرب بعمليات البيع والشراء لساحات القتال ، وهل آن الأوان للشرعية وحكومة الانقاذ استشعار المسؤولية والمضي نحو بناء الدولة اليمنية التي تكفل حقوق ابنائها ، والتهيئة للشروع في مفاوضات السلام للخروج من المأزق اليمني التي ستنهار فيه كافة القوى ان لم تحكم العقل.. أملنا كبير.

shawish22@gmail.com

حول الموقع

سام برس