بقلم / أحمد عبدالله الشاوش
دعا الرئيس التركي رجب طيب اردوغان في خطاب له أمام جمع كبير من حزب العدالة والتنمية الإسلامي في مدينة مرسين التركية يوم السبت حلف الناتو الى التدخل العسكري في سوريا ، والمساعدة في حماية الحدود التركية التي تُعد بمثابة الحدود المتقدمة للحلف ، وقال الامبراطور العثماني بلغة صادمة ونداء صارخ واستجداء غير متوقع جسد حالة من الضعف والذعر قائلاً :

أخاطب الناتو، أين أنتم؟، تعالوا إلى سوريا، لماذا لا تأتون، أليست تركيا إحدى دول الناتو؟". وبحسرة ونهدة كبيرة وغير متوقعة ، قال أردوغان:

"دعوتمونا إلى أفغانستان والصومال والبلقان فلبينا النداء، والآن أنا أدعوكم: تعالوا إلى سوريا.. لماذا لا تأتون؟ ، إلا ان " الناتو" لم يتفاعل مع تلك الدعوة وذلك الرجاء وطلب الاستغاثة أو العمل بمواثيق الحلف التي تلزم الدفاع عن العضو في حلف الاطلسي.

وقبل ذلك قال اردوغان " لقد صبرنا وصبرنا وصبرنا ولم نعد نتحمّل ، أردنا أن تعود الأرض لأصحابها الحقيقيين، وأردنا أن نُرسي العدل ، لقد دخلنا إلى سوريا مع الجيش الحر لكي نسقط نظام حكم "الأسد" الظالم الذي يُمارس سياسة إرهاب الدولة وليس لأي هدف آخر"!!؟.

غير ان واقع الحال يؤكد ان أحلام ونزوات السلطان تجاوزت منطق العقل والحكمة ونصبت من نفسها الخصم والحكم وقفزت على قيم الجوار والتعايش والحوار ، وتمردت على قوانين الأرض وعدالة السماء وتجردت من الإنسانية بعد ان تورطت في فتح أراضيها للمعارضة المسلحة ودعم وتدريب وايواء الجماعات الإسلامية المتطرفة من القاعدة وداعش والنصرة ولواء السلطان مراد المشكل من مجموعات "لواء السلطان محمد الفاتح" في ريف حلب ولواء "الشهيد زكي تركماني" ولواء "أشبال العقيدة " مع قوات "السلطان مراد" وفرقة الحمزة ، وفيلق الشام وحركة نور الدين الزنكي وحركة أحرار الشام ولواء صقور الجبل الجبهة الشامية وجيش النصر ،،، التي تم تجميعها من كل أصقاع الارض لانتهاك سيادة دولة "مستقلة " وتدميرها وقتل وجرح وتهجير وتشريد الملايين من أبناء الشعب السوري تحت ايقاعات إرساء " العدل"!!؟ واسقاط النظام مقابل الأموال " القطرية " و" السعودية" التي حولت سوريا الى اطلال تحقيقاً لمآرب وثارات شخصية ورغبات أمريكا والصهيونية العالمية .

ورغم الخسائر البشرية الفادحة والدمار المرعب وسياسة الأرض المحروقة من جميع الأطراف المتورطة التي قسمت سوريا ، إلا ان الجيش العربي السوري وحلفاؤه من الروس وايران وحزب الله تمكنوا من تحرير السواد الأعظم من الدولة السورية ، رغم الحرب الكونية على سوريا ، وان " الانتصار" العظيم قد أفشل رهان و" مغامرة" الامبراطور العثماني وجعلته يفكر في حزم أمتعته للعودة على جواد السلطان سليمان الى إسطنبول بعد ان ولى زمن الغرور والغزوات والفتوحات المثير للجدل والرهان على أمريكا التي استنزفت " الاخوان" واستهلكت " الاكراد" وورطت الجيش التركي وأثرت على أمنه واستقراره.

نعلم ان تركيا تملك من المقومات التاريخية والجغرافية والسياسية والاقتصادية والعلمية والثقافية والفكرية والعلاقات الإنسانية والموقع الاستراتيجي الفريد بين اسيا وأوروبا مالا تملكه دولاَ وشعوباً أخرى ، ورغم اعجابنا بذلك الإرث والتاريخ والحضاري العظيم وروابط الدين والجوار والانسانية ، إلا اننا نأمل من الرئيس رجب طيب اردوغان وقيادة ومثقفي وعلماء ومفكري تركيا وخز الضمير وتفعيل قيم التسامح والتعايش وانتهاج لغة الحوار مع سوريا والاكراد وغيرهم ، لأنه من المستحيل إزالة شعب وفلسطين خير شاهد أو جغرافيا من الوجود وإعادة النظر في تقييم السياسة التركية ، فالمتغيرات المحلية والإقليمية والدولية العاصفة تؤكد ذلك وتدعو الى الحفاظ على الوحدة الوطنية وسيادة تركيا ومنجزاتها العظيمة التي تحققت عبر السنين وكذلك سيادة الدول الاخرى ، مالم فإن الدور قادم لامحالة في ظل التوحش الإنساني والاطماع الجامحة والمصالح القذرة لقوى الهيمنة وادواتها التي حولت سوريا والعراق وليبيا واليمن الى اطلال ، بإمكانها ان تستنسخ تلك التجربة وتسقطها في تركيا ، والسعودية وقطر والامارات ، لاسيما وان الاكراد والشيعة والمذاهب السياسية والايدلوجية الأخرى قابلة للانفجار في أي وقت اذا وجدت الضوء الأخضر لإشعال الفتيل الطائفي وتجميع المرتزقة من اصقاع العالم ، اذا رأت تلك الوحوش " الفريسة" اكثر ربحاً.. فهل يعي حكام " أسطنبول" الواقع ، أم انه إذا قضى الله أمراً سلب أهل العقول عقولهم!!

ولكي يعود السلام تدريجياً للمنطقة لابد من فتح صفحة جديدة بعيداً عن هواجس الإخفاق أو الهزيمة والكبرياء ، ونأمل من الرئيس التركي أن يتحرر من رواسب ثقافة الماضي والعادات والتقاليد والاحلام الوردية وأن يقرأ المشهد السياسي جيداً ، وان يستشعر المسؤولية الأخلاقية والدينية والإنسانية ، بعيداً عن حروب الماضي ووهم الحاضر والقفز على الواقع ، ليأمن صروف الزمان.

وكمواطن عربي ومسلم ومن باب النصيحة ، لا أريد ان تتكرر مأساة " سوريا" في تركيا أو أي دولة عربية أو أجنبية أخرى ، ولا اريد أن يتم تشليح المصانع التركية ونقلها الى دول أخرى كما تم تفكيك مصانع " حلب " السورية وغيرها من المصانع والاثار والعلوم والابتكارات الى دول أقوى وجيوش بلاقلب ، فاقتلاع الأكراد في الدول الثلاث أو غيرها مستحيل ، مهما تعدد اللاعبون على الأرض السورية أو خارجها والتكهن بنتائج الحرب او السيطرة صعب في ساحة دامية يشعل نارها الامريكيون والروس والأتراك والايرانيون والقطريون والسعوديون والفرنسيون والبريطانيون والإسرائيليون ، ورغم ذلك استطاع الدب الروسي أن تكون له اليد الطولى في سوريا وغرس مخالبه في الشرق الأوسط وأهدافه التي تتجاوز الرئيس بشار الأسد ، بعد ثمان سنوات من الصراع المسلح .

وأخيراً هل يحتكم الامريكان والروس والأتراك والسوريين والإيرانيين والاكراد الى العقل للجلوس على طاولة المفاوضات والبدء في اجراء حوار حقيقي للوصول الى السلام ، مهما كان مؤلماً و تجنيب المنطقة الدمار والدماء وإنقاذ حياة الملايين من الأطفال والنساء والرجال والمهاجرين المشردين والشروع في اعادة الاعمار ، وما أمسى في جارك أصبح في دارك.

shawish22@gmail.com

حول الموقع

سام برس