بقلم/ سعدية مفرح
ظهرت في تسعينيات القرن الماضي بعض المصطلحات النقدية ذات الطابع الصحفي توصيفياً لما كانت تكتبه وتنشره الشاعرات والروائيات - آنذاك - من دواوين شعرية ومجموعات قصصية وروايات، وكان أشهر تلك المصطلحات المثيرة مصطلح «أدب البنات»، والذي ظهر في بعض المجلات الثقافية المصرية، وأشهرها مجلة إبداع، على ما تسعفني به الذاكرة. يومها ظهرت على ساحة النشر الثقافي في مصر ثم في الوطن العربي كله مجموعة من الأديبات الشابات في سياق تيار إبداعي واحد تقريباً.

ولأنهن ظهرن في الفترة نفسها وينتمين للجيل نفسه، ولأنهن بدأن مرحلة الكتابة والنشر الموسع في مراحل مبكرة من أعمارهن، وبدأن يكتبن بتدفق وإصرار غير معتادين كثيراً بالنسبة للكتاب الشباب عموماً، والشابات خصوصاً، وتميزت بعض كتاباتهن، شعراً ونثراً، بجرأة غير مسبوقة خصوصاً على صعيد تناولهن لقضايا الجسد الأنثوي، فقد شكلن ما يشبه الظاهرة فعلاً.

ويبدو أن هذا ما جعل بعض النقاد يستسهل وضعهن جميعاً في سلة نقدية وتنظيرية واحدة بسهولة ومن دون التفكير بما وراء ما بدا أنه ظاهرة، وبالتالي تعامل هؤلاء النقاد معهن سطحياً بالإشارة إلى ما يكتبنه وينشرنه، بما يسمى «أدب البنات».

حل هذا المصطلح محل مصطلحات قديمة تشبهه في الشكل مثل «أدب المخالب الطويلة» و«الأقلام النسائية»، و«أدب المرأة»، وغيرها من مصطلحات تحيل الكتابة إلى الجنسوية وتتخذ من ذلك معياراً نقدياً للحكم على جودتها في كثير من الأحيان.

ولأنه كان المصطلح الأحدث الذي ظن بعض مجترحيه ومستخدميه أنه يرضي بعض الكاتبات اللواتي يضفي عليهن الصفة الشبابية في نظرة قاصرة منهم لاهتمامات المرأة المبدعة عموماً، انتشر في كثير من الكتابات الصحفية طوال فترة التسعينيات تقريباً قبل أن يختفي مع بدايات الألفية الثانية فجأة من دون أن يترك أي أثر نقدي حقيقي.

قبل أيام تصفحت بالمصادفة عدداً قديماً يعود لحقبة منتصف التسعينيات من القرن الماضي لمجلة أدبية مصرية شهيرة فوجدت العدد حافلاً بتلك الأقلام التي أدرجها نقاد تلك المرحلة تحت مسمى أدب البنات، وعن لي أن أتساءل عن مصائرهن الآن، فاكتشفت بعد بحث سريع أن قلة قليلة منهن بقيت صامدة في وجه التحولات بنتاجات إبداعية حقيقية في حين تحولت الأخريات إما إلى مجالات كتابية أخرى أو إلى الغياب المريب، من دون أن يتساءل أحد ممن روج لتلك الظاهرة عن السبب أو حتى يحاول البحث فيما تركنه وراءهن قبل أن يخترن العدم.

وفي استقراء سريع لبعض النتاجات المنشورة في تلك المجلة ممهورة بالأقلام التي كانت تفرح بالنشر في سياق مصطلح جنسوي بعيداً عن أصل الإبداع يتضح أن السبب الحقيقي لذلك الفرح الذي لم يؤد في النهاية إلا إلى العدم هو أن لا شيء حقيقي كتبته تلك الأقلام وبالتالي فقد كان من الطبيعي جداً أن تظهر الشمس أخيراً على تماثيل الثلج التي بناها نقاد لأهداف لا يمكن أن تكون موضوعية تحت عنوان واحد هو أدب البنات.

المصدر: اليمامة

حول الموقع

سام برس