بقلم/ سيلين جريزي
تُعدّ انتخابات السادس من مايو 2018، البلدية/ المحلية، منعطفاً هاماً في تاريخ الحياة السياسية التونسية، لكونها الأولى من نوعها في تاريخ تونس، كانتخابات ديمقراطية، تشاركية وحرّة، تفتح التجربة لحُكم محلي ذي صلاحيات واسعة لمحاولة تثمين التوجّه الديمقراطي في تونس، في ظلّ تعالي العديد من الأصوات المُنتقِدة لطريقة تسيير وإدارة الحزب الحاكم للبلاد في الفترة الماضية.

وتأتي هذه الانتخابات التي تجرى تحت شعار "الكلنا ننتخبوا"، والتي ستعدّ مؤشّراً للانتخابات البرلمانية والرئاسية المُزمع عقدهما عام 2019، وسط ظروف أشبه بقنبلة موقوتة قابلة للانفجار بأية لحظة، وكرِهان صعب أمام الحزب الذي أستلم زمام الأمور لبلدٍ يعيش مخاضاً صعباً... صامتاً أحياناً ومدوّياً أحياناً أخرى. فحتى وإن كان مسار تونس، غداة ما يُسمّى بالربيع العربي، مثالاً قد يُحتذى به لبعض الدول الغارِقة في الفوضى ، إلا أن حلحلة وضعها الاجتماعي والسياسي والاقتصادي تظلّ اختباراً صعباً لضمان القدرة على امتصاص الغضب والسخط المتناميين في وسط الشارع التونسي.

كما أن المجتمع التونسي يتخوّف من أن يتّخذ المسار الديمقراطي المُنتظَر منحىً متطرّفاً، خاصةً وأن البلاد تعتبر مفترق طرق أو بالأحرى معبراً لوصول و/أو لتواصل مجموعات دينية ودولية متطرّفة تنشط في المنطقة خصوصاً، وبإفريقيا ودوّل الساحل وتتعداها إلى أوروبا عموماً. غير أن الحكومة التونسية، وفي خطوة تُحسَب لها، أوكلت وزارة الشؤون الدّينية بمتابعة يقظة للبرنامج الانتخابي حتى تضمن للمساجد حيادها وتنأى بها عن كل نشاط لا يتماشى ومهامّها الدّينية، خاصة وأن التيارات الدينية في أغلب الدول العربية تُعرّف بانضباطها وبتراتبيتها الهرمية الصارِمة، حيث تخشى الدولة التونسية من أن تستغلّ حركة النهضة الإسلامية، ثاني أقوى حزب برلماني – إخوان تونس – (تشارك حزب نداء تونس العلماني الحُكم)، أو أي من الأحزاب الأخرى المساجد في الدعاية الانتخابية.

النهضة بين التكتيك والاستراتيجية
وتجدر الإشارة إلى أن أغلبية الأصوات التي تحصدها التيارات الدينية، لا تعني حتما أنهم يتوافرون على قاعدة شعبية أكبر أو بصورة مطلقة، بقدر ما يدلّ على تعدّد وتبعثر وتشتّت التيارات الأخرى، ما يضيّع الأصوات في ما بينها ناهيك عن الأغلبية الصامِتة، والصامِتة جداً رغم سخطها. فعندما تصل التيارات الدينية إلى سدّة الحُكم، تجتمع كل القوى الأخرى غريزياً وتلقائياً ضدها، وتستطيع أن تحشد جزءاً غير يسير من الأغلبية الصامتة، ما قد يُدخِل تونس في قلاقل واختلالات وعدم استقرار هي في غنى عنه، خاصةً وأنها تريد طَيّ صفحته إلى الأبد.

وانقسم الشارع التونسي بين مؤيّد ومُعارِض لتقديم حزب النهضة، المحسوب على الإخوان المسلمين لسيمون سلامة، وهو مواطن تونسي يهودي الديانة. وهي خطوة قد تكون محسوبة من طرف حزب النهضة لإظهار ميوله للتسامح والانفتاح ، وذلك عكس ما يراه معارضوه كخطوة لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، التي علّق إعلامها بإيجابية حول تقديم حزب الغنوشي لأفراد ينتمون إلى ما يُسمّى بالأقلية الدينية في تونس. فمثلاً استعرضت صحيفة "جوريزاليم بوست" سيرة الشيخ راشد واصِفة إياه بداعِم الموافقة والتآلف بين الإسلام والديمقراطية.

صعوبة تمرير الخطة الانتقالية

فبغضّ النظر عن الجهة السياسية التي ستكسب الانتخابات البلدية القادمة، فإنها ستواجه صعوبات شتّى، أعظمها التبعية للسلطة الإدارية، وأصعبها عدم وضوح مهامها بشكلٍ تفصيلي ، ناهيك عن غياب الاعتمادات المالية الضرورية للقيام بوظائفها الأساسية، مع العِلم أن المُطّلع على الباب السابع في الدستور التونسي يُدرك أنه ثمة تصوّر عام لمهام المجالس المحلية وصلاحياتها، يضمن استقلاليتها ويمنع تبعيتها لسلطة إدارية غير مُنتخَبة. ويبدو النسيج الديمقراطي في تونس معقداً، ومجلس نواب الشعب لايزال يتباحث بشأن الصيغة النهائية لمجلة الجماعات المحلية الضرورية لإجراء الانتخابات المحلية بصفة عامة والانتخابات البلدية بصفة خاصة، باعتبارها القانون الوحيد المعرّف للجماعات المحلية والمحدّد لاختصاصاتها وصلاحياتها، وطريقة تكوين مجالسها وتحديد مواردها وكيفية مراقبتها، وأيضاً آليات فضّ نزاعاتها.

فتونس، ومنذ زهاء الثمان سنوات من أكبر مدنها إلى أصغر بلداتها تُدار بنيابات خصوصية حسب قانونها الأساسي والصادر منذ 43 عاماً تحديداً، أي بتاريخ 14 مايو عام 1975. وقد تعاظمت مخاوف العديد من الأحزاب السياسية وجمعيات المجتمع المدني في ظلّ غياب هذه القوانين المُنظّمة، ودعت بضرورة الإسراع بالمصادقة على مشروع مجلة الجماعات المحلية قبل إجراء الانتخابات، ما لم، فتأجيلها قد يكون الخيار الأنسب. فالباب السابع للدستور التونسي الجديد، وكما سبقت الإشارة، يقدّم ماهية المجالس المحلية ويحدّد صلاحياتها ويضمن استقلاليتها ما يخوّل، شكلياً، إمكانية إجراء الانتخابات البلدية بعد معرفة الجميع بعدد المجالس البلدية والجهوية وعدد أعضائها.

ويظل بذلك الالتزام بموعد الانتخابات الخيار الأفضل لاستدراك الفراغ التشريعي، من دون إغفال خطر مغبّة الاستعجال في كتابة قانون الجماعات المحلية، والذي قد يجعلها مُرتجلة ولاتفي بالغرض. لاسيما وأن التونسيين، بعد سنة، على موعد أكثر مصيرية مع الانتخابات التشريعية والرئاسية.

نهضة ونداء

قد مرّت 8 أعوام، تآكلت خلالها الزعامات والنُخَب القديمة ولَم يفرز الشارع زعامات جديدة، والتونسيون يغازلون حلم تحقّق الثورة أخيراً، ويترقّبون صدق وتحقّق وعود قادتها لإسعافهم كشعبٍ مُنهَك، مُرتَبك، خائِف من عودة جلاّديه إلى صلبه وتقديمه قرباناً لأصنام الفساد، وهو من أعلن المخاض وكان أول من جاهر بالألم. فهل سيلبي "التوانسة" نداء النهضة أم سيستجيبون مجدّداً للنداء؟

وهل ستنجح أخيراً تونس في الخروج من واقعها المُحتقِن كقطعةِ صوفٍ مُبلّلة بالزيت قابلة للاشتعال بأية لحظة؟

*أكاديمية وكاتبة مغربية في باريس

الميادين

حول الموقع

سام برس