سام برس
عن معاناتهم تحت الأنقاض.. مَن الذي خذل مَن في هذه المعركة الدموية؟ وهل باتت العاصمة دمشق آمنة كليا ومحصنة من قذائف الهاون؟

تتعرض الفصائل المسلحة لنكسة كبرى في الغوطة الشرقية تتمثل في عمليات اجلائها وعائلاتها الى مدينة ادلب الملاذ الوحيد الآمن، ولكن الى حين، مثلما اثبتت جميع التجارب السابقة، على مدى سبع سنوات من الازمة السورية.

قوات الجيش السوري، وبغطاء جوي روسي، نجحت في السيطرة على اكثر من ثمانين في المئة على المنطقة بعد حصار خانق وقصف سجادي مكثف، وتقسيمها الى ثلاثة جيوب، الامر الذي دفع فصائل المعارضة المسلحة الى الانخراط مجبرة في مفاوضات مع الجانبين السوري والروسي، ولتأمين الخروج، ووقف اطلاق النار، لان الاستمرار في القتال بات انتحارا، والنهاية مكتوبة بوضوح على الحائط.

قوات “فيلق الرحمن”، وأخرى تابعة لحركة “احرار الشام” وافقت على تسليم أسلحتها الثقيلة والمتوسطة، والخروج من مدينة حرستا، وقبلهم خرج عشرات الآلاف من المدنيين للنجاة بحياتهم عبر ممرات آمنة الى معسكرات اللجوء وفي أحوال مؤلمة.

الخارجون من وسط الأنقاض، وبعد ان كُتبت لهم الحياة، قدموا روايات مرعبة عما تعرضوا له من قصف جوي، ارغمهم على الحياة لأسابيع تحت الارض، حيث لا طعام، ولا ماء، ولا حتى الشعير، وكانوا هدفا سهلا للأوبئة مثل الجرب والحشرات وعلى رأسها القمل.

المجتمع الدولي خذل أهالي الغوطة، وكذلك الدول التي دعمت المعارضة المسلحة بالمال والسلاح، أمريكية أوروبية كانت او دولا عربية، فالغضب لم يوجه نحو الروس والنظام فقط، وانما الى هذه الدول وحكوماتها أيضا وبصورة اكثر قوة.

اقتراب معركة الغوطة الشرقية من نهايتها، وخروج المعارضة المسلحة منها، يشكلان إنجازا مهما للسلطات السورية وحلفائها الروس والإيرانيين، الامر الذي يعني عودة الامن الى العاصمة دمشق ومعظم احيائها، وإزالة خطر قصفها بقذائف الهون الذي أدى الى زعزعة امنها واستقرارها، وقتل واصابة العشرات من سكانها.

هيبة النظام اهتزت كثيرا بسبب تعرض العاصمة دمشق للقذائف والصواريخ من مناطق الفصائل المسلحة، وايا كانت الجهة التي تقف خلف هذا القصف، وتعكس كثافة الغارات الجوية على الغوطة حجم الغضب السوري والروسي، واتباع نظرية الأرض المحروقة للقضاء على هذا الخطر الذي يهدد العاصمة ومرافقها الحيوية مثل المطار الدولي قضاء تاما، ومن غير المعتقد ان هناك نظاما يسمح بتعرض عاصمته واحيائها للقصف من جماعات مسلحة تريد اسقاطه.

المدنيون الابرياء كانوا الضحية الأكبر لهذه المعركة، مثل جميع المعارك الأخرى في حلب وحمص ودير الزور وحماة، وربما قريبا في ادلب وجسر الشغور، وقصص الخارجين من تحت الركام تدمي القلوب من شدة مأساويتها، فهؤلاء لم يختاروا مطلقا هذا المصير، وفضلوا البقاء في ارضهم ومنازلهم على الهجرة الى بلدان أخرى، وهذا يحسب لهم، ووسام على صدورهم.

توقعنا في هذا المكان هذه النهاية المأساوية، وأكدنا ان سيناريو حلب الشرقية سيتكرر في الغوطة الشرقية، وقلنا ان الحافلات الخضراء ستكون في انتظار المسلحين لنقلهم الى ادلب في نهاية المطاف، ليس لأننا عرافون ونضرب في الرمل، ونقرأ الطالع، وانما لأننا نسترجع التجارب السابقة المماثلة ونهاياتها، ولاننا كنا واثقين من ان أصحاب الإمبراطوريات الإعلامية الضخمة لن يرسلوا قواتهم وطائراتهم للدفاع عن مواطني الغوطة الشرقية، وإنقاذ ارواحهم واطفالهم، تماما مثلما تخلوا عن أبناء حلب وحمص وكل المدن السورية الأخرى التي واجهت المصير نفسه.

بعد ان يتم اسدال الستار نهائيا على هذا الفصل المأساوي في الغوطة الشرقية يظل السؤال الذي يفرض نفسه ويبحث عن إجابة، هو اين ستكون المعركة المقبلة في المشهد السوري.

نترك هذه الإجابة للأسابيع المقبلة، ونترحم في الوقت نفسه على أرواح الضحايا السوريين الذين سقطوا في هذه المواجهات من الجانبين، ونتمنى شفاء عاجلا للجرحى.

حول الموقع

سام برس