بقلم/ عائشة سلطان
لطالما سُئلتُ عن أول مرة فكرت فيها في الكتابة؟ ومتى كان أول مقال ظهر لي في الصحيفة؟ وما كانت بالضبط تلك المناسبة التي دفعتني للكتابة؟ ثم كيف تحولت الكتابة من ردة فعل انفعالية على موقف إلى مشروع حياة وموقف ثابت استمر كل هذه السنوات دون انقطاع يذكر؟ لماذا ومتى وكيف كتبت؟ والأهم كيف استمرت تلك الكتابة اليومية حتى اليوم؟

في الحقيقة فإن هذه الأسئلة حول الكتابة تشكل المحور الرئيس للدخول إلى تفاصيل عوالم ونفسية وفكر وقناعات أي كاتب، الكاتب المبدع صاحب المشروع الإبداعي السردي «الروائي والقاص والمسرحي والشاعر والمترجم» والكاتب صاحب الرأي والصوت والمعتد بكلمته إلى حد بعيد، كاتب المقال أو العمود كما بات يعرف في الصحافة اليومية، وحتى رسام الكاريكاتير الناقد يعتبر كاتباً صادماً حتى وإن كان يكتب بالريشة والخطوط لا بالكلمات.

في ظني أنها قدرة هائلة تلك التي يفجر بها رسام الكاريكاتير ببضعة خطوط أو الكاتب بقليل من الكلمات مشاعر الناس ومواقفهم باتجاه معين أو صوب قناعات محددة، هو يؤمن بها، وهم يلتقون معه فيها دون أن يشير إليهم بحركة أو يطلب منهم ذلك بكلمة واحدة، إنها طاقة الكلمة وسر الفكرة الخلاقة الملهمة!

تحفر هذه الأسئلة حول الـ«متى وكيف ولماذا فكرنا أن نكتب» نهراً حقيقياً، منسرباً في داخلنا متدفقاً إلى الخارج عبر صوتنا المكتوب بقوة واستمرار دؤوبين، ما يشكل في الختام هويتنا كتاباً أمام الآخرين وأمام المجتمع، فنحن لا أحد سوى هذا الكاتب الذي يجلس إلى كل واحد منكم على انفراد وإلى جميعكم في اللحظة نفسها كل يوم صباحاً ومساءً وطيلة النهار، ليقول لكم شيئاً ما، ربما لا تعرفونه، أو ربما لم تسمعوا به يوماً، ربما لا تصدقونه، وربما تخالفونه، ربما تتفقون معه وتحبونه، وربما تذهبون سريعاً للبحث عما حدثكم به فتشترونه أو تقرأونه أو تسافرون إليه، ربما ترفعونه عالياً بسبب فكرة وربما تبغضونه بسبب أخرى، وقد يغيب فلا تفتقدونه، وقد تفعلون، لكنه يبقى مصلوباً على شوك كلماته لا يستطيع تركها ولا ترككم، أنتم القراء الذين أصبحتم في هذه الأيام العجاف سلطة أعلى من سلطة الكاتب والنص والصحيفة، وأحياناً السلطة الأشرس!

إن الكاتب مستمتع بسلطة الحكي لا يريد أكثر، ولتحفر الكلمة مجراها وليتدفق نهر الأفكار، هو ماضٍ في طريقه بدأب نملة وذاكرة فيل، ماضٍ كشأن أسلافه القدامى الحكائين الكبار، لن يملَّكم ولن يغادركم ولن يفقد إيمانه بكم، ولذلك هو يكتب، ولذلك كتب كما قدرت له مصائره ذات يوم!

ayya-222@hotmail.com

المصدر: البيان

حول الموقع

سام برس