سام برس
لماذا تُشَكِّل عَمليّة اغتيال الصماد خَسارةً كُبرى لتيّار “أنصار الله” الحوثي وزَعيمِه شَخصيًّا؟ وما هِي الاحتمالات المُتوَقَّعة للانتقام.. وضِد مَنّ؟

تُخَيِّم حالةٌ من الحُزن على المَناطِق التي تُسيطِر عليها حركة “أنصار الله” الحُوثيّة، وخاصَّةً في صعدة والعاصِمة صنعاء، بسبب اغتيال السيد صالح الصماد، رئيس المجلس الأعلى، والخطيب المُفَوَّه، والصَّديق الوَفيّ الأقرب لزَعيم الحَركة، السيد عبد الملك الحوثي.

عَمليّة الاغتيال، من خِلال قَصف مُكثَّف لطائِرات تابِعة للتَّحالُف العَربيّ بقِيادَة السعوديّة يوم الخميس الماضي في شارع الخمسين في الحديدة، ما زالت تتَّسِم بالغُموض، لأنّ الإعلان عن مَقتَل السيد الصماد من جَرَّاء الغارة لم يَأتِ من قِبَل المُتحدِّث باسم التَّحالُف، وإنّما من السيد الحوثي وبَعد أربَعة أيّام، أي يوم الإثنين، أثناء انشغال وسائِل الإعلام بالغارَةِ الجَويّة التي استهدفت حفل زفاف، وأسفَرت عن مَقتَل حَواليّ 25 شَخصًا وإصابَة أربعين آخَرين.

اغتيال الصماد كان خَسارةً كبيرة لحَركة “أنصار الله” لأنّ الرَّجُل اجتمعت في شَخصيّتِه ثلاثة جوانِب مُهِمَّة، الأولى، أنّه شاب (مواليد عام 1979)، والثَّانِية، تَمَتُّعِه بثقافَةٍ عالِية، وهي صِفة لها وَقع مُمَيَّز في اليمن، وانعَكَست هذهِ الثَّقافة في خُطَبِه القَويّة في جامع صعدة، والثَّالِثة، خِبراته السِّياسيّة والعَسكريّة في الوَقتِ نَفسِه، حيث كانَ على رأسِ قُوَّات الحَركة التي تَصدَّت للهُجوم الرَّابِع الذي شَنَّهُ الرئيس الرَّاحِل علي عبد الله صالح على صعدة، وعَيّنه الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي كمُستشارٍ سياسيٍّ، ورَفَضَ طَلبًا من قِيادَة الحَركة الحوثيّة تَعيينه نائِبًا له عام 2014، وهو الرَّفض الذي أدَّى للإطاحةِ بِه حسب سِياسي يمني كَبير تَحدَّث لـ”رأي اليوم”.

الحوثيون خَسِروا قائِدًا مُهِمًّا في شَخص السيد الصماد، ولكن خَسارة التَّحالُف ربّما تكون أكبر، إذا كانت قِيادته السعوديّة تتطلَّع لحَلٍّ سِياسيٍّ سِلميّ يُوَفِّر لها المَخرَج مِن المُستَنقع الدَّموي اليَمني، لأنّ الرَّجُل كان يتمتَّع بالكَثير من المُرونةِ والعَقلانيّة والاعتدال، وهِي صِفات لا تتوفَّر في خَليفَتِه السيد مهدي المشاط، الذي عُيِّن رئيسًا للمَجلس السياسي، الذي يَميل إلى التَّشَدُّد في مَواقِفِه السِّياسيّة.

السيد عبد الملك الحوثي الذي عَمِل الرَّاحِل مُديرًا لمَكتَبِه السِّياسيّ، حَمَّل أمريكا والسعوديّة المَسؤوليّة القانونيّة عن الاغتيال وكُل ما يتفرَّع عنها من تَبِعات، وتَوعَّد بالانتقام والثَّأر، بينما هَدَّد بيانٌ صادِرٌ عن وزارة الدِّفاع الحوثيّة باستهدافِ قادَة التَّحالف، وقال “أنّهم لن يكونوا في مأمَن من يَدِنا الطُّولى التي ستَنتَزِع أحشاءَهُم أينما كانوا وحَيثُما تواروا”.

تنفيذ هذهِ التَّهديدات بالانتقام ربّما تَأخُذ عِدَّة أشكال:

ـ الأوّل: تنفيذ عمليّات اغتيال لقِيادات التَّحالُف، واستهداف “رأس كبير” حتى يَكون الأثر كبيرًا وعلى مُستَوى الرَّاحِل الصماد.

ـ الثَّاني: أن تُصَعِّد حركة “أنصار الله” أعمالها الانتقاميّة من خِلال إطلاق أعداد كبيرة من الصَّواريخ الباليستيّة على مُدنٍ رئيسيّة، مِثل العاصِمة الرِّياض، وجدّة، وخميس مشيط، والدَّمام، والطائِف.

ـ الثَّالث: نَقل عمليّات الانتقام إلى الخارِج، وعَدم اقتصارِها على مَيادين المَعارِك في الجزيرة العَربيّة، وهذا ما يُمكِن فهمه من الفَقرةِ التي وَردت في بَيانِ وزارة الدِّفاع وقالت “أنّهم لن يَكونوا في مأمَنٍ من يَدِنا الطُّولى التي ستَنتَزِع أحشاءهم أينما كانوا وحَيثُما تَواروا”.

يَعتقِد الكَثير من المُحلِّلين والخُبراء في الشَّأن اليَمني بأنّ اغتيال السيد الصماد لن يَكون له الأثر نَفسه على حركة “أنصار الله”، على غِرار ما حَدث لحِزب المُؤتَمر بعد اغتيال الرئيس السابق علي عبد الله صالح على يَد حُلفائِه الحوثيين بَعد فَكِّه للتَّحالُف مَعهم، لأنّه يُمكِن استبداله بِشَخصٍ آخر، ودُون أن يتأثَّر الهَيكل الأساسي للحَركة (أنصار الله)، لأنّ السيد عبد الملك الحوثي هو صاحِب القَرار الأوّل والأخير، وهو الذي يُدير الحَركة ويُمسِك بِكُل خُيوطِها.

اليَمنيون جميعًا لا يَنسون ثأرَهم، ومِن الصَّعب جِدًّا أن يَغفِروا لِمَن سَفَك دماءَهم وقادَتهم، ولكنَّهم يَصبِرون صَبْرَ الجِمال حتى تأتي اللَّحظة المُناسِبة، ومن غَيرِ المُستَبعد أنّهم سيَتعاطون مع اغتيال طائِرات التَّحالُف للسيد الصماد بِطَريقَةٍ أُخرى.. والله أعلم.

المصدر: “رأي اليوم”

حول الموقع

سام برس