بقلم/ سعدية مفرح
سعدت قبل أسابيع بالمشاركة في ندوة علمية أكاديمية، نظمتها جامعة الكويت عن "مستقبل القدس في إطار الصراع العربي الصهيوني". وأسعدني أن يبقى هذا العنوان يحتل مكانة مهمة في اهتمامات الأكاديميين العرب، وأن ينقلوه، بكل إشكالاته، إلى طلابهم، ليكون من ضمن متطلباتهم الدراسية، وبالتالي من ضمن ما يشكل وعيهم العام تجاه ما يحدث في أوطانهم، خصوصا في ظل تشكيكٍ متجدّد بوجود مثل هذا الصراع، بالمعنى الذي عاشه جيلي والأجيال التي سبقتنا طوال العقود الماضية، أي منذ احتلال فلسطين. وتأتي أهمية نقاش هذا العنوان أيضا في ظل ظروف يتحدّث فيها كثيرون للأسف عن قضية فلسطين، باعتبارها قضية تاريخية ماضوية، استغرقت كل النقاشات الممكنة، ولم يعد هناك من جديد لإضافته إليها بالفعل. وبالتالي لا ينبغي أن نستهلك مزيدا من الوقت والجهد في سبيلها أو تحت رايتها!

يومها حاولت في مداخلتي الأولى في تلك الندوة توكيد العنوان المختار للندوة بالقول إن ذلك الصراع العربي الصهيوني سيظل إلى الأبد، حتى وإن تحرّرت فلسطين، لأن مرجعية الصراع العربي الصهيوني هي الشعوب والجماهير في كل مكان، وليست الأنظمة الحاكمة في أي مكان، حتى لو كان النظام الفلسطيني نفسه، ذلك أن كل ما ليس مرجعيته تنطلق من الشعوب وتعود إليها، بأي صيغةٍ من الصيغ، لا يعول عليه مهما كان ومهما بلغ من قوة على أرض الواقع. وإذا كان من المستحيل أن نجد أنظمةً حاكمةً بلا شعوب، فإننا قد نجد شعوباً بلا أنظمةٍ تحكمها، وهناك حالاتٌ كثيرةٌ فعلا سواء كانت لأسباب احتلال، أو لأسبابٍ سياسية. كما أننا قد نجد دولاً بلا حكومات، وهناك شعوب تحيا بلا حكومات، ولكن لا توجد حكومات تستطيع أن تتكون من دون شعوب، وبما أن الشعب العربي مصرٌّ على وجود الصراع العربي الصهيوني دائما فهذا يعني أنها ليست نظرة وجدانية أو رومانسية، فلا يمكن أن ينطلق أي صراعٍ يبقى أو يموت من دون إرادة شعوب. والشعب العربي مستمر في الإصرار على إيمانه بقضية القدس، وقضية الأقصى، وقضية فلسطين بشكل عام، على الرغم من تنوع السيناريوهات التي ترسم ملامح ذلك الصراع، عبر مراحل مختلفة.

وعندما نتحدّث الآن عن سيناريوهات استمرار الصراع المختلفة، ننتهي إلى أن الصراع مستمر بكل تلك السيناريوهات، وافقنا عليها أم لم نوافق، فالصراع العسكري على سبيل المثال ما زال موجودا، على الرغم من عدم وجود حربٍ تقليديةٍ حقيقيةٍ على أرض الواقع، فليس من الضروري عندما نتحدث عن حربٍ أن نرى بأعيننا الطائرات، أو المقاتلات، أو الدبابات، أو حتى الكلاشنكوف. ذلك أن الحروب تختلف بأدواتها، ولكل عصرٍ حروبُه الخاصة به، وأنا أتصور حتى المعركة التي يديرها الشباب على وسائل التواصل الاجتماعي هي من أنواع الحروب، فلا يمكن أن نتصوّرها تصورا بعيدا عن الصراع العسكري، ولا يمكن أن نتجاهلها. بل علينا أن نتخذ منها دليلا قويا على بقاء الصراع بكل زخمه.

وكون القضية مستمرة كل هذه العقود في الوجدان العربي على الأقل يمكن أن يكون له جانب إيجابي وآخر سلبي، وإذا كانت السلبية تتجسد في بقاء فلسطين محتلة احتلالا كاملا تقريبا، فإن الإيجابية هنا تتجسد في بقاء إسرائيل دائماً عنصراً غريباً وغير ثابت في هذه الأرض، وأن الإسرائيلي يعيش هلعه الجمعي، حتى في عز انتصاراته العسكرية، أو الفكرية، لأنه يعي تماما أن وجوده مهدّد دائما. وهذا معناه أن قضية فلسطين باقية، حتى ولو ضعفت.

المصدر: العربي الجديد

حول الموقع

سام برس